بعد خمس سنوات من الاحتلال..
quot;كنا نتوقع من الدول العظمى الحاكمة بين الأمم البيضاء التي على عاتقها وقعت قيامة النوع البشري... أن تنجح في اكتشاف طريق آخر لتسوية اختلافاتها وصراعات مصالحها.quot;(سيغموند فرويد / أفكار لأزمنة الحرب والموت)
تمر خمسة أعوام على بداية الهجوم على العراق واحتلاله من طرف قوات التحالف الغربي تحت ذرائع شتى مثل امتلاكه لأسلحة الدمار الشامل وإيوائه لعناصر إرهابية وتحالف نظامه مع القاعدة وتهديده لأمن جيرانه وأطماعه في الكويت وبقية الخليج العربي.
وقد أطلق جنرالات الحرب آنذاك أبواقهم الدعائية ليبشروا بنشر ثقافة الديمقراطية وحقوق الانسان ومساعدة الأقليات المضطهدة والدفاع عن حق الخصوصيات في البقاء حتى وان كان ذلك محمولا على ظهور الدبابات وتحت القنابل والقصف بالصواريخ وليخفوا عن العالم نواياهم الحقيقية.
لقد جاء هذا العدوان بتواطىء أنظمة عربية إسلامية وبمعارضة شديدة من داخل مكونات المجتمع المدني الغربي وسخط ورفض من الشارع العربي الإسلامي، فقد عمت المظاهرات مدن العالم وبرز الكتاب والفنانون بتصريحاتهم النارية المعادية للحرب ولكن ورغم كل تلك المناشدات مضى الجميع في فعلتهم وتم غزو العراق في جنح الظلام وواضح النهار وأعطي الضوء الأخضر لمسلسل العنف الأعمى الذي مازال متواصلا الى الآن والذي عبث بكل مقومات الحياة وعناصر الوجود.
عدة جهات خططت وجهات أخرى ساعدت وبعض الشركات الأمنية وفيالق من الجيوش المدربة جيدا نفذت والحصيلة تمزيق أكبر دولة عربية من الناحية الإستراتيجية في الآونة الأخيرة وزرع بذور الفتنة والتشرذم والحرب الأهلية فيها.
لقد تساقط الضحايا من الجانبين وخسر الغازون من الأموال والرجال مثلما خسر المنكوبون وقضي على نظام سياسي بأكمله وحوكمت قيادته ووقع التخلص منها بطرق شتى منها التهميش والإعدام شنقا والإهمال والنفي والحبس الإجباري وهجر مئات الألاف وشردت العائلات بعد قطعت أوصالهم وفر العلماء الى الخارج ووقع التخلص من البقية في الداخل بنار باردة وفي صمت من العالم وكان الشعب العراقي هو الضحية الأكبر فقد سرقت من أطفاله البراءة ومن شبابه الفرحة ومن كهوله العزم ومن شيوخه الأمل وابتليت أرضه بالتدمير والتخريب وأصيب سكانه بالأمراض والأوبئة وهدم عمرانه.
والآن بعد مرور عدة سنوات من الاجتياح بان بالكاشف أن اللجوء الى منطق القوة لمعالجة المشاكل الدولية هو خيار خاسر وأن شن الحروب ينتج عنه تناسل حروب أخرى دولية وأهلية ووقائية ودفاعية وأن استعمال أشد الأسلحة فتكا قد يدفع الطرف المقابل الى استعمال جميع الوسائل للدفاع عن نفسه بما في ذلك غير المشروعة من أجل رد الاهانة عنه وإنقاذ رمزية حضارته المهدورة.
ان الأسئلة الذي تطرح بعد كل ما حدث هو: من تسبب في ضياع العراق؟ وهل العراق ضاعت بالفعل أم تم إنقاذه من براثن الشمولية؟ هل وقع استعمار العراق أم تم تحريريه؟ هل سقط في قبضة القوات الأجنبية أم تسلم أهاليه الحقيقيون مقاليد حكمه؟
ان العراق تعرض لمؤامرة شارك فيها الجميع بما في ذلك أهله من الخارج وفي الداخل والكل يتحملون مسؤولية الحال التي وصل إليها. العراق وقع استهدافه لأنه مثل العمق الاستراتيجي للعرب وبغداد كانت رمز للعزة وقبلة للحضارة العربية الإسلامية والنظام العراقي المخلوع تحول في سنواته الأخيرة الى أهم داعم للمقاومة العربية في وجه الصهيونية والامبريالية والكسروية الفارسية والتحرشات التركية على السواء ودولة العراق بما حازت عليه من تقدم وبما كونت من كفاءات علمية وإطارات عالية في جميع الاختصاصات مثلت مفخرة لكل العرب والمسلمين.
