هل يمكن ان نسمي المؤتمر الوطني القادم مؤتمرا وطنيا، أي "لم الشمل"، جمع افراد العائلة الواحدة المتفرقين لضرف ما؟ أن نجاح المؤتمر في تحقيق طفرة نوعية في العلاقات بين العراقيين بكافة اتجاهاتهم السياسية وتنظيماتهم المهنية يحتاج إلى اعداد جيد وضروف ملائمة وقيادة وطنية مخلصة وإلا سوف لن يكون "لمٌ للشمل " وإنما ضحك على اهل من يريد "لمٌ شملهم ". ان العراق بعد 35 عاما من الحكم التعسفي للحزب الواحد والقائد الواحد، وما رافقه من تهجير طليعة وطنية عراقية إلى ارجاء العالم الاربعة. وإذا قيل بدون مبالغة لم يعد مكان في الارض إلا وفيه عراقي، او عظام عراقية او لحم عراقي اكلته الحيتان. ودون مبالغة أيضا تحولت لندن إلى عاصمة عراقية، ولنقل للمعارضة ومن احيائها خرج قادة العراق الحالين واغلب من استوزر او يعمل في الاحزاب وغيرها. وان الندرة القليلة ولربما على عدد اصابع اليد من دخل في تشكلية وزارة او احتل منصبا ساميا او اختير سفيرا من خارج دائرة لندن، حتى الولايات المتحدة، قائدة عملية التحرير والتغير متهمة في انها عينت من يحمل جنسيتها من العراقيين لقيادة العراق الجديد، وفي الحقيقة والواقع انهم الاقلية. هذا لا يعني ان العراقيين في دول الشتات، وحتى خارج لندن لم يكونوا اقل وطنية ونشاط في صفوف المعارضة وانما العكس هو الصحيح، ان الكثيرين من امتطوا صهوة جواد المعارضة في لندن وهم بعيدين عنها وعن العراق كوطن، ودخلوا العراق من ضمن مجموعاتها. ولحسن حظ العراق انه يملك ذلك الرصيد الرائع من مواطنيه في الغربة لانهم الدم الذي يمكن ان يشفي مريض اللويكيميا الذي خلفه نظام المقابر الجماعية. والدليل على ذلك المرض ما تفعله المليشيات المسلحة من اعمال لاعاقة استقرار العراق وتقدمه. وفي الغربة تشكلت تنظيمات ديمقراطية ومنظمات عامة درست اسباب وصول الدكتاتورية وبقائها فترة طويلة وكذلك وضعت يدها على امراض المجتمع العراقي الذي خرجت منه، بغض النظر عن الفترة التي ابتعد فيها اعضائها عنه، وضعوا الحلول لكي تنفذ بعد ان يتحرر وطنهم من الطغمة البعثية. كما انشأت تنظيمات، ولو انها قليلة، مولت من قبل استخبارات الدول المحيطة بالعراق وغذيت بعناصرها ونشطت تحت مسميات دينية او قومية وقع في فخ بعضها وطنيون عراقيون. وبعد التحرير انتشرت ضاهرة الاحزاب كما ينتشر الفقع بعد المطر في الصحراء، حتى وصل عددها إلى اكثر من مائة حزب وتنظيم سياسي. وسرت نكتة ان كل اثنين يحصلون على تمويل من دول الجوار يشكلون حزب. وهكذا تشكلت بمساعدة الدول التي تحاول ان تبقي لها قدم في العراق وتاثر على مستقبله العديد من الاحزاب والمليشيات وغيرها. وليس غريبا ان تكون لإيران عشرات التظيمات والمليشيات المسلحة التي تغذيها بالدين المؤدلج والمال والسلاح، وكذلك لسوريا ولم تبقى إلا جزر الواق واق ليس لها حزبا او مليشيا. ان العراق الجديد يحتاج إلى مؤتمر وطني، مؤتمر يتصالح فيه العراقيون ويبدءوا فيه تخطيط مستقبلهم الحقيقي في بناء وطن ديمقراطي موحد تتمتع فيه جميع قومياته ودياناته، بغض النظر عن كبرها وصغرها بحقوق وواجبات متساوية. مؤتمر يضم الذين يؤمنون بمستقبل العراق الديمقراطي الموحد الخالي من الفكر الشمولي والتعصب القومي والديني وليس مؤتمرا يضم منذ البدء مشاركون حسب مزاج معديه وتمثيل مجموعات لا تمثل إلا نفسها، وحسب تحالفات عشائرية او مصلحية واستبعاد الوطنين العراقيين. ان تشكيلة المؤتمر القادم يراد لها ان تكون