يحيى عسكران من صنعاء: مسلسل انتحار الشباب في اليمن لا يتوقف. قبل أيام قليلة شنق الطالب يوسف المفلحي quot;21 عاما quot; نفسة في غرفة سكنة بالمعهد التجاري بعدن بحبل الغسيل دون علم زملائه بسبب الانتحار.وإن أكد بعضهم انه كان يعاني من حالة نفسية ومصاب بمرض الانفصام الشخصي.
وتتكرر المأساة في مشهد آخر لفتاة في العقد الثالث من عمرها بمديرية الجراحي محافظة الحديدة عندما أرغمت على الزواج بشخص لا ترغب فيه، فعمدت إلى رمي نفسها في بئر القرية وصارت الحادثة تشكل قلقا اجتماعيا لدى كثير من المواطنين.


كما لم تكتمل فرحة أسرة الشاب حميد البالغ من العمر 25 عاما من أبناء مديرية مسور محافظة عمران بدخوله عش الحياة الزوجية التي اختارها في يوليو 2003م،حينما أقدم على قتل نفسه ليلة زفافه بمسدس كان بحوزته أثناء زفافه دون معرفة الحاضرين عن دوافع وأسباب الحادث.
قضية الانتحار في اليمن وحسب تقرير وزارة الداخلية للعام 2007م فإنه شهد 252 حادثة انتحار و221 حادثة شروع بالانتحار منها 6 حالات انتحار للإناث و170 حالة شروع في الانتحار للإناث، فيما أشارت إحصائية رسمية أخرى أن عدد حالات الانتحار المسجلة لدى سلطات الأمن في مختلف
محافظات اليمن خلال الأعوام الثلاثة الماضية ( 2004 - 2005 - 2006) بلغ 1401 حالة من بينهم 624 شخصا انتحروا بواسطة أسلحة نارية، و 141 شخصا استخدموا وسائل أخرى كالسموم والشنق وغيرهما.


وكالة الأنباء اليمنية سبأ بحثت حول أسباب ودوافع انتحار الشباب مع عدد من المختصين والشباب المعنيين بجامعة صنعاء.. حيث اعتبرت
رئيسة قسم علم النفس بكلية الأدب جامعة صنعاء الدكتورة نجاة صائم، ضعف شخصية الفرد وعدم مقاومتها للأزمات والمشاكل إحدى عوامل وأسباب انتحار الشباب.


وقالت صائم quot; الإنسان لا ينتحر فجأة وإنما يتعرض لضغوط نفسية واجتماعية شديدة جدا تجعله يدخل في مرحلة اكتئاب نفسي وبالتالي يمر بأعراض شديدة وعلامات متأزمة تجعله في نهاية المطاف ينهي بحياته بالانتحار.
وشددت صائم على دور المؤسسات التعليمية ومؤسسات التنشئة الاجتماعية وذات العلاقة للقيام بواجبها المسئول في توعية الأفراد وتنمية وتعزيز شخصية الفرد وتقويتها.


وترى أستاذة علم الاجتماع بكلية الآداب جامعة صنعاء الدكتورة عفاف الحيمي أن التنشئة الاجتماعية والخوف الشديد الذي يتعرض له الشباب في الحياة تعد سببا في الانتحار.. مؤكدة أن الوضع الاقتصادي المتدني والحالة الاقتصادية التي يعيش فيها الشباب بلا أعمال ولا وظائف إحدى العوامل الأساسية لإقدام الشباب على الانتحار.


وأشارت الحيمي إلى أن تخرج الشباب من الجامعة دون توفير الوظائف التخصصية والأعمال المناسبة تجعلهم يصابون باكتئاب نفسي يرتد نحو الذات وأقصى ما يعذب الإنسان نفسه هو القتل أو الانتحار.. مؤكدة على ضرورة ربط التعليم بسوق العمل حتى يتسنى للشباب الاهتمام بالتعليم المدرسي والجامعي دون إهمال أو تسيب.


وقالت quot; تشغيل الشباب عنصرا مهما في تغيير حياتهم السلوكية والفكرية والاجتماعية ويجعلهم بعيدين عن الأفكار السيئة والمنحطة..
ونوهت الحيمي بدور الاسرة والمدرسة ومنظمات المجتمع المدني في تنشئة الأجيال وتوعية أفكارهم بالعلوم الشرعية والدينية وتسليحهم بها، إضافة إلى دور القطاع الخاص في استقطاب الشباب وامتصاص طاقاتهم الإبداعية حتى لا يكونوا عرضة للضياع والانحراف.
ويؤكد الباحث الاجتماعي بجامعة صنعاء جمال الجهيم أن ضعف الإيمان والوازع الديني إحدى دوافع إقدام الشباب على الانتحار.. مشيرا إلى أن تردي الأوضاع الاقتصادية ومحدودية مسرح المشاركة الاجتماعية لديهم تدفع البعض إلى إنهاء حياتهم بأي شكل من الأشكال.
وقال الجهيم quot; لم يعد للأسرة والمسجد المدرسة الدوري الأساسي للتأثير على شخصية الفرد وسلوكه بل أصبحت الفضائيات والانترنت والتكنولوجيا الحديثة إحدى أهم وسائل التأثير على نفسية الشباب وأفكارهم على اعتبار أن الفضائيات اليوم لم تعد تمد بصلة إلى ديننا وقيمنا الدينية والإسلامية quot;.
وأضاف quot; يمر الشخص بعدة مراحل قبل انتحاره ومنها القلق والانزواء والتي تأتي بعد تعثر الطموحات التي يتطلع إليها الإنسان فيعيش في حالة أزمة نفسية تؤدي في النهاية إلى الانتحارquot;.


