على الرغم من ان الامم المتحدة، ولحد الآن وبعد الكثير من المؤتمرات واللقاءات لم تستطع ان تعرف الإرهاب، لكنه يبقى الخطر الاكبر الذي يهدد المجتمعات الإنسانية المختلفة، كما يهدد المنجزات الحضارية التي حصلت عليها البشرية خلال تاريخها والمتمثلة في الحرية بكل انواعها وديمقراطية الانظمة السياسية الحاكمة او المطالبة بها. ويتصدر الارهاب العالمي الآن الجماعات الإسلاموية، ولربما هي الوحيدة التي تقف على رأس اعداء الفكر المتحرر الحداثي واستقرار الامن العربي والإسلامي، لانها تعيش بعقول الماضي في اجساد حاضرة لا قيمة لها يمكن ان تفجر وتقتل الآخرين. ان منابع الارهاب في شقيها الفكري والمادي الموضوعة على طاولة النقاش العربي ـ الإسلامي وكذلك الدولي تدور في العالم الماضوي دون ان تتطرق إلى الحاضر او تضع استراتيجية للمستقبل من اجل تجفيف منابعه الفكرية والمادية . فالارهابين لا يمكنهم العيش دون بيئة مساعدة ودعم لوجستي ومادي يغذيهم . ان تصاعد الإعمال الارهابية في اكثر من مكان، ليس فقط لمسببات سياسية مثل الصراع العربي الاسرائيلي، وما ارتكبته السياسه الامريكيه بعد الاحتلال السوفيتي لافغانستان حيث جعلتها تحتضن النموذج الاصولي السني متمثلا بالوهابيه , المرتع الخصب للفكر السلفي المتعصب مستخدمة اياه في حرب السوفييت في افغانستان او للوقوف ايدلوجيا امام المد الشيعي بعد الثورة الإيرانية، المعادي لكلا الجانبين السوفيتي والغربي حينها، كما ينظر البعض، وانما هو إنتاج ثقافة مدونة تدعو له وتستند على تاويلات وفكر القرون الوسطى وتفسير خاطئ لنصوص قرآنية، تساعدها منابر كثيرة ترفع راية ذلك، ولازالت تجد الاعذار لمنفذي اعمال ذبح الناس وتفجير الاجساد. ان ما يجري الآن في المملكة العربية السعودية مثال لتفقيس بيض الفكر المتزمت في رفع السلاح وتحليل قتل الناس بعد أن حرم الله ذلك. تعتمد جماعات الإرهاب الإسلاموي على فتوى ابن تيمية في قتال كل فئة تمتنع عن أداء شريعة ظاهرة متواترة من شرائع الإسلام, كالصلاة أو الزكاة أو الحكم بما أنزل الله في الدماء والأموال والأعراض، أو الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، إلى آخرة. فجماعة الجهاد في كتاب "الفريضة الغالية" اتخذته مصدرا تشريعيا لاعمالها الإرهابية، وجعل هذه الفتوى، الأساس النظري لقيامها بقتل الناس، وتسويغ كافة أعمالها الإرهابية. ان الارهاب الإسلاموي عندما ابتدأ في مصر بإلقاء العبوات الناسفة على المدنيين وسيارات الشرطة والاهداف السياحية فى العديد من المناطق كان هدفه انزال اصابات جسيمة كوسيلة للضغط على الحكومة ومحاولة اظهار اجهزة الامن فيها فى موقف عاجز عن تحقيق الامان والاستقرار. وفى هذا الاطار نفسه درجت الجماعات الارهابية المتطرفة على تنفيذ عمليات بالغة الخطورة والعنف أبرزها اطلاق الرصاص العشوائى، بهدف إلحاق اكبر قدر ممكن من الخسائر بمصالح الدولة وأجهزتها، وارتبط هذا الأسلوب تحديداً بمحاولة تلك الجماعات ضرب حركة السياحة فى مصر، لاسيما فى صعيد مصر، بهدف تبديد مورد أساسي من موارد الدخل القومى، وهو الأسلوب الذى وصل الى ذروته فى مذبحة الأقصر الارهابية فى 17 تشرين ثاني/نوفمبر 1997، والتى راح ضحيتها 75 سائحا وستة مصريين. وقد نقلت وسائل الإعلام اسلوب يطبق نفس النهج من الرياض بما قامت به الجماعات الإرهابية. يرى هؤلاء الإرهابين بأن العاملين من الدول الغربية الذين يدخلون بلاد المسلمين بتأشيرات رسمية وقانونية، وكما يسميهم القرضاوي "مستأمنين" ولو كانت دولهم محاربة