ربما الذي مثل أرضية مناسبة للغزو هو تحريض النخب السياسية العراقية الموجودة في الغرب على الاجتياح وتقديمهم معلومات خاطئة عن برنامج العراق النووي وعن حجم القدرات التي يتمتع بها الجيش العراقي وتضخيمهم لدوره في المنطقة وكذلك نذكر التحريض على العراق من قبل بعض الدول العربية والإسلامية المجاورة والبحث عن وسائل معاقبته وردعه حتى لا يكرر اجتياحه للكويت أو حربه مع ايران العامل الثالث هو الدعاية الصهيونية التي ما فتئت تتذمر من دعم النظام العراقي للفصائل الفلسطينية وتحريضه الشارع العربي عليها وإسرائيل لم تغفر لصدام حسين قصفه في حرب الخليج الأولى مجالها بصواريخ الحسين على الرغم من التأثيرات المحدودة لذلك القصف.
ان العامل الرابع هو جاهزية المجتمع العراقي للغزو وقابليته للاستعمار بحكم التفكك بين الطوائف والمذاهب وإخلاص بعض الجهات في الشارع العراقي للخارج وللأجنبي أكثر من إخلاصها للوطن العراق ولعل ضعف المقاومة في الجنوب وترحيب الأكراد بجنود الاحتلال ومشاركة قوات البشمركة في ما اعتبر تحرير المدن العراقية من السلطة الغاشمة لنظام البعث خير دليل على ذلك بل وصل الانقسام والخذلان الى الطائفة السنية حيث خير قسم كبير من الإخوان المسلمين والحزب الشيوعي العراقي التعاون مع القوات الغازية. ويفسر هذا التراخي والانسحاب من أرض المعركة وسهولة الاستسلام عادة بأن النظام البعثي قد قرب بعض العائلات من هذه الطوائف واستخدمها لفرض النظام وأغدق عليها بالنعم وهمش بقية العائلات والطوائف مما ولد حقدا كبيرا ضده وسخطا شديدا من ممارساتها اللاديمقراطية.
البعض من المحسوبين على النظام المخلوق يفسرون هشاشة الدفاعات وتمكن الجيوش الغازية من اختراق حرمة أرض العراق والتوغل نحو بغداد بحصول خيانة وغدر وعمالة في صفوف العراقيين أنفسهم ولكن الفريق الآخر من المشاركين في ما يسمينه بمسيرة التحرير والذين رافقوا جيوش التحالف الغربي من البصرة الى بغداد يعتبرون ما قاموا به شرعيا ومنتظرا أولا لأن ذلك يمثل الحلقة الأولى لانخراطهم في المشروع الديمقراطي التعددي الذي ينبغي أن يسير فيه العراقيون بمختلف أطيافهم ولأن شمولية النظام البعثي ويأسهم من التغيير من الداخل بعد تعرضهم للقمع الوحشي والهرسلة والإبادة أثناء انتفاضاتهم السابقة يجيز لهم أن يتحالفوا مع الشيطان.
لقد وقعت الواقعة على بغداد واحتلت بلاد الرافدين وهدم المتحف الشهير ونهبت أثاره وسرقت رموزه ونفاسئه وحلت الكارثة بكل أسف على الشعب العراقي واقتلعت العاصفة كل ما اعترضها في الطريق وأعادت توزيع الأوراق من جديد عكس ما كان ينتظر الجميع إذ بعدما كان العرب في موضع تقدير نسبي بفضل قوة العراق هاهم اليوم قد باتوا في موضع لا يحسدون عليه تائهين عن قبلتهم وفاقدين لبوصلتهم ولا يدروا ماذا يفعلون ومع من يتحالفون.
الآن بعد خمسة أعوام لم تهدأ الأمور ووقع الجميع في المستنقع العراقي واتضح أن الأسباب التي من أجلها شن العدوان هي أسباب واهية وأن النظام الشمولي الذي حكم أرض الرافدين كان يمكن تغييره بطرق أكثر ديمقراطية بعيدا عن منطق الحرب والرغبة في القتل والانتقام وأن المنطقة بأسرها في حاجة الى عراق حر وقوي حتى يضبط الأمن ويحقق التوازن بين الدول وحتى لا يتجول الرئيس الإيراني في بغداد تحت حماية أمريكية ويصول ويجول في بلد محتل أنهكته الحروب ولا يجد شعبه قوت يومه وأيضا حتى لا تهدد تطالب تركيا بحقها في كركوك والموصل ويلاحق جيشها السكان الأتراك من الأكراد ويقصف المدارس ويقتل المدنيين في أرض العراق.
