تغيير المعادلة السياسية في العراق وخروج حزب البعث من تاريخ العراق والعالم العربي منهيا (مسيرته النضالية) بأحذية العراقيين وفرحتهم الشعبية العارمة! والتي عبرت عنها خير تعبير تلك الصور التي تناقلها العالم أجمع قبل أكثر من عام مضى مظهرة فرحة العراقيين الكبرى، قد أدت لمتغيرات إستراتيجية هائلة، إلا أن بعض العرب ومن جماهير المحبطين يبدو أن لهم تصورات أخرى حاقدة يحاولون تغليفها بأساليب الخبث المعروفة في التباكي على العراق والعراقيين ووصف الحالة التي أعقبت سقوط وتهاوي البعث بالعبث !! وهو تذاكي يثير السخرية والغثيان، خصوصا وأنه يضرب على أوتار ونغمات نشاز تحاول التقليل من قيمة النصر الشعبي الكبير الذي تحقق بالمعونة المباشرة من قوى الحرية، ويحاولون ربط جميع المتغيرات بالعجلة الإسرائيلية!! وهو كلام إنتهازي وتبريري ومزايد يحاول خلط الأوراق ليعمم نظرية: رمتني بدائها وإنسلت !، وأعتقد أنه من نافلة القول التأكيد على أن سقوط صدام البائد وبعثه النافق هو من العوامل التي تثير قلق الجانب الإسرائيلي أكثر مما تثير فرحه وحبوره!، لأن الأطروحة التي إعتمد عليها الإسرائيليون ولازالوا هي وجود الأنظمة الدكتاتورية التي تستطيع عرقلة طاقات الشعوب وإمكاناتها الخلاقة عبر تعطيل آلية التطور الفكري والسياسي والإقتصادي، والعراقيون ليسوا من السذاجة لينخرطوا بمشاريع معادية للأمة العربية أو لمصالح الشعب الفلسطيني وحقه الكامل والصريح في تقرير مصيره وقيام دولته الوطنية المستقلة ووفقا للرؤى التي يرتضيها الفلسطينيون دون تدخل ولاوصاية من أي طرف عربي، كما أن العراقيين الأحرار لايزايدون على الفلسطينيين، ولن يخرقوا الروابط الكفاحية والتاريخية والقومية التي تجمع الشعبين بصرف النظر عن أية مواقف سابقة، وعتب العراقيين ليس على الشعب الفلسطيني المجاهد الحر الباحث عن ذاته ورؤاه وحق تقرير مصيره الذي تكفله كل الشرائع الأرضية والسماوية بل على تلكم العناصر التي إرتضت أن تكون أبواقا مأجورة لنظام إرهابي مجرم ومشبوه، وهي عناصر متساقطة لاتعبر عن الضمير الفلسطيني ويقينا فإن حالة التشنج والشد العصبي القائمة حاليا ستتغير نحو إرساء فهم مشترك ومصلحي بين جميع الأطراف والعراق الحر الجديد لايمكن أن يكون شوكة للنضال الفلسطيني بل سيكون عونا حقيقيا وفاعلا لإرساء سلم إقليمي وبناء نهضة تنموية تحتاجها شعوبنا العربية لتتؤام مع تحديات التكتلات الدولية العملاقة، ونظام البعث الصدامي كان خارج كل سياقات العصر وسقوطه يمثل خروجا واضحا على سياسة العبث التي ميزت السياسة العراقية وعطلتها لأكثر من ثلاثة عقود وأدت في النتيجة والمحصلة لتدمير العراق كميا ونوعيا، وماشسيادة الإرهاب الأسود القائم حاليا إلا حالة إرتدادية واضحة لمخطط التقسيم والتدمير الذي كان البعثيون يقودون العراق والعالم العربي نحوه بإقتدار وشيطنة! ألم يتعهد صدام البائد في عام 1979 وعند بداية هيمنته وإنفراده بالسلطة بعد حفلة إعدام رفاق المسيرة البعثية بأنه ( سيجعل من العراق أرضا بدون شعب فيما لو فكر أحدهم بإسقاط نظامه)!! وهاهو التعهد الإرهابي من قائد دولة ( المنظمة السرية) يخرج لحيز التنفيذ من بقايا عصابات القتل والخطف والإرهاب الطائفية والأصولية المسعورة ونفايات البعث النافق.

