quot;العنف هو مواجهة بين التعبير والمعنىquot;إيريك فايل
انطلقت آلة القتل الصهيونية لتحصد الأنفس الزكية من الأطفال والشيوخ والأبرياء من النسوة والعجز والشخصيات المدنية وأنزلت القنابل عن طريق الطائرات على سطوح المنازل المأهولة والمناطق الشعبية وعم الذعر والرعب جميع من كان في غزة التي تحولت الى مدينة منكوبة ومهددة بالانمحاء من الوجود والتصفية بدت تحوط بالقضية في ظل صمت عربي رهيب وغير مفهوم وملل شعبي من المناشدات والمساندات الشكلية إذ لم يتحرك الشارع العربي ولم نر سوى بعض المسيرات في المخيمات الفلسطينية وبالتالي لم تعم المظاهرات العواصم العربية لما حدث من تقتيل وترويع لشعبنا ولم تبدى الأنظمة أي موقف ما عدى تحذير الرعايا والحث على العودة الى الديار وكأن غزة والضفة وأراضي فلسطين لم تعد من الديار العربية التي ينبغي أن ننتفض لحمايتها من كل اعتداء خارجي.
إزهاق روح طفلة عمرها لا يتجاوز يومان وقتل شقيقين وتجاوز الرقم الخمسين شهيدا وأكثر من مائة وخمسين جريح ثلثهم من الأطفال والبقية مدنيون وتناثر الأشلاء وسيلان الدماء في الأنهج والطرقات هي محرقة في حق سكان غزة من طرف الحكم الصهيوني أكبر حتى من محرقة الهلوكست أيام الحكم النازي ومطاردتهم لليهود ودليل أن الفلسطينيين اليوم تحولوا الى يهود التاريخ وأن الضمير العالمي سيجد نفسه في المستقبل على منحهم وعدا يشبه وعد بلفور من أجل التكفير عن ذنبه وإنصافهم بعد أن منح أرض فوقها شعب لشعب ليس له أرض وزعم أنها أرض بلا شعب لشعب بلا أرض.
والحق أن النظام العربي الرسمي في عصر العولمة مر من تبني الصراع والمواجهة وقيادتها وتنظيمها كما كان الأمر مع عبد الناصر وعرفات الى اتخاذ موقف الحياد وعدم ترجيح طرف على طرف لينتهي الآن الى تحالف الخفي ومعلن مع قوى الاختلال وخدمة الأجندات الأجنبية في المنطقة والمحافظة على الولاء الدائم لمالكي الرأسمال العالمي وبالتالي لم نعد نستغرب من هذا الموقف المتخاذل لأنه منطقي وبديهي بحكم النقص في الشرعية التي تعاني منها وتعويلها في مسألة ديمومتها وبقائها على الدعم الغربي والولاء له.
ربما يفسر البعض هذه الاعتداءات المتكررة والتحرشات المتواصلة والشروع في ارتكاب المجزرة تلو أخرى بضعف الموقف العربي وتخلي الأنظمة العربية عن الاضطلاع بدورهم الطبيعي في الرعاية والحماية للفلسطينيين ومعايشة الحركة الوطنية الفلسطينية لحالة من الانقسام الدائم والصراع على السلطة والتوتر في القيادة والوجهة بالنسبة للمشروع الفلسطيني بين أطروحة السلطة المسالمة والتي تمثل الخطوة الأولى نحو بناء الدولة على ما تبقى من الأرض وأطروحة المقاومة ومواصلة الكفاح المسلح من تحرير كامل أرض فلسطين من النهر الى البحر.
بيد أن السبب الوجيه الذي جعل إسرائيل تبدأ لمرحلة جديدة من خطة تصفوية انتقامية للنشطاء المقاومين الفلسطينيين واللبنانيين على السواء واغتيال عماد مغنية يندرج في هذا السياق وتطلق عدوانا همجيا على أبرياء غزة العزل وشروعها في تدمير الأبنية والبساتين والمؤسسات هو فقدانها لفلسفة وجود وتخبط قادتها السياسيين بعد هزيمتهم في حرب تموز ورغبتهم في استعادة قوة الردع والتخويف لدى الجيش الإسرائيلي بعد أن بين تقرير فينوغراد التقصير والفشل لمؤسسة الحرب الإسرائيلية وهزيمتها المروعة وانتصار جنود حزب الله عليهم بإمكانيات أقل.