للمسلمين، يرون في هؤلاء مستباحي الدم لأنهم لم يأخذوا الإذن من دولة شرعية، ولأن بلادهم نفسها "محاربة للإسلام" فلا عهد بينهم وبين المسلمين. والواجب أن يقاتل هؤلاء ويقتلوا، فلا عصمة لدمائهم وأموالهم. و عن الدول الغربية التي يقيم فيها هؤلاء القتلة، بعد ان أعطتهم الأمان واللجوء السياسي بعد أن طردوا من بلادهم او هربوا منها فآوتهم من التشرد وأطعمتهم من جوع وآمنتهم من خوف فهي دول كافرة "محاربة للإسلام وأمته " وبالتالي يجب أن يقاتلوها جميعا حتى يُسلموا فيسلموا، أو يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون. وهؤلاء الكفار دماؤهم حلال، وأموالهم حلال للمسلمين بنصوص الدين. وافتى الكثير منهم باغتصاب الاوربيات لانهن سبايا حسب الشرع.ولما سئل بعضهم عن إقامته في البلدان الإوربية من الناحية الشرعية وتمتعهم بما تقدمه لهم من معونات اجتماعية وامان، قالوا :" إنها كدورة المياه نستخدمها للضرورة، رغم نجاستها" (من حديث للشيخ القرضاوي). ليس غريبا ان تنطلق رصاصات الإرهاب الأولى في مصر، حيث فرخت جماعة الأخوان المسلمين في بلد المنشأ جماعات مثل الجهاد، الجماعة الإسلامية، السلفية الجهادية، جماعة أنصار الإسلام وتنظيم القاعدة. ان فلسفة وفقه الجماعات الإرهابية تسنده بالأدلة من القرآن والسنه، ومن أقوال بعض العلماء. وقد بدأت تلك الجماعات إرهابها في داخل أوطانها، أي العنف ضد الأنظمة الحاكمة. وهل اصبحت جماعة الاخوان عقيمة من انجاب اطفال مشوهين ؟ طبعا لا فان رسالة مرشد الجماعة الاخيرة التي يدعو فيها للجهاد في العراق وفي افغانستان وفي فلسطين مثال لذلك. فهو يريد الجهاد من اجل إعادة حكم طالبان ونقل صورته إلى العراق وبذلك يؤكد ان ماكنة الاخصاب للإرهاب الديني مستمرة من نفس الرحم.
أن الحرب الدولية للتصدي لسرطان القاعدة وتشخيص مرضها المعدي ووضع العلاج الناجع له في أي مكان من العالم لتخليص الدين الإسلامي والعرب والمسلمين من اثاره لا بد ان تاخذ زخما اكثر قوة من اجل اقتلاع جذوره من الارض والفكر في العالم اجمع. في مقال تركي دخيل في إيلاف ليوم الواحد والثلاثين من تموز:" كيف يمكن ان تقع عليك كلمة يقذف بها غربي في برنامج وثائقي يبث في قناة اجنبية يقول فيها:" بالتأكيد ليس كل مسلم إرهابي، لكن حتى الآن يبدو كل ارهابي مسلماً"؟
أي تشويه يحمله ارهابيونا لأمتنا؟! لعل رأس الرهينة الأميركي بول جونسون الذي حفظه ارهابيوا الرياض عيسى العوشن وجماعته في ثلاجتهم التي كان اطفال صالح العوفي يسرحون حولها ويترددون عليها، ابرز دليل على التشويه الذي يحمله هؤلاء لحضارتنا وقيمنا، ان كانوا حريصين عليها ". في حديث صحفي للامير تركي الفيصل، السفير السعودي في المملكة المتحدة يقول فيه : "بعض الغربيين ينظرون الى المسلمين إما كجهاديين متطوعين للشهادة، يربطون احزمة الديناميت بأجسامهم، ويبحثون عن فرصة لهجمات انتحارية، والبعض الآخر ينظر الى المسلمين كمنافقين فاسدين يمسكون بالسبحة بيد وكأس من الشمبانيا بيد اخرى، يجلسون فوق بئر نفط تحيط بهم الفتيات الشقراوات المنحلات" وانا اجيب الامير، ان ما قيل فينا كعرب ومسلمين، جزء غير قليل من الحقيقة، فعلينا ان نعمل لكي نثبت عكسه . قال "رانستروب" ان القاعدة اصبحت مثل الشبح الذي يخرج من رواية روبرت كابلان الفوضي القادمة، وتقوم باستخدام الجيل الرابع من الحروب وذلك لتدمير اعدائها، "الدول الوطنية". وهذه الاساليب اعقد من الاساليب التي تستخدم في الحروب التقليدية. ان القاعدة استطاعت تجاوز كل الاساليب الدفاعية.
