أطل علينا وزير خارجية حكومتنا هوشيار زيباري يبين حيثيات اختياره لمجموعة سفراء العراق، ثم مجد بهم وأطرى على مواهبهم، وأكد على كونهم من حملة الشهادات العليا. والأمر يحدث أول مرة فعلا ، حيث كان ممثل العراق في الخارج أيام العفالقة ينحدر من بؤرة مجرمي البعث وقبوات المخابرات وأكثرهم شراسة وتعطش للدم ،ويمثل سفلة وحثالة المجتمع العراقي أخلاقيا وثقافيا. ولكن لفت نظرنا أن زيباري كان فخور باختيار ما راق له من مرشحي الأحزاب العراقية ،ولم يشرح لنا مقاييس الترشيح أو مقومات الاختيار ،و التي نتمنى أن تكون بعيدة عن المحاصصات القومية أو الطائفية أو العشائرية أو الجهوية ،مع إقرارنا بأن الطبقة السياسية مازلت ترزح تحت سطوة وتأثير مفاهيم سلطة البداوة البعثية التي نخرت العقول والنفوس.
يُعذر زيباري على عدم دخوله في تفاصيل وحيثيات وخصوصيات المرشحين لضيق وقته حتما ، و كان الأجدر به أن يرفع لائحة بتلك التفاصيل وينشرها في وسائل الإعلام ،لكي يتسنى لنا كمواطنين من القاع خسرنا الكثير من أجل هذا الوطن، أن نتعرف بمن يمثله في الخارج. ولاسيما بالنسبة لنا نحن المغتربين حيث يشكل أمرا في غاية الأهمية، بما قاسيناه من سفارات العراق لأربعة عقود كلحاء، كنا نهرب من كابوس السفارة، ونتحاشى المرور حتى في الشارع الذي تقع به السفارة العراقية، وكاكا زيباري يعلم ذلك علم اليقين.
وثمة تقليد وجدناه هنا ، في الدول التي تحترم نفسها ومواطنيها بأنها تنشر كل عام كتاب عمومي مفتوح يتضمن جرد لكل منتسبي وموظفي وزارة الخارجية، في الداخل والخارج ،مع شرح ممل عن مؤهلاتهم وخبراتهم، والأكثر غرابة شئ من توجهات الموظف الفكرية وكثير من خصوصياته. فقد قرأت هنا في السويد عن بعضهم ومن الجنسين بأنهم شاذين جنسيا مثلا، أو عن رغبتهم بالعيش مع الكلاب والقطط فقط وأسم كلبه كذا، ومزاجه وما إلى ذلك من ترهات. ربما تكون ترهات بالنسبة لمن قاسى من ضيم البعث مثلنا، ولكن الأمر طبيعي لهؤلاء القوم.وإذ لا أريد أن نبالغ وننشر تلك التفاصيل عن منتسبي خارجيتنا الميامين، فلم نستعد بعد نفسيا لتلك الدرجة من الشفافية ، ولكن نريد منها ولو الحد الأدنى بما لا يخدش الحياء أو يمس الأعراف الاجتماعية ،. وإذ أسأل زيباري عن موعد صدور اللائحة التي نتقد شوقا لها. و نصر على أن نتعرف على منحدراتهم العائلية والى من يمت بالقربى ،فيبدو أن بعضهم يحملون أسماء الأب واللقب بما يطابق شخوص نسمع عنهم في سلطتنا الجديدة ،كل ذلك يجعلنا نشعر أنها حالة "بعثية تبعث من جديد". و خشيتنا الثانية وتحفظنا يكمن في أن لا يخترق بعثي سابق أو عنصري – قومي(عروبي أو كرودي أو تركماني أو كلدوأشوري) أو طائفي أو عشائري أو متحزب مواقع دولتنا الجديدة، ولاسيما في الجانب الخدمي العمومي ،و خشيتنا وتوجسنا أن لا نعيد نفس "الطاس والحمام" كما أيام البعث، حينما كان موظفي الخارجية ومنتسبي السفارات يختارون ممن أثقلت المثالب موازينهم.