العدوان على غزة يأتي بعد إرسال المدمرة الأمريكية كول الى المنطقة ورسوها في الشواطئ المقابلة للبنان من أجل الضغط على سوريا وإرباك المشهد اللبناني وتأجيل الاتفاق على رئيس للدولة اللبنانية وفي ظل تسريب رسالة اسرائلية لسوريا الغاية منها إبعادها عن مساندة حماس ومحنتها في غزة.
ان المتتبع لا يرى في ما تقوم به إسرائيل الآن من اغتيالات واجتياحات أي نوع من الحكمة والمعرفة بعواقب الأمور ولا يعثر في القرارات الاسرائلية على أي دعوة الى التعايش والشراكة مع شعوب المنطقة وأي بارقة أمل في تدبير أمور السلم والتسامح مع السكان الأهليين بل سيجد ميلا الى العدوان وجنوحا نحو العنف الأعمى وإطلاقا لانفعالات الكراهية والثأر والضغينة في غير محلها.
قد يعتقد البعض أن صواريخ المقاومة في غزة وصمود التنظيمات المسلحة ضد العدوان هي التي دفعت إسرائيل الى شن هذا الاجتياح من أجل القضاء على قوى المقاومة وتصفية قادتها وتفكيك بنيتها التحتية وهز المصداقية التي تتمتع بها في الشارع الفلسطيني ولكن حسابات العقل ووقائع التجربة تثبت أن هذا المسعى غير قابل للتحقيق لا لشيء الا للتغلغل الشعبي الذي تتمتع به منظمات المقاومة وبالتالي أي نية لتصفيتها يعني تصفية الشعبي الفلسطيني بأسره لأنه في معظمه منخرط في مشروع المقاومة وقدم في سبيل ذلك العديد من الشهداء والتضحيات.
تصريحات رئيس السلطة محمود عباس ووزير إعلام حكومة فياض المعينة أعطت المشروعية لبدأ إسرائيل اجتياحها للقطاع وتصفيتها لحكومة حماس اللاشرعية والانقلابية من منظور مؤسسة الرئاسة لأنه عندما يشير عباس الى دخول ووجود عناصر من القاعدة في المدينة المحاصرة فانه يتهم ضمنيا ألوية المقاومة بالإرهاب ويستنجد بالجيش الإسرائيلي من أجل حسم الخلاف الداخلي بين الفلسطينيين لصالحه وعندما يرى وزير الإعلام أن إطلاق الصواريخ على المستوطنات و السبب فانه يعترف ضمنيا أن قصف عزة بالقنابل المحرمة دوليا منطقي ومقبول من وجهة نظر دفاع إسرائيل عن نفسها وحماية سكانها بينما الرد الدفاعي والصمود والاستثبات هو عمل غير مشروع وغير حكيم بالنسبة للفلسطينيين وأن عليه أن يستسلموا وأن يعترفوا بالهزيمة ويلوحوا بالأعلام البيضاء وذلك أسلم لهم ويتحولوا الى عبيد وخدم عند الإسرائيليين.
لقد احتمى القادة والوزراء والمسؤولون في الأجهزة الفلسطينية بملاجئهم الآمنة وكثفوا الحراسة على أنفسهم من أجل حماية أنفسهم وسلامتها من الأذى بينما وكالعادة الشعب هو الذي يدفع الثمن وقد ترك عاريا يواجه مصيره لوحده دون أي مظلة أو حارس بعد أن تخلت عنهم الدول العربية والإسلامية ولم يبق لهم سوى الله وعزاء المستضعفين هو ما نجده المأثور quot;الفقراء لهم الرب يا عزراquot;. ان الأبرياء هم الذين يقتلون في غزة والأطفال هم الزهور التي تقتلع من أغصانها وتنتزع من جذورها وليس الأغنياء والوجهاء والشخصيات الاعتبارية التي وجدت الأماكن الآمنة والحماية اللازمة.