وأكد الجهيم أهمية دور مؤسسات ومراكز التعليم والإعلام والإسهام في تعزيز الجوانب الدينية والإيمانية لدى الشباب.. منوها بضرورة وضع حد لهذه الحالات والقيام بدراسات علمية وبحثية منهجية تتم بالتعاون مع مراكز التعليم والإعلام والمؤسسات الدينية ومنظمات المجتمع المدني لطرح حلول جذرية ومعالجات آنية وسريعة للحد من انتشارها بين أوساط الشباب والمجتمع.


ويؤكد أستاذ الفقه المقارن بكلية الشريعة والقانون جامعة صنعاء الدكتور درويش الاهدل أن حكم الانتحار في الشريعة الإسلامية محرم تحريما قاطعا لقول المولى عز وجل quot; quot; ولا تقتلوا النفس التي حرّم الله إلا بالحق quot;، وقوله سبحانه quot; ولا تقتلوا أنفسكم quot;، وقول الرسول صلى الله عليه وسلم في ما معناه quot; من قتل نفسه بشيء فإنه يعذب به يوم القيامة quot;.


كما أشار إلى أن الرسول صلى عليه وسلم نهى عن الانتحار بقوله quot;من قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يتوجأ بها في بطنه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا، ومن شرب سما فقتل نفسه فهو يتحساه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا، ومن تردى من جبل فقتل نفسه فهو يتردى في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا quot;.
مؤكدا أن سعادة الإنسان في الدنيا تكمن في الإيمان بالله تعالى وطاعته والرضا بما كتبه الله له وما قدره من خير أو شر.
وراجع الاهدل قضية انتحار الشخص لعدة أسباب ومنها ضعف الوازع الديني والجهل بأحكام الشريعة الإسلامية وابتعاده عن المولى عز وجل.. مشيرا إلى تعزيز دور المساجد والوسائل الإعلامية والتعليمية لتنشئة الأجيال وتربيتهم على طاعة الله عز وجل، وتنبيه المسلمين بالتحلي بالصبر والرضا والقناعة بما قسمه الله دون الرجوع إلى قتل النفس التي ليست في الأصل ملكا له.


أما الشابتان عبير قاسم وهناء جميل الطالبتان بكلية الإعلام جامعة صنعاء فأكدتا أن أسباب انتحار الشباب بالدرجة الأولى تكون اجتماعية.
وأشارتا إلى ضعف الجوانب الدينية لدى كثير من الشباب والذي يجعلهم يائسين من الحياة والعيش فيها إضافة إلى الطموح الزائد لديهم لتحقيق غايات وتطلعات غير قادرين على تحقيقها وبالتالي يصطدمون بالواقع ويصابون بالإحباط.


ويشاطرهن الرأي الشاب عبد القادر السريحي طالب بكلية الإعلام، الذي يرى أن لجوء الشباب إلى الانتحار سببه الرئيسي ضعف الوازع الديني والبعد عن الله تعالى وكذا المشاكل الاجتماعية داخل المجتمعات مثل الطلاق والتفكك الأسري وغيرها.. مؤكدا على إن تضطلع الحكومة التي تقع عليها مسؤولية كبيرة بدورها في القضاء على مثل هذه الحالات، ووضع برامج وخطط لاستقطاب الشباب من اجلها والحد من انتشارها.
الطالبة مها جميل بكلية التربية جامعة صنعاء ترى أن انتحار الشباب ناتج عن عدم فهم الآخرين لمطالبهم واحتياجاتهم وفتح الطريق أمامهم لتحقيق آمالهم، إضافة إلى ضغوط نفسية أسرية واجتماعية.


وقالت مها quot; اعرف كثيرا من الشباب والشابات حطموا أنفسهم لأسباب عدم دخولهم كلية معينة يطمحون بالوصول إليها فكان الانتحار من وجهة نظرهم هو الحل لمشكلتهم، ومعظم الشباب دخلوا كلية ما لا يريدونها وبالتالي كانت النتائج في النهاية سيئة جدا وسلبية quot;.. مؤكدة أن الثقافة والتعليم لهما دور كبير في انخفاض معدل جريمة الانتحار، وفي مقدمة ذلك قوة الوازع الديني.


ويرى الشابان عبد الله عبد الرقيب ومجدي الذيفاني الطالبين بكلية الشريعة والقانون بجامعة صنعاء أن أسباب انتحار الشباب تعود إلى البيئة التي يعيش فيها الإنسان وأسباب مادية ومعيشية واجتماعية.
وأشارا إلى الصعوبات التي تواجه الشباب ومنها تردي مستوى المعيشة والغلاء والفراغ والبطالة، إضافة إلى المقارنة مع الغير والنظر إلى ما بأيديهم من نعمة، مما يسبب للإنسان حالات نفسية تجعله غير قادر على مواجهة الواقع وبالتالي يتجه في النهاية إلى الانتحار.
وطالبا الجهات الرسمية والأحزاب ومؤسسات المجتمع المدني للقيام بدراسات علمية وبحوث ميدانية للوقوف حول الأسباب الحقيقية لانتشار جريمة الانتحار.. منوهين بضرورة توصيف الأسباب المؤدية إلى تلك المشكلة وإيجاد حلول جذرية مناسبة لها.


وحسب منظمة الصحة العالمية فإنه توفي مليون شخص بالانتحار في عام 2000م في مختلف دول العالم، بمعدل وفيات بلغ 16 حالة انتحار في كل 100 ألف شخص أو انتحار شخص في كل 40 ثانية.