احمل (لاب توبك) واتبعني
quot;المعلوماتية تتدخل في تغيير ذاتية الإنسان وذاكرته، وتؤثر في شعوره ولا وعيهquot; (فيليكس غاتاري)

في رواية بابا سارتر، يتحدث الروائي العراقي علي بدر، عن سطوة الحضور للفيلسوف الوجودي الفرنسي جان بول سارتر على مثقفي جيل الستينات العراقي، حيث التمثلات والرؤى التصورات، التي انغرست في العقول، حتى غدت مقولات ذلك الفيلسوف بوصفها أيقونات لا تقبل المساس. إنه التأثر الذي لم يتوقف عند استهلاك المقولات، بل راح يتسلل في المظهر وطريقة الحضور، حتى أن البعض كان يحرص على ارتداء ذات الموديل من النظارة التي كان يضعها الفيلسوف على عينيه.

بابا غوغل
في زمن طريق المعلومات السريع الذي تحدث عنه بيل غيتس، وثورة الإنفوميديا التي جعلها فرانك كيلش عنوانا لكتابه، والجهد المميز لنبيل علي حول الثقافة العربية وعصر المعلومات، والحفر المعرفي لـ ماتلار في نظريات الاتصال، يكون الوقوف عند مضمون المواجهة بين السياقين الثقافيين ؛ الورقية والرقمية.حيث السؤال الأشد مباشرة، ذلك الذي بات يحضر في الحقل حول الحظوظ والرهانات والآفاق المستقبلية بين الطرفين؟ حتى أن البعض بات يدخل هذه المواجهة في مضمون التقمصات والتحزبات، باعتبار الانحياز لهذا الطرف على حساب الطرف المقابل. بين موجه حسي يقوم على العلاقة العاطفية التي يثيرها الورق في القاريء والمتلقي، حيث الرفوف والأغلفة والرائحة المميزة وأنواع الورق وطريقة القراءة الحميمة التي تعودوها. وموجه عملي شديد المباشرة،قوامه التصفح السريع والمرونة الواسعة والخيارات المتعددة التي يتحيها مارد المصباح السحري الجديد google، والذي لا يتوانى عن نطق الجملة الشهيرة والأثيرة (شبيك لبيك google بين يديك)، ليكون البحث عن المعلومة، أنى كان نوعها وشكلها ومكانها بيسر وسهولة وسرعة لافتة، بحسب نوع الجهاز والخدمة التي تشترك فيها.

الصحافة والحدود الفاصلة
منذ القرن السابع الميلادي عرفت الصين الصحيفة الورقية المطبوعة، لكنها بقيت محدودة التداول، فيما جاءت الصحيفة الأوربية الأولى في اوربا، لتظهر في إنكلترا خلال العقد الأخير من القرن السادس عشر، حيث التخصص في المجال الاقتصادي، وصولا إلى الجهد الذي قدمه وليام بولوك في تطوير ماكنة الطباعة والتي أتاحت لظهور أولى الطبعات الصحفية الواسعة خلال عقد الستينات من القرن التاسع عشر. ومنذ ذلك التاريخ، برزت صناعة الإعلام، تلك التي اعتمدت على الصحافة الورقية تلك التي تشكلت ملامحها عبر التقاليد المهنية التي توافرت لها، حتى وصفت بالسلطة الرابعة، إن كان على مستوى التأثير في صناعة الرأي العام، عبر الاحترافية المهنية والثقة بالكلمة المطبوعة، أو الاستناد إلى مصادر التمويل الذاتي، حيث الإعلان التجاري الذي مثل عمدا رئيسا فيه.

الورقي والرقمي وما بينهما
هل هي المنافسة بين حقلي إنتاج ثقافي؟ وهل يمكن الوقوف إلى جانب طرف بإزاء آخر؟ الحديث بات يتكرر عن المقارنات التي يتم عقدها بين، الورقي والرقمي.حتى أن الصحفيين المتخصصين بالحوارات الثقافية، باتوا يضعون السؤال التقليدي عن المقارنة بين هذين الحقلين، والرؤية المستقبلية المتعلقة بهما. إنها موضوعة التعاقب التي تتربع في صلب مضمون مفهوم التطور، وحال التزامن الذي تعيشه الأفكار في ظل الاستقرار المظهري الذي تتبدى فيه الظاهرة الفكرية، والوضعيات التي تشير إلى ظهور حالة وتراجع الأخرى، وخطوات إحلال نموذج على حساب الآخر.