تحميل مؤسسة الرئاسة حماس المسؤولية عن اندلاع التوتر ومعاتبتها على دفاعها عن نفسها والادعاء أنها ورطت الشعب الفلسطيني في صراع غير متكافئ هو امتثال للتوصيات الاسرائلية والغربية وتكفير عن الذنب وإخفاء الضعف والتخلع من المسؤولية وتحميلها طرف عانى من الحصار والاستبعاد والتهميش من جميع الأطراف بما في ذلك الفلسطينيين أنفسهم.
في الواقع وجدت حماس نفسها في وضع لا تحسد عليه فقد انسحبت إسرائيل من القطاع من جانب واحد وتركت فراغ كبير وقد انقلبت مؤسسة الرئاسة على المسار الديمقراطي فأرادت أن تتحمل المسؤولية وسعت الى الجمع بين الأجندتين في نفس الوقت: أجندة التسيير الإداري والاجتماعي وفرض النظام في القطاع وأجندة المقاومة والتحرير والتوافق مع بقية الحساسيات و المنظمات وهي مهمة لم تساعد التغيرات في موازين القوى الدولية على انجازها وزادها الحصار والتجويع والإغلاق من تعكيرها. حماس ومؤسسة الرئاسة وبقية الفصائل مطالبين جميعهم بمراجعة حساباتهم والكف عن النزاع والتشرذم والتوقف عن المزايدة والولاء للأجنبي ومعاداة الأهلي والقيام بنقد ذاتي ورسم خطة عقلانية مستقبلية أكثر إلمام بالواقع الدولي وأكثر واقعية وتتماشى مع القدرات والممكنات بعيدا عن الإيديولوجيا المغلقة واليوطوبيا الحالمة حتى نحفظ ما تبقى من ماء الوجه ونصون الكليات الخمسة أي العرض والمال والدين والنفس والعقل.
ان الأمل في الاستثبات قائم والتشبث بالكرامة والعزة أمر مشروع لشعوب ليس لها ما تخسر سوى جبنها ووهمها في ظل تعفن الأوضاع وتردي الأحوال حيث تستوي الحرب مع السلم والغنى مع الفقر وحب الحياة مع إرادة الموت وإمساك القلم مع إمساك السيف طالما تغتال براءة الطفولة ويقع الاعتداء على قيم المحبة والصداقة والرحمة والشفقة وتتلاعب الآلات بالقول وتهتك الأجساد.
ان العرب اليوم يصارعون من أجل انتزاع الرغبة في الاعتراف والاحترام من قبل الآخرين ولا يريدون الاعتراف بأنهم أفضل الأمم بل ما يطلبونه هو الاعتراف بكونهم ثقافة لها حق الإقامة الوجودية مثلها مثل بقية ثقافات العالم ويصرون على أن ثقافتهم هي ثقافة المعنى والبيان والقصد والعبارة وأن جنوحهم الى الحرب واستعمال القوة بشكل مفرط والعنف هو لجوء اضطراري لأن الأصل والقاعدة والقانون بالنسبة للثقافة العربية هي التعايش وحسن الجوار والسلم والتسامح واحترام الانسان وقد شهدت فترات تاريخية مثل العباسيين والأندلسيين تجسيما واقعيا لهذه القيم أين وجدت الأعراق والأديان واللغات والتقاليد المتنوعة جنبا الى جنب ولكن ماذا تعمل عندما تواجه الاعتداءات المتكررة والتحرشات والتهديدات، ان مشكلة العرب اليوم في التعبير وعجزهم عن ايجاد الحقل الذي يجدون فيه حرية التعبير حتى يمنحون لوجودهم معنى وحتى يقتربون من المقصد الذي يقتضيه هذا المعنى وأي توتر بين التعبير والمعنى كما قال إيريك فايل وأي توتر بين الممكن والراهن فانه سيؤدي الى تفجر العنف والتورط في حبائل الحرب.