ان جاذبية التضحية، من اجل الاسراع للدخول إلى الجنة وتملك الحور العين السبعين، عند افرادها لا تنفع معه اي اجراءات حماية او دفاعية، كما قال احدهم. وهل يمكن الاستسلام إذا نتيجة ذلك ؟ طبعا لا. انه عمل جماعي بين الحكومات والافراد لتجفيف منابع الدعم الفكري والمالي للتنظيمات الإرهابية بكل اسمائها واماكن تواجدها، ومنع تدفق السلاح المهرب للمتعاطفين معها. ان تجفيف المنابع المالية للقاعدة سيؤثر بالتأكيد علي خطواتها التي بدأتها لمواجهة العائلة الحاكمة في السعودية مثلا، وهي الخطوات التي بدأت في هجمات الرياض في ايار /مايو/ العام الماضي، بعد ان اعتبر بن لادن، ان السعودية جاهزة للثورة. ان الكثير من الجماعات والافراد المرتبطين بالقاعدة او المنظمات الإرهابية ذات التسميات المختلفة المرتبطين بها يعتمدون في تمويل عملياتهم علي الجريمة، فالحاجة تستدعي التعاون علي رصد علاقاتها مع شبكات الجريمة العاملة في الغرب، مثل جرائم سرقة الجوازات، وسرقة بطاقات الائتمان والتزوير المالي. ان التعاون الدولي وتنشيط دور الشرطة الدولية "الانتربول" وتقديم كافة المعلومات عن جرائم التزوير وسرقة الجوازات للدول الاخرى فيه مساعدة كيبرة، خاصة للدول التي بدأت بناء اجهزتها الامنية من جديد كالعراق. وفي بعض الاحيان تقوم القاعدة والتنظيمات التابعة لها بتمويل عملياتها من خلال عمليات تجارية شرعية ولكنها تستخدم اموالا مزورة، مثل التجارة وهذه النشاطات لا تتوافق مع التقارير التي تقول ان القاعدة تعتمد بالضرورة على الاموال التي تتبرع بها الجمعيات الخيرية والمحسنون. ان العراق يشهد بالتوازي مع الاعمال الارهابية تهريب المخدرات بكل انواعها من إيران إلى مدنه مما يدل على ان الجماعات الإرهابية القادمة من خلف الحدود، إيرانية كانت او من الجماعات المرتبطة بالقاعدة تمول انشطتها من ذلك، فعلى أي أساس بررت ذلك وأجازته، من الوجهة الشرعية ؟ ان مصادر الارهاب الفكري لا يقل خطر عن المادي،فإن بعض المؤسسات الخيرية، و علماء و رجال دين، وكتَاب، و إعلاميين، و فضائيات، و ممولين لهذه الفضائيات من أثرياء عرب، هم الذين يتحملون مسؤولية،مباشرة عن موت، و قتل مئات من الضحايا الأبرياء في العراق وفي السعودية، كما كان الحال في المغرب او اسبانيا. لأنهم، كانوا، وما زالوا يروجون كل حسب موقعه، و موقفه، لثقافة التحريض على القتل والإرهاب وبذلك هم جزء من مصادر تمويله. ففي يوم الثالث عشر من حزيران الماضي، وعلى قناة الجزيرة الفضائيه ظهر الداعية التكفيري محسن العواجي بتصريح علني يدعوا لممارسة القتل والارهاب في العراق، حيث قال بالنص بأن على كل من يدعي الجهاد في المملكه العربيه السعوديه ان يذهب ليمارس الجهاد في مواطنه في افغانستان وفلسطين والعراق. حيث ان الامريكي الساكن في المملكه هو مستأمن ولا يجوز قتله حسب تعاليم الاسلام، ولكن الامريكي في الخارج غير مستأمن حسب قوله. فهل هناك دليل اوضح على دور الإعلام في الدعوة للارهاب والتكفير والقتل في العراق والترويج له ؟ وقضية اختطاف المواطن السعودي "سعيدان سعدون " عندما عرضت قناة الجزيرة القطرية شريط اختطافه في الخامس من حزيران، في الوقت الذي كان ذلك الشريط مصور بالاتفاق مع الإرهابين المختطفين والقناة التلفزيونية نفسها. ليست حادثة المواطن السعودي وحده التي تشير إلى تعاون واضح بين وسائل الإعلام العربية والجماعات الإرهابية التي تعطيها الهالة في نشر اخبارها وانما اصبحت الجزيرة والعربية قنوات الملثمين وما تعرضاناه من شرائط يقدمها لهم الإرهابيون او تساهم كلا القناتين معهم، عملية تدعو للاشمئزاز، لان الإعلام العربي لا يعرف كيف يوجه امكانياته في خدمة قضايا مصيرية اكثر اهمية من القاء الضوء على مجموعة مجرمين محترفين في عمليات الخطف او قتل الناس او تفجير الاجساد. ففي الوقت الذي يصدر مفتي المملكة العربية السعودية فتواه داعيا عدم الرأفة بالإرهابين بعد ان فجر احدهم وادى بحياة خمسة أشخاص وجرح 158 آخرين داعيا المسلمين إلى " الضرب بيد من حديد على أيدي الفئة الضالة ولا تأخذهم فيهم رحمه لأنهم مفسدون"، هناك قوى ظاهرة على السطح في السعودية تنفى علاقاتها بالقاعدة ظاهريا، وان تكن لا تخفي تعاطفها معها في الباطن دعت بعد قتل المقرن من قبل قوات الامن لنقل عملياتها إلى العراق على اعتبار أن أرضه ارض المعركة الحقيقية وعلى "القاعديين" الانتقال إليه لشعبية المعركة ضد الغرب، ومن ثم استقطاب جاذبيتها للرأى العام المحلى والعربى سواء بسواء. جاء في مقال لكاتب سعودي في إيلاف في الثالث من شهر ايار/مايو الماضي تحت عنوان " أطفال سعوديون إنتحاريون في العراق" جاء فيه : "الكثير من الشباب السعودي المراهق يتواجدون الآن في العراق وهم منخرطين في التنظيمات الإرهابية المنتشرة هناك. تواجدهم الكثيف لا بد وانه تم عبر شبكات تنظيمية مجهزة ودقيقة توصلهم بعناية من قراهم النائية في حائل والقصيم وابها إلى الفلوجة والرمادي والأعظمية. هذا يشير إلى أن خطوط توصيلهم بهذة الوفرة والتدفق غير المنقطع هي خطوط معدة وراسخة ومثبتة بالعديد من نقاط الإرتكاز المتينة. مؤكد أن محطة الإنطلاق الأولى التي تغذي هذة الخطوط موجودة هنا في السعودية. هذة المحطة يشيدها خطباء المساجد المتطرفون والذين لا يكفون عن ترديد خطب تحريضية وتجيشية تأمر الشباب بشكل مضمر وعلني إلى التوجه هناك وتحميلهم مسؤولية المحافظة على شرف النساء العراقيات المسلمات. يتكثف هذا الأمر في اللقاءات والمحاضرات الخاصة وحلقات المساجد والمخيمات الدعوية وتجمعات المنازل، حيث يحقن الشاب المراهق بحقن كثيفة ومتتابعة من المحرضات والمهيجات ويتم تشكيل الرغبة لديهم في الذهاب للجهاد في سبيل الله وقطع رقاب الكفار. قائلين : أنت لديك رغبة صادقة عظيمة ونبيلة ونحن نملك السبل التي تحققها، هيا امضي ". قال وزير الشؤون الإسلامية السعودي عن هؤلاء الدعاة وخطباء المساجد بانهم يحرضون الشباب على القتال وهم لم يغادروا بلدانهم، ولا يسمحون لاولادهم بالشئ نفسه، فالشيخ القرضاوي، كان من اكثر الدعاة إلى الحرب والموجهة، لكنه ظل يعيش في قطر في بيت مكيف. وبمناسبة الحديث عن الشيخ القرضاوي، منظر الجماعات الإسلاموية، كتب عبدالرحمن الراشد في الشرق الأوسط عما قاله القرضاوي :" اليهود كطائفة ظلمهم واضح بيِّن، يعني ممكن الغرب أقول لك في بعضهم ظالم وبعضهم غير ظالم وممكن ولكن الظلم الواقع من اليهود ظلم كبير وظلم عظيم وظلم لا نظير له وظلم مكشوف. ولذلك أنا حينما عُرِض اقتراح أن يكون اليهود محاورين في اللقاء المقبل رفضت هذا، قلت لا، لا نحاور هؤلاء وأيديهم ملوثة بدمائنا ". فالقرضاوي يشيد بما ذهب إليه ابن لادن في احدث احاديثه :"وإن كنت لاحظت