ومن دواعي التفاؤل بأن ثمة صلة للنشر والتعريف والإشهار أسمها (الأنترنت) يعرفها الأخ هوشيار،و التي يمكن عمل مواقع خاصة عليها، خلال سويعات . وإذ نجد أن الكثير من قنصليات ومكاتب الدول الصغيرة والفقيرة قد خصصت لها مواقع على الشبكة يمكن الإطلاع عليها والاتصال بها، لتسهيل كل الأمور الإدارية. وإذ أرى أن منذ عام ونيف وزيباري يصول ويجول في سفرياته، دون أن يشغل نفسه في عمل صفحة على (الإنترنت) لوزارته تأخذ ساعة شغل من مصمم حاذق،نتلقى من خلالها المستجدات والبيانات،و تنقل لنا أخباره وأخبار وزارته ،والأهم في ذلك أن نطلع من خلالها على حيثيات التعيينات التي لا نريدها أن تكون"غفلاوي" أي تتم باستغفال الناس ومن وراء ظهورهم، كما كانت تفعل سلطة البعث،ولاسيما أن ثمة رائحة تنطلق في الهواء بدأت تزكم الأنوف،وبدأ يثار حولها لغط ونميمة .
والأهم في كل ذلك يا كاكا زيباري أن تشرح لنا من وهبك الصلاحية بأن تعين مرشحي الأحزاب، دون الرجوع إلى العقل والمنطق اللبيب الذي سوف يرشدك إلى أن جل العراقيين لا ينتمون إلى أحزاب ولاسيما عقلائهم وصفوتهم، أو ممن يتجنب أن يسّيس، بعد أن ذعرتهم الحزبية وتركت أثرا أسودا في بواطن نفسياتهم، بسبب تجربة البعث الغبراء. وأجزم لك يا أخي أننا نشكل " أكثرية ناطقة" وليست"صامته" كما يراد لها،طفقت ترصد حركاتكم بعدسة مكبرة ،وهاجسها الدائم هو أن لا تتكرر ظاهرة الاستغفال والتمرير الجزافي والتعيينات العشوائية التي مارسها البعثيون.
ونظن ياكاكا أنك حصيف إلى درجة أن لا تغفل أن جل طاقات العراق تعيش في الخارج، وهي تخشى الرجوع اليوم،ولكنها تنتظر الهدوء والأمان لتعود، وجلهم غير منتمين إلا للوطن العراقي. وتعلم أن غالبيتهم من يتقن خمسة وستة لغات ،ويحملون أعلى الشهادات ،ولديهم من الخبرة ما يشفع بترشيحهم لمناصب السفراء والقناصل والملاحق ومنتسبي السفارات. ونظن أنه كان من الأجدر أن تصطنعوا في موقعكم على الأنترنيت استمارة ترشيح خاصة، يدون بها المتقدم مؤهلاته، بعيدا عن تدخل الأحزاب والمحسوبية والمنسوبية إلى جهات من هنا وهناك و المحاصصة المقيته التي يتذمر منها الجميع . نقول أن هؤلاء في الخارج عراقيون أولا ولهم الحق كل الحق بالترشيح والحصول على منصب بحسب كفائتهم ومؤهلاتهم ،ولديهم حق اعتراض القرارات.وخشيتنا يا كاكا هوشيار أن لا "ترجع حليمة إلى عادتها القديمة"، وتصبح السفارات أوكار للتخابر والشللية والتحزب . ونجد عموما يا سيدي أن الدول المحترمة لمواطنيها تفضل في سفاراتها تعيين من هم يقطنون في تلك البلدان أساسا، ولاسيما في الوظائف التي تحتاج الاتصال مع جهات محلية بالبلد المعني، لمعرفتهم باللغة والعقلية والطبيعة النفسية لمجتمع البلد، ناهيك عن طبيعة النظام الإداري والسياسي.