ألا تصبح الحرب شر لابد من إيقافها حتى لا تأكل النار نفسها اذا لم تجد ما تأكله؟ ما الجدوى من الانخراط فيها ان كانت حربا خاسرة ولا تتكافىء فيها موازين القوى؟ من الذي يمثل الخطر الحقيقي على الأمن العربي حماس أم إسرائيل؟ أليس من الضروري أن يسارع العالم بإيقاف المحرقة الاسرائلية للفلسطينيين العزل الأبرياء في غزة والضفة وأن يجبر إسرائيل على أن تنفذ قرارات المنتظم الأممي وتعيد الحقوق الى أصحابها وأن توافق على هدنة طويلة الأمد مع الطرف الفلسطيني المسؤول عن مستقبل القضية الفلسطيني وليس مع مؤسسة الرئاسة التي دقت مسمار نعشها بنفسها عندما تنصلت عن حماية غزة ووجهت الاتهامات الى الطرف المناهض والثابت في أرض الميدان؟
كاتب فلسفي
إزهاق روح طفلة عمرها لا يتجاوز يومان وقتل شقيقين وتجاوز الرقم الخمسين شهيدا وأكثر من مائة وخمسين جريح ثلثهم من الأطفال والبقية مدنيون وتناثر الأشلاء وسيلان الدماء في الأنهج والطرقات هي محرقة في حق سكان غزة من طرف الحكم الصهيوني أكبر حتى من محرقة الهلوكست أيام الحكم النازي ومطاردتهم لليهود ودليل أن الفلسطينيين اليوم تحولوا الى يهود التاريخ وأن الضمير العالمي سيجد نفسه في المستقبل على منحهم وعدا يشبه وعد بلفور من أجل التكفير عن ذنبه وإنصافهم بعد أن منح أرض فوقها شعب لشعب ليس له أرض وزعم أنها أرض بلا شعب لشعب بلا أرض.
والحق أن النظام العربي الرسمي في عصر العولمة مر من تبني الصراع والمواجهة وقيادتها وتنظيمها كما كان الأمر مع عبد الناصر وعرفات الى اتخاذ موقف الحياد وعدم ترجيح طرف على طرف لينتهي الآن الى تحالف الخفي ومعلن مع قوى الاختلال وخدمة الأجندات الأجنبية في المنطقة والمحافظة على الولاء الدائم لمالكي الرأسمال العالمي وبالتالي لم نعد نستغرب من هذا الموقف المتخاذل لأنه منطقي وبديهي بحكم النقص في الشرعية التي تعاني منها وتعويلها في مسألة ديمومتها وبقائها على الدعم الغربي والولاء له.
ربما يفسر البعض هذه الاعتداءات المتكررة والتحرشات المتواصلة والشروع في ارتكاب المجزرة تلو أخرى بضعف الموقف العربي وتخلي الأنظمة العربية عن الاضطلاع بدورهم الطبيعي في الرعاية والحماية للفلسطينيين ومعايشة الحركة الوطنية الفلسطينية لحالة من الانقسام الدائم والصراع على السلطة والتوتر في القيادة والوجهة بالنسبة للمشروع الفلسطيني بين أطروحة السلطة المسالمة والتي تمثل الخطوة الأولى نحو بناء الدولة على ما تبقى من الأرض وأطروحة المقاومة ومواصلة الكفاح المسلح من تحرير كامل أرض فلسطين من النهر الى البحر.
بيد أن السبب الوجيه الذي جعل إسرائيل تبدأ لمرحلة جديدة من خطة تصفوية انتقامية للنشطاء المقاومين الفلسطينيين واللبنانيين على السواء واغتيال عماد مغنية يندرج في هذا السياق وتطلق عدوانا همجيا على أبرياء غزة العزل وشروعها في تدمير الأبنية والبساتين والمؤسسات هو فقدانها لفلسفة وجود وتخبط قادتها السياسيين بعد هزيمتهم في حرب تموز ورغبتهم في استعادة قوة الردع والتخويف لدى الجيش الإسرائيلي بعد أن بين تقرير فينوغراد التقصير والفشل لمؤسسة الحرب الإسرائيلية وهزيمتها المروعة وانتصار جنود حزب الله عليهم بإمكانيات أقل.
العدوان على غزة يأتي بعد إرسال المدمرة الأمريكية كول الى المنطقة ورسوها في الشواطئ المقابلة للبنان من أجل الضغط على سوريا وإرباك المشهد اللبناني وتأجيل الاتفاق على رئيس للدولة اللبنانية وفي ظل تسريب رسالة اسرائلية لسوريا الغاية منها إبعادها عن مساندة حماس ومحنتها في غزة.