نوعا من التطور في "فقه القاعدة" ظهر في المبادرة الأخيرة التي أطلقها زعيم القاعدة أسامه بن لادن في شهر إبريل 2004 م يدعوا فيها الأوروبيين أن يتعهدوا بالتخلي عن أمريكا وعدم التصدي لقتال المسلمين وهو يعهد لهم في مقابل ذلك ألا يتعرض لهم بأذى لا في بلادهم ولا في سفاراتهم ولا في مصالحهم في الداخل أو الخارج. وهذا يعتبر نقله مهمة في " فقه" زعيم القاعدة وجماعته، فقد كانوا من قبل يرون قتال اليهود و النصارى جميعا حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون، وهم في هذه المبادرة يكفون أيديهم عمن كف يده عن المسلمين, ولم يساند أمريكا في حربها على العالم الإسلامي ". وينظر الشيخ القرضاوي في احد احاديثه عن الأساليب التي تستخدمها الجماعات الإرهابية للرد على الحكومات والتي يسميها جماعات العنف :" ولما كانت هذه الجماعات لا تملك القوة العسكرية المكافئة أو المقاربة لقوة الحكومات, فقد اتخذت أساليب في المصادمه تتفق مع إمكاناتها. منها أسلوب الإغتيال ومنها أسلوب التخريب للمنشآت الحكومية. وهذان الأسلوبان يصحبهما في الغالب إصابة مدنيين براء، ليس لهم في الثورة ولا في الطحين، كما يقول المثل, ففيهم أطفال ونساء وشيوخ وكثيرا ما ينجو المقصود بالإغتيال في حين يقتل عدد من المدنيين غير المقصودين". وعلى الرغم من معرفته ذلك لم نسمع انه ادان الاعمال الإرهابية التي يذهب ضحيتها مئات العراقيين الابرياء كل يوم.
جاء في مقالة في إيلاف بتأريخ 31 تموز تحت عنوان " وعاضنا بين التخدير والتثوير" : إن الدارس للفكر الذي يطرحه الوعاظ حالياً سيخلص في دراسته أنهم ينقسمون إلى قسمين رئيسيين: أولهما ( الوعاظ التخديريون)، وا ( الوعاظ التحريضيون). في القسم الأول، يركز الواعظ في مواعظه على الآخرة في تطرف لا ينسجم مع الهدي الرباني، وبشكل يؤدي بالإنسان إلى نسيان الدنيا تماماً في سبيل البحث عن راحة الآخرة، وبهذا ينتج جيل مخدر، يعيش على فتات الحضارة ولايساهم في بناءها.
وفي القسم الثاني، يركز الواعظ على تحريض السامعين في أن يغيروا واقع الدنيا لصالح الآخرة، و بشكل ينطبق عليه واقع المقولة: كلمة حق يراد بها باطل، فهو لايحرضهم على بناء الحضارة، ولكنه يحثهم على هدمها، ويصور لهم بأن طريق الجنة لا يكون إلا بافتراش جماجم أبناء الملل الأخرى، كما أن لابد من تزيين الطريق بجماجم المنافقين المندسين من أبناء ملتنا، حتى يضمن الإنسان مقعده في الفردوس الأعلى. إن كثرة القسم الثاني من الوعاظ في بلادنا أمر مشاهد، ومحسوس، كثيرون منهم يرتقون على المنابر في الجمع، ويشكلون عقل التلاميذ في المدارس، ويشرفون على أبناءنا في المراكز. من الأمثلة الواضحة على ذلك، ماثبت من كون عيسى العوشن - أحد المطلوبين الأمنيين الذين قتلوا في مواجهة حي الملك فهد – مشرفاً ولسنوات عديدة في المراكز الصيفية، لقد أقر بهذا في رسالة مفتوحة وجهها لشباب المراكز، بحجة إعلاء راية الجهاد موضحا طبيعة الفكر الذي يدرس في تلك المراكز، فذكرهم بما درسوه فيها بخصوص أن من أطاع أولياء الأمور في تحريم ما أحل الله أو تحليل ما حرمه فإنه قد اتخذهم أربابا. ومن هنا كانت الطامة في حقيقة أن العوشن كان يدرس منهجه الفاسد لأبناءنا الذين أشرف عليهم في تلك المراكز، كما أوضح العوشن في رسالته هذه، طبيعة الخطاب التعبوي الذي ينتهج في هذه