وهذا ما يجب أن نطبقه ياكاكا هوشيار على منتسبي سفاراتنا في الخارج، حينما تأتي لي بأحد مرشحي الحزب الفلاني لتجد له مكانا شاغرا في السفارة العراقية في المكان الفلاني، وتترك من هم أجدر من العراقيين من الجيل الأول أو الثاني ممن عاش أو ترعرع في تلك الدولة مثلا. ونرجو أن تعلمنا مسبقا بحيثيات ومؤهلات الشخص المعني ،على أن لا يكون بعثيا سابقا أو بوقا للبعث ،أو ممن كان يقبض منهم، أو يدافع عن سياساتهم. ونحن في الخارج في كل البلدان نعرف هؤلاء جيدا.
ولك بعض شكوى الأخوان العراقيين، حيث دخل أحد أعمدة الثقافة العراقية(مخرج )، وأسمه معروف بسفارة العراق في أمستردام ورام الحصول على وثيقة تثبت عراقيته ،فوجد المسؤول (القنصل) أحد الأخوة الأكراد، وهو يتصف بالبله ،و لا يلم بحيثيات الثقافة والمجتمع العراقي، وبعيد كل البعد أن يتعرف على الشخص المعني من خلال أسمه وشكله المتعارف. ثم بادر بعد حين إلى أسئلة شخصية مبتذلة بعيدة عن اللياقة والكياسة الاجتماعية. فأسألكم بالله من عين هذا "الغير اللائق" في هذا المكان المحترم.
أتصل بي صديق من روما أديب وناقد فني ويحمل شهادة الماجستير، ونجد له الكثير من المؤلفات والبحوث على صفحات الجرائد والمواقع الأنترنيتيه ، وله مؤهل إتقانه اللغة الإيطالية ،كونه يعيش هناك منذ ثلاثة عقود وهو يروم التعيين في سفارتنا في روما . و سعى لذلك، لكنه جوبه بحالة من التمويه ولم يستجاب لسؤاله، والأنكى أنه وجد شخصا مغربيا يعمل في السفارة وأخبره أنه "بتاع كله". ومن المعلوم أن توظيف غير العراقيين هو تقليد قائم منذ أيام البعث السوداء، حينما كانت توكل لهم مهام إستخباراتيه، أو لا أخلاقية كالدعارة والقواده ،ونتذكر في رومانيا أن سفير العراق في بواكير الثمانينات المناظل البعثي و العروبي والعسكري و المشارك الدائم بإتقلابات البعث (ذياب العلقاوي) كان يمارس شذوذه الجنسي بصحبة سفير الجماهيرية العظمى، ويسخر طلابا من الأردن وفلسطين وسوريا ولبنان وتونس لهذا الغرض بالإضافة إلى رهط من البعثيين العراقيين.
دعنا ياكاكا هوشيار أن نطلع على أفعالك قبل أقوالك،ودعنا نطلع على أوراق تعييناتك وتفاصيلها ، فكلامك معسول وجميل ،وأنت ملم بالإنكليزية دون مجاملة، وحتما ثمة غيرك من هم ملمين بأكثر من ذلك،ويحملون في رؤوسهم "برج بابل"من حبكة اللغات وفوضى الحقائق ووسع المعلومة والحصافة، كل ذلك وردهم بسبب كثرة المنافي وتعدد المهاجر والتجارب التي أطلعوا على ثقافاتها،وهم أجدر من غيرهم حتما، ولكن جنابك الكريم لم تطلع على مواهبهم ، فأترك لهم فرصة الظهور، وأرفع الستارة الثقيلة الكئيبة التي تعودنا أن نجدها بيننا وبين الحاكم و الساسة وعناصر السفارات. وهذه الطقوس لا يراد منها الانتقاص منك أو من حكومتك الموقرة، فحاشى ذلك، ولكن غرضنا وغايتنا أن نمارس الشفافية ووضوح الرؤيا والممارسة الأخلاقية على الطريقة العراقية من الأساس ومن بداية سلطتكم ، لنضمن مستقبل بلدنا ومستقبل أجيالنا ،وإلا سوف نصل دون ريب إلى ما أوصلونا إليه أهلنا حينما سكتوا على خروقات البعث الساقط.


*معمار وباحث عراقي
[email protected]