ان المتتبع لا يرى في ما تقوم به إسرائيل الآن من اغتيالات واجتياحات أي نوع من الحكمة والمعرفة بعواقب الأمور ولا يعثر في القرارات الاسرائلية على أي دعوة الى التعايش والشراكة مع شعوب المنطقة وأي بارقة أمل في تدبير أمور السلم والتسامح مع السكان الأهليين بل سيجد ميلا الى العدوان وجنوحا نحو العنف الأعمى وإطلاقا لانفعالات الكراهية والثأر والضغينة في غير محلها.
قد يعتقد البعض أن صواريخ المقاومة في غزة وصمود التنظيمات المسلحة ضد العدوان هي التي دفعت إسرائيل الى شن هذا الاجتياح من أجل القضاء على قوى المقاومة وتصفية قادتها وتفكيك بنيتها التحتية وهز المصداقية التي تتمتع بها في الشارع الفلسطيني ولكن حسابات العقل ووقائع التجربة تثبت أن هذا المسعى غير قابل للتحقيق لا لشيء الا للتغلغل الشعبي الذي تتمتع به منظمات المقاومة وبالتالي أي نية لتصفيتها يعني تصفية الشعبي الفلسطيني بأسره لأنه في معظمه منخرط في مشروع المقاومة وقدم في سبيل ذلك العديد من الشهداء والتضحيات.
تصريحات رئيس السلطة محمود عباس ووزير إعلام حكومة فياض المعينة أعطت المشروعية لبدأ إسرائيل اجتياحها للقطاع وتصفيتها لحكومة حماس اللاشرعية والانقلابية من منظور مؤسسة الرئاسة لأنه عندما يشير عباس الى دخول ووجود عناصر من القاعدة في المدينة المحاصرة فانه يتهم ضمنيا ألوية المقاومة بالإرهاب ويستنجد بالجيش الإسرائيلي من أجل حسم الخلاف الداخلي بين الفلسطينيين لصالحه وعندما يرى وزير الإعلام أن إطلاق الصواريخ على المستوطنات و السبب فانه يعترف ضمنيا أن قصف عزة بالقنابل المحرمة دوليا منطقي ومقبول من وجهة نظر دفاع إسرائيل عن نفسها وحماية سكانها بينما الرد الدفاعي والصمود والاستثبات هو عمل غير مشروع وغير حكيم بالنسبة للفلسطينيين وأن عليه أن يستسلموا وأن يعترفوا بالهزيمة ويلوحوا بالأعلام البيضاء وذلك أسلم لهم ويتحولوا الى عبيد وخدم عند الإسرائيليين.
لقد احتمى القادة والوزراء والمسؤولون في الأجهزة الفلسطينية بملاجئهم الآمنة وكثفوا الحراسة على أنفسهم من أجل حماية أنفسهم وسلامتها من الأذى بينما وكالعادة الشعب هو الذي يدفع الثمن وقد ترك عاريا يواجه مصيره لوحده دون أي مظلة أو حارس بعد أن تخلت عنهم الدول العربية والإسلامية ولم يبق لهم سوى الله وعزاء المستضعفين هو ما نجده المأثور quot;الفقراء لهم الرب يا عزراquot;. ان الأبرياء هم الذين يقتلون في غزة والأطفال هم الزهور التي تقتلع من أغصانها وتنتزع من جذورها وليس الأغنياء والوجهاء والشخصيات الاعتبارية التي وجدت الأماكن الآمنة والحماية اللازمة.
تحميل مؤسسة الرئاسة حماس المسؤولية عن اندلاع التوتر ومعاتبتها على دفاعها عن نفسها والادعاء أنها ورطت الشعب الفلسطيني في صراع غير متكافئ هو امتثال للتوصيات الاسرائلية والغربية وتكفير عن الذنب وإخفاء الضعف والتخلع من المسؤولية وتحميلها طرف عانى من الحصار والاستبعاد والتهميش من جميع الأطراف بما في ذلك الفلسطينيين أنفسهم.