ان موجة العنف الأعمى مازالت تحصد الأنفس وصوت التفجيرات مازال مدويا ومشاهد التناحر والتقتيل أصبحت مألوفة والفوضى تعم أرض حمورابي وصوت العقل والحكمة والتعايش والسلم هي اللغة الميتة والكلمات التي لا ينطقها أحد وكل ماهو مسموع هو صوت الرصاص واللغة المتبادلة هي لغة التخوين والتكفير وقرقعة السلاح،لكن الاستمرار في هذا المسار غير ممكن ولابد من إيقاف حمى العنف وفرض منطق السلم والتسامح وكما يقول فرويد:quot;عندما يعود الفهم مرة أخرى أبناء وطننا الذين هم الآن مغتربون بدرجة كبيرة عنا سيسهل علينا أكثر أن نحتمل التحرر من الوهم الذي سببته لنا الأمم لأننا سندرك أن المطالب التي نفرضها عليها ينبغي أن تكون أكثر تواضعاquot;.والعراقيون لا يطلبون من الأمم الأخرى سوى الرحيل وتركهم أحرار في تقرير مصيرهم بأنفسهم دون أية رقابة أو وصاية، فمتى يكف العراقيون عن هذه المشاحنات ويخرجون من حالة حرب الكل ضد الكل ويجتمعون مع بعضهم البعض ويلتقي الكل دون استثناء على مائدة أفلاطون ويتفاوضون تفاوضا جديا ويناقشون الوسائل التي توصلهم الى إجماع منصف حول مستقبل العراق يبرمون بمقتضاه عقدا اجتماعيا حقيقيا يدخلهم الى مرحلة التمدن والاعمار وبناء ديمقراطية توافقية تعطى الحقوق للجميع بشكل عادل دون إقصاء أو تمييز؟ أليس الوقت مناسبا لأن تنهي أمريكا وحلفاؤها احتلالها من العراق؟ وألا ينبغي أن تسحب قواتها وتترك لأهلها حرية إدارة شؤونهم بأنفسهم؟
صفوة القول أن مستقبل العراق لن يكون بيد أبنائه الا اذا رحل الاحتلال واسترجع سيادته على أراضيه في ظل دولة ديمقراطية علمانية تجمع بين كل مكوناته مناصفة.
وقد أطلق جنرالات الحرب آنذاك أبواقهم الدعائية ليبشروا بنشر ثقافة الديمقراطية وحقوق الانسان ومساعدة الأقليات المضطهدة والدفاع عن حق الخصوصيات في البقاء حتى وان كان ذلك محمولا على ظهور الدبابات وتحت القنابل والقصف بالصواريخ وليخفوا عن العالم نواياهم الحقيقية.
لقد جاء هذا العدوان بتواطىء أنظمة عربية إسلامية وبمعارضة شديدة من داخل مكونات المجتمع المدني الغربي وسخط ورفض من الشارع العربي الإسلامي، فقد عمت المظاهرات مدن العالم وبرز الكتاب والفنانون بتصريحاتهم النارية المعادية للحرب ولكن ورغم كل تلك المناشدات مضى الجميع في فعلتهم وتم غزو العراق في جنح الظلام وواضح النهار وأعطي الضوء الأخضر لمسلسل العنف الأعمى الذي مازال متواصلا الى الآن والذي عبث بكل مقومات الحياة وعناصر الوجود.
عدة جهات خططت وجهات أخرى ساعدت وبعض الشركات الأمنية وفيالق من الجيوش المدربة جيدا نفذت والحصيلة تمزيق أكبر دولة عربية من الناحية الإستراتيجية في الآونة الأخيرة وزرع بذور الفتنة والتشرذم والحرب الأهلية فيها.
لقد تساقط الضحايا من الجانبين وخسر الغازون من الأموال والرجال مثلما خسر المنكوبون وقضي على نظام سياسي بأكمله وحوكمت قيادته ووقع التخلص منها بطرق شتى منها التهميش والإعدام شنقا والإهمال والنفي والحبس الإجباري وهجر مئات الألاف وشردت العائلات بعد قطعت أوصالهم وفر العلماء الى الخارج ووقع التخلص من البقية في الداخل بنار باردة وفي صمت من العالم وكان الشعب العراقي هو الضحية الأكبر فقد سرقت من أطفاله البراءة ومن شبابه الفرحة ومن كهوله العزم ومن شيوخه الأمل وابتليت أرضه بالتدمير والتخريب وأصيب سكانه بالأمراض والأوبئة وهدم عمرانه.
