quot; إن قانون الثالث المرفوع لا دور له في ميدان السياسة لكن العمل اللاحربي يظل ممكنا: فالديمقراطيات ليست مجبرة حقا على الاختيار بين ميونيخ) جبن الاستسلام(ودريسدن) القصف المدمر)quot; تزفتيان تودوروف.
غزة محاصرة منذ مدة وهاهي تغرق الآن في الظلام دون غذاء ودون ماء ودون دواء ودون كهرباء والوضع الإنساني متدهور وخطير جدا لأن حياة مليون ونصف أصبحت في الميزان وعلى حافة الانقراض البطيء أو لنقل إبادة جماعية ترتكب غير بعيدة عن حادثة الهولوكوست المأساوية.
مأساة غزة بدأت منذ الانسحاب من جانب واحد للجيش الإسرائيلي والذي عقبه إخلاء المستوطنات والذي اعتبرته الفصائل المسلحة انتصارا كاسحا وتحريرا لتلك القطاع المقاوم لكل نزعات الاستئصال والدمج.
كل الأنظار من قبل جميع المتابعين اتجهت آنذاك الى غزة باعتبارها العاصمة الحقيقية للدولة الفلسطينية المنتظرة ومركز الثقل الكبير الذي يلوذ به كل فلسطيني مهدد في حقه في الوجود لكونها المكان الوحيد من أرض فلسطين التاريخية التي عادت فيها السيادة للفلسطينيين.
على هذا النحو طالبت عدة جهات بإبرام هدنة طويلة الأمد مع إسرائيل من أجل تحقيق السلام العادل والبدء في مفاوضات جدية حول المشاكل العالقة بين الطرفين وقد انخرطت العديد من الحساسيات السياسية في هذه الفكرة بل وصل الأمر بالبعض منها الى القيام بمراجعات مهمة في أدبياتها مكنتها من المشاركة في الانتخابات وإتباع نهجا واقعيا برغماتيا.
ولكن هذه الحال لم تدم لنشوب صراع حاد على السلطة بين فتح وحماس ولعدم اعتراف العالم بحكومة حماس المنتخبة ديمقراطيا من طرف الشعب الفلسطيني في ضفة والقطاع وتشبث بعض الفصائل الأخرى بخيار الكفاح المسلح مثل الجهاد والجبهات بشكل متفاوت ومتباعد زمنيا والانسياق وراء ردود أفعال صاروخية بعد كل توغل إسرائيلي للقطاع ولمدن الضفة الغربية.
ثم بدأ بعد ذلك الوضع يتعفن في الداخل وفي علاقة مع إسرائيل ومع المحيط العربي والمجتمع الدولي وفشلت خارطة الطريق والمبادرة العربية للسلام ومؤتمر أنابوليس ووصل الجميع الى طريق مسدود بحكم نية البعض إسقاط حق العودة وإعلان إسرائيل يهودية الدولة وتمسك الفلسطينيين بثوابتهم وخاصة بمبدأ تحرير كل فلسطين من النهر الى البحر.
غزة ضحية اللانظام العالمي الجديد وقد تأكد ذلك عندما أجبر الفلسطينيين على الانقسام على أنفسهم والدخول في صراع على السلطة انتهى بتقاسم النفوذ بين فتح التي تدير حكومة على رأسها فياض وتتحكم في الضفة الغربية وحماس التي تدير حكومة يسيرها هنية والزهار وصيام رغم أن رئيس السلطة المنتخب عباس قد أقالها واعتبرها حكومة انقلابية.
إن تسيير شعب واحد عن طريق حكومتين متصارعتين هو خطأ كبير ونقطة ضعف أمام الرأي العام العالمي وسهل الاستخفاف الإسرائيلي بالحقوق الأساسية للفلسطينيين باعتبارهم بشر أولا وقبل شيء ويجب أن يتمتعوا بمنظومة الحقوق التي تكفلها لهم المنظمات الدولية وخاصة الحياة الكريمة والغذاء والمسكن والصحة والتعليم والشغل.