المراكز، فذكر من درس فيها على سبيل المثال بالأناشيد الحماسية التي كانوا ينشدونها، والتي فيها دعوة للعنف والمواجهة المسلحة ". فقد جاء في بيان الجماعة السلفية للدعوة في الجزائر في الرابع عشر من حزيران الماضي :" و القتال تقرر في هذه الظروف الصعبة التي تمر بها الأمة المسلمة عموما، و المجاهدون خصوصا إعلان حربها على كل ما هو أجنبي كافر داخل الحدود الجزائرية سواء فيما يتعلق بالأفراد و المصالح و المنشآت، قياما بواجب نصرة الإسلام و المسلمين دفاعا عن نفسها و عن إخوانها اعداء اليهود و الصليبيين و سائر الكافرين، كما تعلن أنّها ليست ملزمة بأي عقد يبرم مع نظام الجزائر المرتد.. " و سيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون " الشعراء 227 ". اما في العراق فالشيخ مهدي الصميدعي " جامع ام الطبول " بعد ان تحول إلى "جامع ابن تيمية " وغيره من شيوخ الفلوجة نماذج بارزة للإتجاه التكفيري في العراق، فهم يمثلون خطا بين سنّة العراق قائمًا على تكفير الشيعة واتهامهم بـ" التعاون مع الإحتلال "، ولا يترددون عن تبرير عمليات اغتيال الشرطة العراقية والمترجمين العاملين مع سلطة التحالف، مؤكدين في تصريحات مصورة ان " عناصر الشرطة العراقية والمترجمين عيونًا للمحتل،ومن حق "المقاومة" الإقتصاص منهم ". ان العراق كان بلد التعايش والتسامح الديني ولكن الفكر التكفيري الذي حل به عن طريق الجماعات الإرهابية التي بدأت الاعتداء على المسيحيين العراقيين والصابئة المندائين في عيشهم ورزقهم تستند على ما ينظره الوعاظ من أن " هذه المنكرات الظاهرة السافرة التي تبيحها هذه الحكومات من الخمر و الميسر والزنى والخلاعة والمجون والربا وسائر المحظورات الشرعية يجب أن تغير بالقوة لمن يملك القوة، وهي ترى أنها تملكها فلا يسقط الوجوب عنها إلى التغيير باللسان بدل اليد.كما في الحديث (من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه وهذا اضعف الإيمان)، مخلفين القرآن ونصوصه ورائهم، التي تحرم عليهم ذلك.
كما ان الكثير من المراجع الدينية الرسمية وغير الرسمية في اكثر من مكان تتفاوت مواقفها، بين التوقف والإحجام عن إصدار فتوى صريحة، أو إصدار فتاوى عامة بعيدة عن التخصيص وبين التصريح بفتاوى متضاربة عن موضوع "الجهاد" في العراق مثلا. فيرى البعض في الإعمال الإرهابية "جهاد" في قتال قوات التحالف، بينما يكتفي البعض الآخر بوصفه ب "المقاومة" ويذهب البعض الآخر، بخجل، إلى أنها أعمال محرمة تزعزع الأمن وتقتل الكثير من الأبرياء دون إدانة واضحة.
ان القضاء على الإرهاب يبدأ في تجفيف منابعه المادية والفكرية، إن اريد فعلا ان تعيش الأمتين العربية والإسلامية بسلام وامن وتحقق لاجيالها الرفاهية التي تستحقوها، كما فعلت اوربا عندما فصلت الدين عن السياسة (الدولة). ان الحرب على الإرهاب مسؤولية الشعوب بجميع قواها الوطنية، بمفكريها وعلمائها وفنانيها، سياسيها ورجال حكوماتها، وفي الانتصار فيه نصر للشعوب في الدرجة الاولى. جاء في مقال كتبه الأمير السفير بندر بن سلطان في صحيفة "الوطن" السعودية :" الانتصار على طغمة الإرهاب ضد المملكة وضد كل البشرية هو انتصار لمبادئ الحق الإلهي وشريعته السمحة". وانا اضيف لقوله :" ان الانتصار على الإرهاب في العراق هو القاعدة لذلك الانتصار، وهذا ما سيحدث ".
[email protected]