والآن بعد مرور عدة سنوات من الاجتياح بان بالكاشف أن اللجوء الى منطق القوة لمعالجة المشاكل الدولية هو خيار خاسر وأن شن الحروب ينتج عنه تناسل حروب أخرى دولية وأهلية ووقائية ودفاعية وأن استعمال أشد الأسلحة فتكا قد يدفع الطرف المقابل الى استعمال جميع الوسائل للدفاع عن نفسه بما في ذلك غير المشروعة من أجل رد الاهانة عنه وإنقاذ رمزية حضارته المهدورة.
ان الأسئلة الذي تطرح بعد كل ما حدث هو: من تسبب في ضياع العراق؟ وهل العراق ضاعت بالفعل أم تم إنقاذه من براثن الشمولية؟ هل وقع استعمار العراق أم تم تحريريه؟ هل سقط في قبضة القوات الأجنبية أم تسلم أهاليه الحقيقيون مقاليد حكمه؟
ان العراق تعرض لمؤامرة شارك فيها الجميع بما في ذلك أهله من الخارج وفي الداخل والكل يتحملون مسؤولية الحال التي وصل إليها. العراق وقع استهدافه لأنه مثل العمق الاستراتيجي للعرب وبغداد كانت رمز للعزة وقبلة للحضارة العربية الإسلامية والنظام العراقي المخلوع تحول في سنواته الأخيرة الى أهم داعم للمقاومة العربية في وجه الصهيونية والامبريالية والكسروية الفارسية والتحرشات التركية على السواء ودولة العراق بما حازت عليه من تقدم وبما كونت من كفاءات علمية وإطارات عالية في جميع الاختصاصات مثلت مفخرة لكل العرب والمسلمين.
ربما الذي مثل أرضية مناسبة للغزو هو تحريض النخب السياسية العراقية الموجودة في الغرب على الاجتياح وتقديمهم معلومات خاطئة عن برنامج العراق النووي وعن حجم القدرات التي يتمتع بها الجيش العراقي وتضخيمهم لدوره في المنطقة وكذلك نذكر التحريض على العراق من قبل بعض الدول العربية والإسلامية المجاورة والبحث عن وسائل معاقبته وردعه حتى لا يكرر اجتياحه للكويت أو حربه مع ايران العامل الثالث هو الدعاية الصهيونية التي ما فتئت تتذمر من دعم النظام العراقي للفصائل الفلسطينية وتحريضه الشارع العربي عليها وإسرائيل لم تغفر لصدام حسين قصفه في حرب الخليج الأولى مجالها بصواريخ الحسين على الرغم من التأثيرات المحدودة لذلك القصف.
ان العامل الرابع هو جاهزية المجتمع العراقي للغزو وقابليته للاستعمار بحكم التفكك بين الطوائف والمذاهب وإخلاص بعض الجهات في الشارع العراقي للخارج وللأجنبي أكثر من إخلاصها للوطن العراق ولعل ضعف المقاومة في الجنوب وترحيب الأكراد بجنود الاحتلال ومشاركة قوات البشمركة في ما اعتبر تحرير المدن العراقية من السلطة الغاشمة لنظام البعث خير دليل على ذلك بل وصل الانقسام والخذلان الى الطائفة السنية حيث خير قسم كبير من الإخوان المسلمين والحزب الشيوعي العراقي التعاون مع القوات الغازية. ويفسر هذا التراخي والانسحاب من أرض المعركة وسهولة الاستسلام عادة بأن النظام البعثي قد قرب بعض العائلات من هذه الطوائف واستخدمها لفرض النظام وأغدق عليها بالنعم وهمش بقية العائلات والطوائف مما ولد حقدا كبيرا ضده وسخطا شديدا من ممارساتها اللاديمقراطية.