في الواقع وجدت حماس نفسها في وضع لا تحسد عليه فقد انسحبت إسرائيل من القطاع من جانب واحد وتركت فراغ كبير وقد انقلبت مؤسسة الرئاسة على المسار الديمقراطي فأرادت أن تتحمل المسؤولية وسعت الى الجمع بين الأجندتين في نفس الوقت: أجندة التسيير الإداري والاجتماعي وفرض النظام في القطاع وأجندة المقاومة والتحرير والتوافق مع بقية الحساسيات و المنظمات وهي مهمة لم تساعد التغيرات في موازين القوى الدولية على انجازها وزادها الحصار والتجويع والإغلاق من تعكيرها. حماس ومؤسسة الرئاسة وبقية الفصائل مطالبين جميعهم بمراجعة حساباتهم والكف عن النزاع والتشرذم والتوقف عن المزايدة والولاء للأجنبي ومعاداة الأهلي والقيام بنقد ذاتي ورسم خطة عقلانية مستقبلية أكثر إلمام بالواقع الدولي وأكثر واقعية وتتماشى مع القدرات والممكنات بعيدا عن الإيديولوجيا المغلقة واليوطوبيا الحالمة حتى نحفظ ما تبقى من ماء الوجه ونصون الكليات الخمسة أي العرض والمال والدين والنفس والعقل.
ان الأمل في الاستثبات قائم والتشبث بالكرامة والعزة أمر مشروع لشعوب ليس لها ما تخسر سوى جبنها ووهمها في ظل تعفن الأوضاع وتردي الأحوال حيث تستوي الحرب مع السلم والغنى مع الفقر وحب الحياة مع إرادة الموت وإمساك القلم مع إمساك السيف طالما تغتال براءة الطفولة ويقع الاعتداء على قيم المحبة والصداقة والرحمة والشفقة وتتلاعب الآلات بالقول وتهتك الأجساد.
ان العرب اليوم يصارعون من أجل انتزاع الرغبة في الاعتراف والاحترام من قبل الآخرين ولا يريدون الاعتراف بأنهم أفضل الأمم بل ما يطلبونه هو الاعتراف بكونهم ثقافة لها حق الإقامة الوجودية مثلها مثل بقية ثقافات العالم ويصرون على أن ثقافتهم هي ثقافة المعنى والبيان والقصد والعبارة وأن جنوحهم الى الحرب واستعمال القوة بشكل مفرط والعنف هو لجوء اضطراري لأن الأصل والقاعدة والقانون بالنسبة للثقافة العربية هي التعايش وحسن الجوار والسلم والتسامح واحترام الانسان وقد شهدت فترات تاريخية مثل العباسيين والأندلسيين تجسيما واقعيا لهذه القيم أين وجدت الأعراق والأديان واللغات والتقاليد المتنوعة جنبا الى جنب ولكن ماذا تعمل عندما تواجه الاعتداءات المتكررة والتحرشات والتهديدات، ان مشكلة العرب اليوم في التعبير وعجزهم عن ايجاد الحقل الذي يجدون فيه حرية التعبير حتى يمنحون لوجودهم معنى وحتى يقتربون من المقصد الذي يقتضيه هذا المعنى وأي توتر بين التعبير والمعنى كما قال إيريك فايل وأي توتر بين الممكن والراهن فانه سيؤدي الى تفجر العنف والتورط في حبائل الحرب.
ألا تصبح الحرب شر لابد من إيقافها حتى لا تأكل النار نفسها اذا لم تجد ما تأكله؟ ما الجدوى من الانخراط فيها ان كانت حربا خاسرة ولا تتكافىء فيها موازين القوى؟ من الذي يمثل الخطر الحقيقي على الأمن العربي حماس أم إسرائيل؟ أليس من الضروري أن يسارع العالم بإيقاف المحرقة الاسرائلية للفلسطينيين العزل الأبرياء في غزة والضفة وأن يجبر إسرائيل على أن تنفذ قرارات المنتظم الأممي وتعيد الحقوق الى أصحابها وأن توافق على هدنة طويلة الأمد مع الطرف الفلسطيني المسؤول عن مستقبل القضية الفلسطيني وليس مع مؤسسة الرئاسة التي دقت مسمار نعشها بنفسها عندما تنصلت عن حماية غزة ووجهت الاتهامات الى الطرف المناهض والثابت في أرض الميدان؟
كاتب فلسفي
أية اعادة نشر من دون ذكر المصدر ايلاف تسبب ملاحقه قانونيه
التعليقات