لندن: وجه تقرير بريطاني وضعته لجنة لتقصي الحقائق زارت مصر مؤخرا انتقادات لاذعة للحكومة المصرية لإحالتها أعضاء من جماعة الأخوان المسلمين للمحاكمة العسكرية، مشيرا إلى أن تلك الخطوة 'دليل صارخ على الفساد القانوني' في مصر. واعتمد التقرير على نتائج لجنة تقصي الحقائق التابعة لمنظمة 'العدالة الدولية' المعنية بضمان محاكمات عادلة حول العالم، إلى مصر في يوليو/ تموز الماضي. واشار التقرير، الذي وزعت نسخ منه في ندوة عقدت لإعلان ما جاء فيه في إحدى قاعات البرلمان البريطاني، إلى أن تقديم أكثر من 30 عضوا من الأخوان المسلمين إلى محاكمة عسكرية يجعل من الصعب 'حصولهم على محاكمة عادلة.'

يذكر أن حالة توتر بين أجهزة الأمن والإخوان المسلمين تصاعدت منذ الانتخابات التشريعية التي جرت نهاية 2005 وحصل فيها مرشحو الجماعة على 88 مقعدا تمثل خمس مقاعد مجلس الشعب. فقد شملت الاعتقالات والمحاكمات عددا من رموز الإخوان من بينهم النائب الثاني للمرشد العام بالجماعة، خيرت الشاطر، الذي أحيل مع آخرين من قيادات الجماعة لمحاكمة عسكرية وفرضت الحراسة على أموالهم.

لن نغزو مصر

أبدى التقرير استغرابا من تحويل أعضاء في الجماعة إلى محاكمة عسكرية خاصة بعد أن سبق وبرأتهم محكمة جنائية مدنية من التهم ذاتها من قبل. وعبر عن الامتعاض من منع الحكومة المصرية دخول أحد أعضاء لجنة تقصي الحقائق إلى مصر، وكذلك منع دخول مراقبين ومحامين دوليين إلى قاعة المحكمة. كما حذر رئيس لجنة تقصي الحقائق، سير إيفان لورنس وهو مستشار لملكة بريطانيا، من ردة فعل المجتمع الدولي تجاه انتهاكات حقوق الإنسان الواردة في التقرير الذي أعدته اللجنة.

وردا على سؤال من بي بي سي العربية عن طبيعة رد فعل المجتمع الدولي، أجاب لورنس بنبرة تهكم، 'بالتأكيد لن نغزو مصر'، نافيا في الوقت ذاته أن يشمل رد الفعل توقيع عقوبات على الحكومة المصرية أيضا. وأضاف أن على الحكومة المصرية quot;أن تقوم بخطوات لإيقاف الضرر الناتج عن ذلك وتحسين صورتها.

مصادفة

ونفى التقرير أن يكون الدافع وراءه هو التقرب لجماعة الإخوان، مشيرا إلى 'أننا لا نرغب في أن ندخل أنفسنا في أي جدل حول ماهية الأفعال التي يقوم بها الأخوان المسلمون وهل هي صحيحة أو خاطئة، أو حول وجوب حظر الجماعة من عدمه'.

وقال سير إيفان لورنس، وهو محام بارز يعمل مستشارا للملكة منذ 25 عاما، إن تركيز الضوء على قضية الأخوان كمنطلق لمناقشة مزاعم انتهاكات حقوق الإنسان في مصر كان 'مصادفة'. ووصف التقرير الجماعة بأنها 'ليست إرهابية حسبما تأكد لنا'. ورفض التعليق عما إذا كان للتقرير علاقة بوثيقة لوزارة الخارجية البريطانية دعت إلى تدعيم الاتصال بجماعة الأخوان المسلمين، وكشفت الصحف البريطانية وقتها أن وزير الخارجية آنذاك صدق على ما جاء في الوثيقة التي تسربت العام الماضي وسط جدل كبير حول فتح حوار مع الجماعات المتشددة.

وفي تعليقه على ذلك، لم يستبعد وفيق مصطفى رئيس quot;مجموعة المحافظين العرب' التابعة لحزب المحافظين البريطاني وجود صلة بين التقرير ومساع سياسية بريطانية بشكل عام للاتصال بالإخوان المسلمين في مصر.

وقال مصطفى: 'الحكومة البريطانية، وسبقتها الحكومة الأميركية، تتبع الآن سياسة ما يسمى بالدبلوماسية العامة التي quot;لا تتطلب التحدث على مستوى السفراء أو الدبلوماسيين، بقدر اعتمادها على الاتصال مع الشعب مباشرة'. وأشار إلى اجتماعات بعض السفراء الأوروبيين إلى أعضاء من جماعة الأخوان المسلمين مباشرة، قائلا ' يجب الا ننسى أن الأخوان المسلمين هم قوة المعارضة الأكثر تأثيرا في مصر بل والأكثر استعدادا لاستخدام القوة في نفس الوقت'.

ولم يكن غريبا وفق هذا التحليل أن ينهي تقرير منظمة quot;العدالة الدوليةquot; عن انتهاكات مزعومة لحقوق الإنسان في مصر بالقول إن 'الشعب المصري ذاته يقع على عاتقه - وليس على عاتقنا - السماح بتصحيح العيوب والأخطاء التي تعتري النظام القانوني المصري'.

لن يقدم ولن يؤخر

وفي مصر، قلل عبدالله كمال رئيس تحرير مجلة روزاليوسف من أهمية التقرير الذي اعتبره quot;تدخلا ليس من حق بريطانيا القيام بهquot;. ودافع كمال عن المحاكمة العسكرية للإخوان، قائلا: quot;إذا كانت هناك جريمة تتعلق بعمل إرهابي فإن هذه الجريمة تتطلب محاكمة المتهمين فيها أمام محاكم ذات طبيعة خاصة،quot; مشيرا إلى quot;الاستعراضات العسكريةquot; في نهاية العام الماضي والتي تسببت في الاعتقالات والمحاكمات. لكن هل يؤدي هذا التقرير إلى تغيير فعلي على الأرض فيما يتعلق بحقوق الإنسان المزعوم انتهاكها في مصر في نهاية الأمر، أم ينضم إلى سابقيه من التقارير المماثلة حول الموضوع والتي قيل إنها لقيت تجاهلا من الحكومة المصرية؟

ربما كان من الأفضل البحث عن إجابة عن السؤال بين جمهور الحاضرين في القاعة الذي لم يتعدى عشرين شخصا معظمهم من أصول عربية. فقد قال موسى كرم، وهو أحد الحاضرين، 'التقرير لن يؤدي إلى نتيجة فعلية على الأرض، فالحكومة المصرية لم تهتم بالرد عليه أو الاهتمام بالحضور لمناقشة ما ورد فيه اليوم رغم توجيه دعوة إلى السفارة المصرية.quot;

يذكر أنه منذ سنوات تحتج أحزاب معارضة ومنظمات حقوقية على إحالة المدنيين إلى المحاكم العسكرية لكن 'قرارا جمهوريا' صدر في فبراير/شباط الماضي بإحالة الشاطر والآخرين إلى محاكمة عسكرية بدأت يوم 26 أبريل/نيسان. وكانت محكمة القضاء الإداري قد قضت بعدها في مايو الماضي بوقف تنفيذ قرار محاكمة قادة وأعضاء الجماعة، لكن محاكمة المتهمين عسكريا مازالت مستمرة حتى الآن.