quot;ينبغي أن نؤثر دائما المستحيل المحتمل على الممكن غير قابل للتصديق لأن المستحيل المقنع أفضل من الممكن غير المقنعquot; (بول ريكور: الزمان والسرد)

الكتابة عن القمة العربية يشبه الكتابة عن العدم والبحث عن منطق الغنم والخسارة هو بمثابة العويل في الصحراء ومحاولة التمييز بين جدوى الحضور وحتمية الغياب بالنسبة للرؤساء والزعماء العرب هو كالنفخ في الفراغ لأن الوضع العربي على حاله والبيت الداخلي مازل منقسما والتنسيق العربي العربي ضعيف جدا بل ان النزاعات تزايدت والقضايا الخلافية تصاعدت والملفات العالقة تراكمت والحرص على دراستها بجدية والعمل على حلها تراجع وتبخرت آمالها.
الظروف الموضوعية التي تنعقد فيها القمة هي زيارة نائب الرئيس الأمريكي ديك تشيني الى الخليج وإسرائيل والضفة الغربية ومناشدته الدول العربية النفطية العمل على ضبط الأسعار وتحقيق التوازن بين العرض والطلب في الأسواق بالنسبة للذهب الأسود إنقاذا للدولار من الانحدار وفي المقابل فانه تمادى في تعهداته بحماية إسرائيل من كل اعتداء خارجي وعدم ممارسة أي ضغط ضدها وندد بتهديدات المنظمات الإرهابية وشن الهجمات الصاروخية التي حالت حسب رأيه دون قيام الدولة الفلسطينية. تنعقد قمة العرب العشرين بعد القدوم التاريخي لأعلى مسؤولة ألمانية إنجيلا ميركيل وطلبها الغفران من الاسرائليين حكومة وشعبا عن المحرقة النازية لليهود أثناء الحرب العالمية الثانية واستعدادها للتعويض والدعم من أجل بقاء دولة إسرائيل دون أن تبدي أي تعاطف مع الأطفال الشهداء الأبرياء في غزة والضفة نتيجة البربرية الصهيونية وحالة الحصار الدائم التي يعيش عليها مليون ونصف بشر.
الظروف الذاتية التي تحدث فيها القمة هي اندلاع أزمة غذاء في بعض البلدان لقلة مواد التموين وغلاء أسعارها وتراجع دور القطاع العام وتزايد نسبة الأمية والعزوف عن التأليف والترجمة والقراءة وتصاعد نسب البطالة والهجرة وتردي الخدمات الصحية وتكاثر الأمراض وبروز عدة حركات انفصالية ورغبة الاثنيات في الاستقلال والحكم الذاتي خاصة في العراق واليمن والسودان والصومال.
بيد أن أغلبية الملاحظين يرون أن الجامعة العربية منذ نشأتها الى الآن ظلت عاجزة عن ايجاد حلول للمشاكل الموضوعية والذاتية وأنها بقيت رهينة تدخلات خارجية وكانت لعبة في يد الدول الكبرى توظفها من أجل تحقيق مصالحها وكأنها تأسست لتمنع كل وحدة عربية منتظرة ولتشق الصف العربي عوض أن تدعمه وتقويه ولتقف الى جانب الأنظمة الرسمية عوض أن تدافع عن حقوق الشعوب وتناصر المطالب العادلة للناس.
الجديد في القمة العشرين أنها ستعقد في دمشق التي تعتبر محسوبة على محور الممانعة والتصدي وقد سبقها جدال كبير ورفض وضغط من طرف الدول الغربية النافذة في المنطقة وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وإسرائيل والغاية هو بالطبع إفشال امكانية جلوس العرب على طاولة واحدة وتبادلهم للنقاش أو على الأقل بعثرة أوراقهم وإرباك وفودهم حتى لا يتجرؤوا على اتخاذ قرارت مهمة بشأن مصير شعوبهم ومستقبل علاقاتهم مع بقية دول العالم.
الانقسام حول جدوى انعقاد القمة وحضورها بدأ مبكرا ووضعت الأنظمة المعدلة شروط تعجيزية مقابل ذهابها مثل حل المشكل اللبناني وإنهاء حالة الفوضى الداخلية التي تعيشها الأراضي الفلسطينية والالتزام بالمبادرة العربية للسلام التي وقع التنصيص عليها في قمة بيروت والتي رفضتها إسرائيل وأمريكا في العديد من المرات واستبدلت بمطالب تسقط حق العودة وتضعف مكانة القدس في الدولة الفلسطينية المستقبلية.