عدم الاكتمال!!
ما بين الآني والمستقبلي تتراوح القراءات وتختلف الترصدات، فيما يبقى الواقع يشير على أن الصحافة الرقمية وعلى الرغم من انتشارها واتساعها، إلا أن الملامح النهائية لها لم يتم تبيان ملامحها الرئيسة بعد. بل أن الملفت في الأمر ما نفك يقوم على اعتماد الرقمي على الورقي في الكثير من الأحيان، وهكذا راحت المواقع الرقمية تضع إعلانات التعريف بها في الصحف الورقية بغية الإفادة من جمهور الطبعة الورقية، باعتبار المسعى للوصول إلى القارئ. وبالمقابل توجهت الصحافة الورقية نحو إصدار طبعاتها الرقمية للوصول إلى القارئ مجانا، حتى كانت التجربة الرائدة التي خطتها جريدة الواشنطن بوست منذ العام 1994. حيث الخدمة التفاعلية القائمة على تقديم الخبر والمقال اعتمادا على التقنيات التي تتيحها فعالية الأجهزة الحديثة من صوت وصورة وموسيقى وتصميمات مختلفة، بالإضافة إلى الخدمات المباشرة، والتي تجعل من المتلقي مستخدما، وليس مجرد قارئ!

من القاريء إلى المستخدم
إنها تفاعلات الوسائط المتعددة التي تزحف نحو الرغبات والحاجات عبر الاعتماد على المتاح من التنوع والتيسير، وصولا إلى الغزارة في المعلومات، والتلبية المباشرة للرغبات التي تعن على المستخدم. وهو الاستهداف المباشر، حيث التركيز على الرغبة والتخصص، ومن هذا فإن المتلقي وبدلا من أن يقتني الصحيفة الورقية التي تضم الأقسام المختلفة التي درجت عليها توزيعات الصحيفة التقليدية، نراه يتابع ما يريد وفق الحقل الذي يهتم به، وهكذا تكون المباشرة في الانتقاء؛ رياضة، فن، ثقافة، شعر، كاريكاتير، أخبار، المال والاقتصاد والبورصة وسوق الأسهم، الإعلانات المبوبة حول بيع السيارات والأجهزة المنزلية، الكاتب المفضل، إلخ. هذا بالإضافة إلى محركات البحث التي تتصدر المواقع. ومن هنا فإن الوضع لم يعد قائما على تلقي المعلومة، بل يستند إلى إفساح الفرصة والمجال للإفادة من الأرشيف وبنك المعلومات الواسع الذي تتضمنه الخدمة التفاعلية، حيث يتم للمتلقي القدرة على تتبع تطور الظاهرة بناء على استعادة المعلومات الأرشيفية المخزنة، وبيسر لافت.

عالم من الخدمات
إنه صراع طريقة تقديم الخدمة والمعلومة، الذي قيض للعديد من الصحف الشهيرة أن توظفه بذكاء لافت، حيث توجيه مسار الخدمة الحصرية، عبر تحديد مسار الإشتراك Subscribe، للمقالات الخاصة والأخبار المميزة والسبق الصحفي أو طريقة الوصول إلى المزيد من الخدمات التفاعلية الخاصة. إنه صراع التفاصيل و خدمة المتابعة الخبرية المباشرة والسريعة وفروق التوقيت التي تسير دائما لصالح النسخة الرقمية، فيما تبقى موجهات السيطرة والتحكم بيد خدمة السيرفر. وبهذا يتشكل مضمون الإحلال الذي تقوده المؤسسة الإعلامية، بغية توسيع مسار الربحية فيها، اعتماد على الوعي الدقيق بالعلاقة المعقدة التي يقوم عليها نظام الاتصالات الجديد.

اية اعادة نشر من دون ذكر المصدر ايلافتسبب ملاحقه قانونيه