لقد كان صدام الديك الرومي للأمريكيين في يوم الشكر، فهم من صنعوه وهم من ذبحوه، كما ضحى مجرم سابق بالجعد بن درهم حين وقف خطيبا ثم قال: أيها الناس إنكم اليوم مضحون وأنا سأضحي بالجعد بن درهم ثم قام وذبح بجنب المنبر.وأشربوا في قلوبهم العجل!
وهو إن صح من حج الناس لمزاره فهو يكرر قصة يغوث ويعوق ونسرا ولا يزيد الناس إلا ضلالا، ولسوف يقرأ ربما أحفادنا في كتب التاريخ المدرسية المكذوبة كما قرأنا نحن، عن ملوك بني أمية الرائعين العادلين، ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر...
وهو يقول أن نشك في كل تاريخنا المكتوب، ونعرضه كما قال ابن خلدون على قوانينه الستة من صحة الأخبار' فاعلم أن الأخبار إذا اعتمد فيها على مجرد النقل ولم تحكم أصول العادة وقواعد السياسية وطبائع العمران والأحوال في اجتماع الناس ولا قيس الغائب بالشاهد والذاهب بالحاضر فلا يأمن فيها المرء من العثور ومزلة القدم والحيد عن جادة الصدق وهو أمر وقع فيه أئمة النقل والتفسير والمؤرخين'.
وهذا صنوه البعثي الآخر في جبال سوريا أصبح مزاره حجا لكل الحمقى والمغفلين والمعتوهين والمجرمين والمنافقين والخائفين ولا يزيد الظالمين إلا تبارا.. فيحجون إلى قبره ويصلون، ويطوفون سبعا على سبع فروع أمنية، يقدمون الهدي آمين البيت الحرام، ثم يرمون الجمرات في حوران على قبر أبي رغال الزعبي؟؟
وإن صح الخبر الذي جاء من العراق فهو كشف علمي في فهم علاقة سيكولوجية الشعوب بنظام الحكم؛ فقد نقلت استطلاعات الرأي البريطانية أن أكثر من ثمانين بالمائة من الشعب العراقي يعلن عن ' الحاجة لزعيم عراقي قوي منفرد'.
أي صدام جديد؟
وترجمة هذا الكلام أن الشعوب العربية لا تنبت الطواغيت من فراغ. والقرآن يقول أن البلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه، والذي خبث لا يخرج إلا نكدا.
وبعوضة مثل صدام خرجت من مستنقع عراقي يعج بكثير من البعوض ولم يجفف بعد.
وتجفيف المستنقعات هي الطريقة المثلى للقضاء على البعوض. ولكنه ليس كلمة بل جهود سنوات.
وعندما تتوطن ثقافة مريضة لا يمكن استئصالها مع كل الإحاطة بمسبباتها والعلاج.
ومنذ أكثر من مائة سنة يعرف المصريون سبب مرض البلهارسيا وطرق علاجه. ولكن المصريين ما زالوا يبولون في الترع؟!
وفي الهند يندلع الطاعون من حين لآخر بسبب تقديس الجرذان؟؟؟
ولا يوجد كتاب عنى بتاريخ اليهود مثل القرآن؛ فهو يذكر موسى أكثر من مائة وثلاثين مرة.
ونحن نظن أن مرض بني إسرائيل خاص بقوم عاشوا في الألف الثانية قبل الميلاد، ولكن مرض بني إسرائيل مرض إنساني يمكن أن يصيب أي قوم.
وطالما كان مرض (أهل كتاب) فهو ينطبق على كل (أهل كتاب) والمسلمون منهم.
وليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوء يجز به.
والقرآن يذكر عن عبادة العجل، أنه تحول إلى ثقافة خالطت العقول والضمائر، فقال بتعبير مبني للمجهول (وأشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم)، فتسربت إلى الثقافة كما في فيروس الإيدز الذي يتسرب إلى الكود الوراثي فيتشرب به ويعلق.
والثقافات تمرض كما تمرض الأجسام، ولكن أكثر الناس لا يعلمون. وقصة صدام ليست وحيدة أو منفردة، بل هي مكررة في نسخ ميتة في أمكنة أخرى.
وصدام اليوم ذهب مثلا وسلفاً للآخرين ومات الوحش السوري إلى الأبد صدقا وعدلا.
ومن دافع عن (شقي العوجة) ليسوا سذجا ولا مغفلين بل التفوا بمعاطف المحامين ودافعوا عن قضيته وبالمئات.
وهناك من يعتقد أنه بطل في تاريخ العروبة. ولو حرروه من شرك الأمريكيين والطائفيين لأعلن حربا شعبية لتحرير العراق ولكنه هلك غير مأسوف عليه؟
وعندما يحج الناس إلى قبره فهم أتباعه وعباده يقدمهم يوم القيامة بئس الورد المورود. وأتبعوا في هذه لعنة ويوم القيامة بئس الرفد المرفود.
وعندما مات عبد الناصر خرجت الملايين في جنازته، وهو من جر المصائب على رؤوس العرب في كارثة اليمن، وفشل الوحدة، وتفجير الغزو الثلاثي بدون مبرر، وفتح البحر الأحمر أمام الملاحة الإسرائيلية كتتمة لها، وتأسيس نظام المخابرات، وإعدام سيد قطب، وشنق المعارضة على حبل الغسيل، وإفقار مصر، وإفلاس الخزينة، وبوار الجنيه المصري، وهرب الفلاسفة مثل البدوي، وكارثة حزيران يونيو 1967 م وآثارها حتى اليوم. ويجادل العرب عبثا إعادة عقارب الساعة للخلف مع الاستعداد لكل خسارة.
وبالمقابل عندما هزم تشرشل في معركة غاليبولي على الساحل التركي عام 1915م استقال؟ وهو تشرشل الذي لا يهزم، ولكن الأتراك أذلوه وهزموه، وهو احترم نفسه فاستقال.
أما في عالم العروبة فمن أعلن سقوط الجبهة ارتقى من منصب وزير الدفاع إلى رئيس تصفق له الجماهير، كما حصل مع الطاغية الأسد، وعندما أعلن عبد الناصر استقالته؛ في لعبة متقنة مدروسة بحنكة ودهاء ـ وكان أذكى من غيره ـ فخطط للمسرحية جيدا، وهو أبو المسرحيات وشيخ الكذابين، وشاعره سعيد بدون سعادة، هتفت الجماهير بالروح بالدم نفديك يا أبو الجماجم، وخليك على رقابنا قرونا آخرين.
ولو عاد صدام لهتفت الجماهير تحيي البطل الذي هزم ثلاثين دولة، وكسر شوكة الحلفاء أجمعين، وهزم أمريكا بنفخة من سحره المبين؟ ولاخترع اسما لمعركة جديدة اسمها أم الهزائم.
ولكن العرب أميون لا يقرأون، والهزيمة والانتصار كلمات وليست حقائق، وإذا تم استبدال الحقائق بالكلمات، فإن القاموس يكسب كلمة، ويخسر الواقع حقيقة، ويعيش العرب في عالم السحر في قبضة ملك الجان في إجازة مفتوحة إلى يوم الدين.
أية إعادة نشر من دون ذكر المصدر إيلاف تسبب ملاحقة قانونية
التعليقات