بقيت مشاكل قديمة مرتبطة بماضي بعض الأنظمة الشمولية تحول دون حضورها في القمة العشرين حتى لا يقع إحراجها وحتى لا تثار هذه القضايا مجددا ويقع النبش في قبور الماضي، بينما اختارت بعض الدول الأخرى علنا الاقتراب من المحور السوري ورفع شعار الاستثبات وإصلاح البيت العربي وظلت البقية الباقية من الدول التي تتبع منذ مدة دبلوماسية هادئة لا تدري ما تفعل وتنتظر الإجماع العربي حتى تلتزم به وتسير في ركبه دون إزعاج أي طرف إقليمي أو دولي.
ربما حالة اللاربح واللاخسارة بالنسبة للحاضرين أو الغائبين على السواء هي التي تلخص موقف الأنظمة العربية من قمة دمشق لأن الجميع ليس لهم ما يخسرونه عندما يشاركون وليس لهم ما يربحونه عندما يكتفون بإرسال وزراء خارجيتهم طالما أنها قمة عادية مثل غيرها تكرس حالة الضعف العربي وفقدان البوصلة وتعترف بحق القوى المجاورة والدولية في التصرف في المحيط الجغرافي السياسي العربي.
أنصار الممانعة يرون في قمة دمشق مفترق طرق إما أن تؤدي بالعرب الى استرجاع الهيبة والعزة وإما أن تقودهم الى المزيد من التدحرج والضياع، رأي آخر في نفس السياق يعتبر القمة فرصة حقيقية من أجل أن تعيد الأنظمة بناء السياسة العربية بطريقة جذرية وأصيلة حتى يتحول المجال الحيوي العربي من مجال طارد نابذ لأهله الى مجال جاذب ومشجع على السكن والبذل والعطاء.
هناك تخوف من فشل القمة من طرف الشارع العربي لأن إسرائيل عودتنا الإسراع بالهجوم على الأراضي الفلسطينية وحصد المزيد من الأرواح كلما تبنى العرب خيار السلام ودعوها الى التفاوض والحوار ولكن هناك تفاؤل وبصيص أمل لدى بعض المحللين خصوصا وأن ورقة التطبيع والاستسلام والهرولة نحو إسرائيل قد تمزق في دمشق وتستبدل بورقة المقاومة اللاعنيفة والاستثبات الثقافي والاجتماعي خاصة في ظل نية بعض الأنظمة العربية القيام بإصلاحات ديمقراطية في الداخل وتقوية علاقاتها الدبلوماسية وسياساتها الدولية مع الخارجية.
ان الإحراج المطروح على القمة هي حضور بعض دول الجوار كضيوف شرف وخاصة تركيا وإيران والدور الذي يمكن أن تلعبه هاتان الدولتان في مساعدة العرب على استعادة التوازن واسترجاع الهيبة واكتساب أول لبنة في الأمن القومي العربي وهو استقلالية القرار السياسي العربي.
غير أن السقف الأعلى للقمة والخطوط الحمراء التي لا يمكن أن تتجاوزها أنها لن تكون قمة إعلان حرب على الأعداء من أجل استعادة الأراضي العربية المحتلة وطرد جيوش الاستعمار وتفكيك القواعد العسكرية الأجنبية المقامة والرابضة في كل قطر عربي فتلك الفرضية مازالت تعتبر ضمن منطقة اللامفكر فيه بالنسبة للعقل العربي المتعود على الانسحاب والخائف من الدفاع وانهيار بغداد أمام الغزاة في بضعة أيام خير مثال على الضعف والهوان ولكن المهم أن نتيجة القمة من المفروض أن تتمحور حول رصد الخطر المحدق بالأمة وتشخيص الأمراض والتمييز بين الأعداء والأصدقاء وتحديد منظومة أوليات طارئة للإنقاذ وحتى تعزيز مؤسسات المجتمع المدني العربي وبناء وحدة السوق العربية المشتركة والاهتمام بتنمية الثقافة العربية وتشجيع المبدعين وإبرام معاهدة دفاع عربي مشترك تعزز الأمن القومي العربي.
الرابح الأكبر من الغياب هم المتربصون والطامعون في ثروات العرب والأنظمة العربية المعتدلة والخاسر الأكبر من الحضور هو المجتمع المدني العربي والدول والمنظمات التي تحسب على المساندة والهوية والإصلاح والتغيير. فإذا كان الممكن غير مقنع وغير محتمل فلماذا لا نريد المستحيل المعقول والمقنع طالما أنه مجرد أمنية وحلم إذ ربما التعلق بوهم يحي خير من حقيقة تعجيزية تميت.
أملنا أن تقوم القمة العربية العشرون بترجمة البعض من آمال الشارع العربي على أرض الواقع حتى ينصهر أفق انتظاره مع التحديات التي يواجهها خاصة وأنه يطلب امتلاك رأس مال رمزي هو رفع الرأس عاليا وترديد أنشودة العزة والكرامة.فهل تستطيع هذه القمة نقلنا من حالة العدم والفراغ الحضاري إلى امتلاء الوجود؟

* كاتب فلسفي