في مؤتمر إسلامي في آخن في ألمانيا حضرت امرأة ألمانية مع زوجها من مسافة 400 كم فحاولت سيدة عربية فصلها عن زوجه بدعوى التقوى فكان جواب الألمانية: إنني مسلمة ولكنني لست ملزمة بعاداتكم العربية ولست مفارقاً زوجي فافعلوا ما بدا لكم. فسكتوا كارهين. ولكن في أمريكا طلب منظمو المؤتمر من الشرطة الأمريكية التدخل لإلقاء القبض على سيدة مسلمة أبت إلا أن تجلس في مكان الرجال لاستماع المحاضرات ولم ترض أن تقعد بين الخالفين مع صراخ الأطفال في القاعة الخلفية.
ويرى المؤرخ توينبي أننا لو أخذنا طفلين الأول من عائلة لوردات بريطانية وجعلناه يتربى بين قبائل الزولو، وأخذنا الطفل الأسود وربيناه في كنف عائلة أرستقراطية، لخرج الأول يرقص بالحربة على قرع الطبول في الاحتفالات الليلية. ولكان الأسود أكاديمياً يدخن السيجار وينطق الإنكليزية بلهجة ويلز.
ولو رجع أحدنا في الزمن إلى عصر الأنبياء لهرب بعد أيام لافتقاد حبة أسبرين للصداع ورائحة المدن الكريهة وانتشار الأمراض واللصوص في كل مكان.
وبالتأكيد لو قفز إنسان من عصر تيمورلنك عام 1402م إلى مونتريال في كندا عام 2000 فلن يعود إلى حضرة السفاح، ولو أغرقه بالذهب والنياشين السلطانية، فطبيعة التاريخ تقدمية.
ولو انقذف أحدنا بآلة الزمن إلى العام 5002 فسوف يغيب ولن نسمع صوته لأنه سيرى عالماً خالياً من الحرب والمرض والظلم وامتهان المرأة.
وينقل الفيلسوف (محمد إقبال) في كتابه (تجديد التفكير الديني) في فصل (روح الثقافة الإسلامية) عن الصوفي (عبد القدوس الجنجوهي) أنه لو عرج به إلى السماء كما حصل لمحمد ص لما عادquot; قسما بربي لو أني بلغت هذا المقام لما عدت أبداًquot;.
وهو الفرق بين الوعي الصوفي والنبوي. بين الخلاص الفردي والانقلاب الاجتماعي.
وعندما يحضر زميل عمل إلى مؤسسة يبدأ تصنيفه هل هو علوي؟ درزي؟ شيعي؟ ويمضي التصنيف إلى الأسفل كما في تقسيم أنواع الحشرات عند علماء الطبيعة.
فإذا كان سنياً هل هو سلفي أم خلفي؟ صوفي أم فقهي؟
وإذا كان من معسكر الصوفية فمن أي فرقة الرفاعية أم الشاذلية؟
وإذا كان إسلامياً فمن أي حزب؟ هل هو من الإخوان المسلمين أم حزب التحرير أم جماعة الجهاد؟
هل هو من جماعتنا أم منشق علينا؟
هل هو سليم العقيدة على منهج السنة والجماعة؟ أم متأثر بفكر العلمانيين والحداثيين؟
أم هو شيخ العصرانيين؟ كما لقبني أحدهم في بحث تعب عليه ونشره في الانترنت؛ فخدمني جزاه الله خيرا بنشر أفكاري بجهده المضاد.
إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان.
إنها تساؤلات يخفيها الجميع علناً ويتحدثون بها سراً.
وفي بلد عربي الكل يقول أن الجيش والحكم بيد طائفة معينة. والكل يتهامس بها سرا. والكل لا ينطق بها علناً. في حالة نفاق مزمن ليس له إيمان. وخراج خفي ينفجر مثل انسمامات الدم في الحروب الأهلية.
هذا السؤال الوجودي يفاجأ به كل طفل ليكتشف نفسه ذكرا كان أو أنثى مسلما أم مسيحيا.