القطرة التي أفاضت الكأس والتي قدمت القطاع على طبق من ذهب وأجازت اجتياحه وتدميره هي حالة الضعف العربي أمام العملاق الغربي وفقدان البوصلة بين الولاء لأمريكا التي تقود المحور الأطلسي والولاء للثوابت الحضارية التي يزايد عليها الجار الإيراني ويستغلها لتحقيق أجندته باسم دعم المقاومة والتمسك بالقدس كعاصمة للمسلمين.
هذا الضعف ظهر عند زيارة كل من بوش وساركوزي للمنطقة العربية وحفاوة الترحيب وحسن الضيافة التي قوبلا بها رغم أنهما لم يحملا أي جديد لرفع حالة الحصار على غزة ولإعادة الحقوق المسلوبة للشعب الفلسطيني المشرد في المخيمات والمحاصر عن طريق الأسوار العازلة ومعابر التفتيش والذي يعاني من المجاعات والأمراض المزمنة ومن التخويف والتحرش والتهديد بالاغتيالات من طرف أقوى جيش في المنطقة لديه أفضل قوة ردع وهي السلاح النووي.
إن تعثر المشروع الوطني الفلسطيني مرده حالة الانقسام الداخلي نتيجة الفراغ الرمزي الذي تركه الراحل ياسر عرفات والتي لم تقدر كل الزعامات الحالية على ملئه لفقدانهم للشرعية التاريخية ولعدم امتلاكهم للكاريزماتية اللازمة لمثل هذه المهمات الدقيقة والحرجة. كما أن حالة التخبط في قرارات الشرعية الدولية تجاه القضية الفلسطينية يعكس حالة اللانظام التي تميز العلاقات الدولية لكون المعمورة تعيش مرحلة انتقالية من عالم يحكمه قطب واحد هو الإمبراطورية الأمريكية الى عالم متعدد الأقطاب تكون فيه أمريكا مجرد قوة الى جانب قوى أخرى تعمل على تحقيق التوازن المنشود وهذه القوى ربما تكون الصين وروسيا وأوروبا الموحدة والشرق آسيا والمحور اللاتيني من أمريكا الوسطى والجنوبية وبالطبع يبرز العرب والمسلمون بغيابهم عن التأثير والفعل في صناعة الكونية.
إن إنهاء معاناة سكان عزة رهين إيقاف تحرشات إسرائيل واعتداءاتها المتكررة على القطاع والضفة والمخيمات في لبنان وسوريا والأردن وتخليه عن بناء المستوطنات وتفكيكها للجدار العازل وتخفيفها لحالة المراقبة الدائمة للعمال الفلسطينيين مع تعهد كافة القوى الفلسطينية الفاعلة بإبرام صلح شامل وطويل وعادل يحفظ العرض والحق.
كما أن تحقيق هذا الحل متوقف على إرادة شجاعة من طرف المنتظم الأممي وعودة الوئام الى العائلة العربية الإسلامية في إطار الجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي وتحمل جميع الأطراف مسؤولياتهم على ما قد يحصل لغزة لو ظل الوضع على حاله والعمل بسرعة على إيجاد تسوية عاجلة لهذه الورطة من أجل إخراج سكانها من هذا النفق المظلم الذي وصله له بسبب صراع الهويات وتناقض المشاريع وتصادم الثقافات وحروب الأديان. ألم يصرح منظرو الدولة الأمريكية بأن بلادهم تعتقد أنها مدعوة الى فرض الخير في أنحاء العالم؟ فلماذا لا يشمل هذا الخير الأمريكي سكان مخيمات غزة؟ أليس من الضروري أن يفعل المنتظم الدولي مبدأ حق التدخل من أجل توفير الحماية لفلسطين من كل اعتداء خارجي؟
* كاتب فلسفي
اية اعادة نشر من دون ذكر المصدر ايلاف تسبب ملاحقه قانونيه
التعليقات