البعض من المحسوبين على النظام المخلوق يفسرون هشاشة الدفاعات وتمكن الجيوش الغازية من اختراق حرمة أرض العراق والتوغل نحو بغداد بحصول خيانة وغدر وعمالة في صفوف العراقيين أنفسهم ولكن الفريق الآخر من المشاركين في ما يسمينه بمسيرة التحرير والذين رافقوا جيوش التحالف الغربي من البصرة الى بغداد يعتبرون ما قاموا به شرعيا ومنتظرا أولا لأن ذلك يمثل الحلقة الأولى لانخراطهم في المشروع الديمقراطي التعددي الذي ينبغي أن يسير فيه العراقيون بمختلف أطيافهم ولأن شمولية النظام البعثي ويأسهم من التغيير من الداخل بعد تعرضهم للقمع الوحشي والهرسلة والإبادة أثناء انتفاضاتهم السابقة يجيز لهم أن يتحالفوا مع الشيطان.
لقد وقعت الواقعة على بغداد واحتلت بلاد الرافدين وهدم المتحف الشهير ونهبت أثاره وسرقت رموزه ونفاسئه وحلت الكارثة بكل أسف على الشعب العراقي واقتلعت العاصفة كل ما اعترضها في الطريق وأعادت توزيع الأوراق من جديد عكس ما كان ينتظر الجميع إذ بعدما كان العرب في موضع تقدير نسبي بفضل قوة العراق هاهم اليوم قد باتوا في موضع لا يحسدون عليه تائهين عن قبلتهم وفاقدين لبوصلتهم ولا يدروا ماذا يفعلون ومع من يتحالفون.
الآن بعد خمسة أعوام لم تهدأ الأمور ووقع الجميع في المستنقع العراقي واتضح أن الأسباب التي من أجلها شن العدوان هي أسباب واهية وأن النظام الشمولي الذي حكم أرض الرافدين كان يمكن تغييره بطرق أكثر ديمقراطية بعيدا عن منطق الحرب والرغبة في القتل والانتقام وأن المنطقة بأسرها في حاجة الى عراق حر وقوي حتى يضبط الأمن ويحقق التوازن بين الدول وحتى لا يتجول الرئيس الإيراني في بغداد تحت حماية أمريكية ويصول ويجول في بلد محتل أنهكته الحروب ولا يجد شعبه قوت يومه وأيضا حتى لا تهدد تطالب تركيا بحقها في كركوك والموصل ويلاحق جيشها السكان الأتراك من الأكراد ويقصف المدارس ويقتل المدنيين في أرض العراق.
ان موجة العنف الأعمى مازالت تحصد الأنفس وصوت التفجيرات مازال مدويا ومشاهد التناحر والتقتيل أصبحت مألوفة والفوضى تعم أرض حمورابي وصوت العقل والحكمة والتعايش والسلم هي اللغة الميتة والكلمات التي لا ينطقها أحد وكل ماهو مسموع هو صوت الرصاص واللغة المتبادلة هي لغة التخوين والتكفير وقرقعة السلاح،لكن الاستمرار في هذا المسار غير ممكن ولابد من إيقاف حمى العنف وفرض منطق السلم والتسامح وكما يقول فرويد:quot;عندما يعود الفهم مرة أخرى أبناء وطننا الذين هم الآن مغتربون بدرجة كبيرة عنا سيسهل علينا أكثر أن نحتمل التحرر من الوهم الذي سببته لنا الأمم لأننا سندرك أن المطالب التي نفرضها عليها ينبغي أن تكون أكثر تواضعاquot;.والعراقيون لا يطلبون من الأمم الأخرى سوى الرحيل وتركهم أحرار في تقرير مصيرهم بأنفسهم دون أية رقابة أو وصاية، فمتى يكف العراقيون عن هذه المشاحنات ويخرجون من حالة حرب الكل ضد الكل ويجتمعون مع بعضهم البعض ويلتقي الكل دون استثناء على مائدة أفلاطون ويتفاوضون تفاوضا جديا ويناقشون الوسائل التي توصلهم الى إجماع منصف حول مستقبل العراق يبرمون بمقتضاه عقدا اجتماعيا حقيقيا يدخلهم الى مرحلة التمدن والاعمار وبناء ديمقراطية توافقية تعطى الحقوق للجميع بشكل عادل دون إقصاء أو تمييز؟ أليس الوقت مناسبا لأن تنهي أمريكا وحلفاؤها احتلالها من العراق؟ وألا ينبغي أن تسحب قواتها وتترك لأهلها حرية إدارة شؤونهم بأنفسهم؟
صفوة القول أن مستقبل العراق لن يكون بيد أبنائه الا اذا رحل الاحتلال واسترجع سيادته على أراضيه في ظل دولة ديمقراطية علمانية تجمع بين كل مكوناته مناصفة.
* كاتب فلسفي
التعليقات