من هبات التاسع من نيسان الماضي هي تحويل المخصين إلى رجال فحول يتسطيعون التهجم على الحكومة ورئيسها دون خوف او وجل. دون الخوف من قطع اللسان او الاطراف على احسن الاحوال وفي غيرها طلقة في الرأس يدفع ثمنها اهل المغدور به. فمنذ وصول زمرة صدام حسين إلى السلطة قبل خمسة وثلاثين عاما تحولت المساجد إلى دور تسبح بحمد القائد "الضرورة" ونعمه.

وخطب شيوخها في الجمع والاعياد لا تتعدى غير ذلك بالإضافة إلى الدعاء على اعداء النظام بالموت والثبور ومصائب الامور. بدأ النظام بعد انقلاب 68 بتاسيس منظمة " حنين " السرية التي قادها صدام حسين إلى تحويل المساجد لدور عمالة للنظام وازلامه والغاء دورها التعبدي ونشر المعرفة كما كانت منذ ولادتها الاولى. فقصة المدرس الذي اعدم في نهاية ستينات القرن الماضي لا زال يتذكرها الكثير من سكان الكرادة الشرقية.

اعدم لانه قام بتقديم دروس تقوية لطلابه بعد الدوام في احد جوامع المنطقة. وقد نسي خطباء الجمعة في تلك العقود اغتيال رجال الدين السنة والشيعة على يد ازلام النظام كالشيخ الدوري والامام الصدر الاول والثاني والعشرات من علماء العراق ومفكريه وكذلك دفن الناس احياء او خنقهم بالاسلحة الكمياوية وتغيب مئات الالوف في المقابر الجماعية، لانهم كانوا مخصين من قبل النظام، ماتت رجولتهم في عهده.

فليس خطيب جامع ابن تيمية (ام الطبول سابقا) ولا خطيب جامع في مدينة الثورة( مدينة الصدر حاليا) كان يجرأ ان ينتقد النظام او يطالب بالامن للعراقيات من الأغتصاب على ايدي اجهزة النظام او المطالبة بزيادة مدة وصول التيار الكهربائي او كمية المياه وغيرها التي كانت مشاكلها متفاقمة ايام السلطة البعثفاشية الساقطة، اكثر منها الآن بعد التحرر من جورها.

ولم يجرأ خطيب جامع ابن تيمية او جوامع الفلوجة والرمادي ان يرفعوا اصواتهم منتقدين على ازالة مدينة الدجيل بالكامل لتصديها لصدام حسين، او اغتيال ضباط في الجيش العراقي من مدينة الرمادي او تغيب الكثير من رجالات سامراء وغيرها من المدن.

ولم يجرأ صوت من خطباء تلك المساجد من اتهام صدام حسين بالعمالة للاجانب التي مارسها بحق على افضل ما يكون لعقود من الزمان، ولكنهم يتهمون اياد علاوي وأعضاء حكومته بذلك. ان الفرق بين العراق الجديد والبائد كالفرق بين السماء والارض، فحكومة اياد علاوي تصرح بانها تتفهم الانتقاد ولا يضيرها ذلك ما دام لا يدعو للعنف واستخدام السلاح، اما عهد الجور والقهر في ظل الزمرة الباغية السابقة فليس هناك تصريح، وانما تنفيذ حكم الاعدام دون محاكمة. اليست القوانين العراقية الصدامية تسمح للعراقي بسب الخالق وكل المقدسات ولكن يحكم بالاعدام من يتفوه بكلمة واحدة ضد واحد من افراد العائلة الحاكمة السابقة ؟ اليست نكتة عابرة مست شخص "فأر العوجة" او احد ابنائه كانت نتيجتها قطع اللسان ؟ أن من افضال العراق الجديد الكثيرة تحويل المخصين إلى فحول ناطقة صارخة منتقدة دون خوف، ليس فقط على صفحات الجرائد وإنما أيضا في المساجد والحسينيات.

فقد كتب عبدالرحمن الماجدي لإيلاف من بغداد : هناك جريدة عمالية شهرية خصصت نصفها الاخر لمقاله عن الرئيس العراقي غازي الياور مليئة بالتخوين والعنصرية والسباب له ولرئيس الوزراء اياد علاوي وهوشيار زيباري وزير الخارجية الذي وصفه بالايراني وعلاوي بالعميبل المخابراتي والياور بالغلام السعودي. دون ان يمنع احد تلك الجريدة التي يشترك حزب سعدي يوسف في الحكومة التي يشتمها بأكثر من مقعد وزاري. فخطب الجمعة سوف لن تعيد عقارب الساعة إلى الوراء مهما اجتهد ملقيها.


[email protected]