وأذكر من طفولتي هذا الاكتشاف عندما هرعت مع فريق من الأطفال النصارى إلى مخيم صيفي فحرمت من شرب الماء حينما صاح أحدهم هذا (مسلمي) يقصد مسلم فلا تذيقوه الماء.
وما زالت الكلمة ترن في أذني حتى اليوم. لأنني اكتشفت أنني مختلف عن الآخرين ومحروم من جنتهم.
وكما طردت من جنة المسيحيين النصارى، فقد كلفتني مقابلة في جريدة أن أطير من جنتها السلفية بسبب رأيي في نظرية التطور، وهي مسألة حكاها ابن خلدون قبل ستة قرون؟؟
وأتذكر من الجامعة عندما التقيت بأحدهم جلس أمامي وعيونه تفحصني مثل الرادار يتشمم أفكاري كما تفعل الأرانب حين الاقتراب من أرنب غريب. فكنت إذا ذكرت فكرة استنكرها بكل الأدلة (النقلية والعقلية).
وبعد أسبوع التقيت به وإذا بالمعارضة تحولت إلى استسلام بدون أي فلترة للأفكار. تعجبت ولما عرفت السبب زال العجب فقد أخذ (الأخ) التزكية ممن سلم عقله له. فحمدت الله على المصادفة.
وفي قرية عامودة من منطقة الجزيرة في سوريا، رأيت فيها أربع مساجد للمذاهب الأربعة كل يصلي بطريقته ووقته.
وما زلت أذكر شيخ الحنفية وهو يستشهد بحاشية ابن عابدين في الفقه الحنفي المؤلفة من آلاف الصفحات. أن مذهبه هو الأعلى.
والنقاش في مثل هذه الحالات غير مجدي.
والنصوص لا تخدم إلا في زيادة الانشقاق.
وكما يقول عالم الاجتماع العراقي علي الوردي أن كل فريق عنده استعداد أن يجند كل الأدلة (العقلية والنقلية) على صحة مذهبه.
وفي حرب الخليج عام 1990م انعقد مؤتمران إسلاميان في مكة وبغداد حضرهما قادة الفكر الإسلامي. كل يؤكد بكافة الأدلة صحة ما ذهب إليه فريقه. ومعها كل الفتاوى والكتب المقدسة. مما يذكر بالصراع القديم في صفين.
والذي حسم الموقف لم يكن المفكرون الإسلاميون بل أمريكا بصواريخ الكروز.
وفي حي الميدان في دمشق حضرتني صلاة العصر في مسجد فرأيت أناساً يصلون وأناساً ينتظرون إمام مذهبهم، وبذلك قسمت المذاهب الناس شيعا وأحزابا كل حزب بما لديهم فرحون.
وفي بعض كتب الفقهاء كلاماً لا يصدقه الإنسان هل يجوز زواج الشافعية من الحنفي؟
وهو ما يذكر بصرخة فولتير عندما أرادت كاثوليكية الزواج من بروتستاتني فهرع الكاثوليك لقتلهم فكتب فولتير مقالة نارية بعنوان: اسحقوا العار.
وفي طهران تقدم سني ليصلي بالناس صلاة العصر، وكان في زيارة لهم بمناسبة ذكرى الثورة فلم يصل خلفه إلا نفر قليل، حتى جاء إمام الشيعة فاحتشدت خلفه الجموع وبدأ التكبير.
وفي الجولان من سوريا جمع الحب بين فتاة شركسية وشاب درزي فحصلت أزمة مخيفة ضد التقاليد والمذهب وكاد الحب أن يذوي الاثنين. حتى تغلب الحب فتزوجا وأنجبا.
هذا السؤال الوجودي يطرح نفسه ليس باتجاه الأسفل في اكتشاف تشقق الفصائل الإنسانية وتعدد الملل والنحل والمذاهب وفصائل الفصائل. بل صعوداً في شجرة الفكر والعقائد إلى الأعلى. فإذا كانت الشجرة تتفرع ومن كل فرع تصدر فروعاً جديدة، فإن رحلة العودة سواء في مستوى شجرة التفاح أو الخليقة والأفكار تتوحد تدريجياً.