لقد كانت إسرائيل هي المستفيد الأكبر من حكم البعث العراقي الذي عطل طاقات العراق، وخرب التوازن الإقليمي، وأخترع أعداء للأمة العربية كانوا في صف الأصدقاء، ومزق التضامن العربي وحطم كل صيغة ممكنة للأمن القومي، وساهم في تكسيح الأمة وهدر طاقاتها، ومكن إسرائيل من التمدد الإقليمي لتجتاح بيروت عام 1982 في عز إشتعال نيران حرب صدام المجنونة ضد إيران رغم أن بعض المرتزقة المنتحلين لهوية النضال الفلسطيني من البعثيين كانوا ينشدون:

ياطفل زين القوس... سلم على القسطل؟!

وعبث البعث العراقي بالأمن الإقليمي يحتاج لمجلدات طويلة، ولكنها ممارسات معروفة، وأساليب الرشوة القومية التي لجأ إليها النظام البعثي الصدامي في أخريات أيامه لشراء المواقف عبر عصابة جبهة التحرير العربية أو بقية جبهات الإرتزاق معروفة دوافعها وأهدافها؟ فمن لايهتم بجوعى شعبه لن يكون حريصا على الآخرين؟ ولقد كان صدام يكرر دائما أكذوبة بأنه يتقاسم كسرة الخبز مع الفلسطينيين!!! وهي أكذوبة معروفة وبائسة، فمليارات العراق المسروقة لم يتقاسمها مع أحد؟ وجرائمه الفظيعة ضد الجنس البشري في العراق عبر المقابر والمجازر الجماعية ستظل شاهد تاريخي على مواقف من ساند النظام وأيده من العرب العاربة والمستعربة والباقية والبائدة أو التي ستباد...! ويطول الحديث ويتشعب في هذه النقطة...

ولكن ومع تخلص العراقيين من العبث البعثي ماذا عن التركة العفلقية المرمية في شوارع بغداد من تماثيل وأنصاب وأصنام للقائد المؤسس للبعث ( أحمد ميشيل عفلق ) كما يقولون؟ فبعد تدمير أصنامه أسوة بهبل البعث صدام البائد؟ هل سيبعد النظام العراقي الجديد هذه الأصنام لتنصب في حي الميدان الدمشقي حيث مسقط رأس عفلق؟ وماذا عن قبره وضريحه الذي إعتمده البعثيون مزارا مقدسا؟ وكيف يتم التصرف به؟ وماذا عن القيادة القومية للحزب والتي ضمت لصوص النظام ومرتزقته من العرب؟ هل ستحول لمتحف يضم ديناصورات البعث وصورهم؟ أم ستحول لمؤسسة إنتاجية تنفع الناس؟ في وطن بات الخراب الشامل فيه منظرا إعتياديا؟

تركة العفالقة ثقيلة وليست خفيفة وينبغي تصفيتها قبل المباشرة ببناء العراق الحر النظيف الجديد والأهم من كل شيء هي تلكم التركة الثقيلة من التشويه الفكري والسياسي والأخلاقي والذي طبع البعث بصماته عليه في عقول أجيال ومساحات واسعة من العراقيين؟ فالبعث بكل تشوهاته الخلقية والأخلاقية لم يزل للأسف حاضرا في الصورة العامة وقيام البعثيين بتجديد بعض خلاياهم المخربة وتنشيطها نذير شؤم مقلق؟ فلاينبغي للأفعى الرقطاء أن تعاود نموها وتمددها ولابد أن يتبع رأسها الذنبا في القطع والإستئصال... فلاحرية لأعداء الحرية. فالبعث أضحى من نفايات التاريخ!.


[email protected]