الأستاذ كمال غبريال تحياتي:

تعجبني كتاباتك كما هو الحال مع كتابات الكثيرين من كتاب إيلاف، واحلف بالله صادقاً إنكم البذرة التي بدأت تنمو في غابة عقلنا الجمعي الشوكية لتحولها إلى باقات ورد وزهور. أنا يا سيدي اعتقد أن مشكلة عالمنا النائم هي مشكلة عقلية في المقام الأول، ألخصها بأننا نعيش في هذا الزمان جسدنا وعقلنا مرهون في الماضي السحيق، أنا كاتب هاوي ومتهكم على جميع شئون عالمنا العربي البائس. هذا المقال عبارة عن الجزء الأول من سلسلة مقالات كتبتها متهكماً على إعلامنا العربي، والآن أرسله لك مداخلة مع مقالك: الخطاب الإعلامي العربي بين الوصاية والتضليل والليبرالية المفتقدة ، المنشور اليوم، وإذا تم نشره سأوافيكم ببقية السلسلة.


إذا كنت فاضي شغل، هات ورقة وقلم واجلس أمام التلفزيون وافتح على القنوات الفراغية ( قناة الجزيرة العربية !! كمثال ) وتابع أي من برامجها . سجل المقدمة أو ( الخطبة ) التي يلقيها المذيع في أول البرنامج . سجل أسماء الضيوف المشاركين في ذلك البرنامج ثم سجل ما يقولونه من كلام، سجل أسماء المتداخلين تليفونياً وأيضاً سجل ما يقولونه ... اقفل المحضر.

افتح محضراً جديداً بورقة أخرى، وانتقل إلى برنامج آخر من نفس القناة وقم بنفس التسجيلات . . . ثم افتح محضراً ثالثاً ورابعاً وخامساً ... الخ، متجولاً بين هذه القنوات المختلفة ومسجلاً، من يفعل ذلك لمدة يوم واحد أو أسبوع أو شهر، أو حتى سنة، يصل إلى نفس النتيجة : وهي تكرار ما سجله في أول مقابلة أو برنامج سمعه، لأن ذلك يكون مكرراً في جميع البرامج لجميع القنوات إذ أن المقدمات هي هي لا تتغير، وإن تغيَّر المذيع أو المقدم، والضيوف هم نفسهم الذين تجدهم في البرنامج ( أ ) وحتى البرنامج ( ي ) من القناة ( أ ) وحتى القناة ( ي ) , وأيضاً الكلام الذي يقولونه هو نفسه الذي سمعته في كل البرامج. أيضاً بالنسبة للمتداخلين تليفونياً، ستجد الأسماء المتداخلة في قناة "زيد" هي نفسها التي تداخلت في قناة "عبيد"، مع تكرار نفس الكلام.

سوف تجد أن هؤلاء الضيوف المتكررين في جميع القنوات لا يتجاوز عددهم أصابع اليدين، وستجد أن المتداخلين المتكررين لا يتجاوز عددهم أصابع اليدين والرجلين ( طبعا إضافة لمن هم خارج الأستوديو من أصابع اليدين المذكورين أعلاه ) . بعد ذلك، وبعد أن تكون قد حفظت جميع الأسماء وحفظت كل كلامهم , سوف تكتشف أن هؤلاء وأولئك يحملون تفويضاً كاملاً من الأمة للحديث والتنظير باسمها !!

وبما انك عضو في هذه الأمة، ووجدت من ينوب عنك في كل صغيرة وكبيرة، وبالتالي أصبح لا لزوم لك ولا لكلامك ولا فرصة لك للتعبير عن أي شئ ـ لأن كل الأماكن قد شغلها هؤلاء وكل الكلام قد قالوه بالإنابة عنك، وعن من خلّفوك ـ وبدل أن تكون ( قاعد فاضي ) يمكنك إجراء بعض التجارب المسلية على هذه البرامج، وهناك تجارب مسلية عديدة يمكنك أن تجريها، منفرداً أو مع أصدقائك، على هذه البرامج، وهذا ما سيأتي تفصيله لاحقاً.