كقائمة سفراء العراق التي لا زال الناس في الداخل والخارج تتندر على اسماء اغلبيتها. وكما قال عنها نصير كامل الجادرجي، رئيس الحزب الوطني الديمقراطي، اعرق الاحزاب الديمقراطية العراقية في مذكرته (النص منشور في عراق الغد*) لرئيس الوزراء اياد علاوي في الثالث من آب الجاري :" ان العديد من السادة السفراء يفتقرون الى المستوى المطلوب من المؤهلات الدبلوماسية والثقافية والسياسية التي تعينهم لاداء دورهم كسفراء للعراق بالرغم من توفر أعداد كبيرة من ذوي المؤهلات والمخلصين من بين أفراد المجتمع العراقي". وكما صرح الدكتور ماهر الجبوري أستاذ القانون العام بجامعة بغداد في مقابلة مع إذاعة " سوا " التي جاء فيها :" هذا المؤتمر سيتم بتعيين شخصيات حسب ما ورد في قانون وزارة الدولة وهذا التعيين سيكون بالتوافق مع الأمم المتحدة والقوى السياسية، خلال هذه الفترة تمت إشكالا ت فعلية، وحتى من الناحية القانونية قد يكون هناك ملاحظات، لا بد أن يكون هناك مؤتمر يمثل كل القوى الوطنية ويكون مستقل في قراره بعيدا عن كل الضغوط والإملاءات الأخرى. نحن نأمل إذا كان يراد مؤتمر حقيقي وطني، نأمل أن يكون اختيار أعضاء هذا المؤتمر يقوم على أسس صحيحة وآليات اختيار، وأن لا تنفرد جهة معينة بتعيين أشخاص وبالتالي تستمر المشاكل. كل شعب العراق يطمح إلى إقامة نظام ديمقراطي، يطمح إلى الاستقرار وتحسين الخدمات والمعيشة. نتأمل أن تكون البدايات صحيحة والنتائج في خدمة شعب العراق. وان من يعد لذلك المؤتمر يجب ان يكون اهل في تمثيله للاغلبية العراقية وشخصية لا يشك أي واحد في ولائها للوطن العراقي المرسومة صورته في قلوب العراقين كما هي خارطته في حدودها وتعرجاتها وجبالها ووديانها من اعلى نقطة في شماله إلى آخر واحدة في جنوبه. ان يكون رمز لوحدة الشعب ومنظماته التي عملت على إنهاء الدكتاتورية وليس ان يفرض على اساس التأثير الحزبي والعلاقة الشخصية والعلاقة مع مع دول الجوار. قال السيد غازي الياور، رئيس الجمهورية في حديث للاهرام القاهرية ليوم السبت السابع من آب الجاري : " للاسف الان في العراق هناك أزمة هوية، لقد قسمونا، جاءتنا تقسيمات من الخارج مذاهب وقوميات، وانا اعتقد ان هذا شيء نفتخر به وشيء ايجابي عندما تختلف مشاربنا، ولكن علينا ان نتوحد في الحفاظ على الهوية الوطنية العراقية". أن التأثير الحزبي الذي يمارس اليوم في العراق من قبل السياسيين على اساس المحاصصة والعلاقات الشخصية لم ينطلق من إحساس وطني عراقي مما جعل العراق يذبح وياجج الحقد عليه من الداخل، ويخلق تيارا يترحم على النظام المقبور. لنأخذ مثلا دعوة الاتهام الموجهة ضد صدام حسين ركزت على جوانب دون أخرى واختفت منها عمليات تهجير الأكراد الفيلية وتغيب أبنائهم في السجون الذين بلغ عددهم 18 ألف شاب. نسيان تجفيف الاهوار وتهجير اكثر من عشرين ألف عائلة عربية من أراضيهم وما أحدثته عمليات تجفيف الاهوار من كارثة بيئية ليست في العراق فحسب، وانما على مستوى المنطقة. الاعتداء على المقدسات الإسلامية الشيعية في كربلاء والنجف ورميها بالصواريخ وغيرها الكثير. أن جرائم صدام حسين لم تكن موجهة ضد الأكراد وحدهم، والأسلحة الكيمائية أيضا استخدمت ضد العرب، كما قدم تركمان العراق الكثير من التضحيات والكلدان والآشوريين والصابئة واليزيدين. ولربما ما قدمه الشعب الكردي من تضحيات وما سقط منه من شهداء، كانت نتيجة تطاحن الأحزاب الكردية وقادتها الحالين اكثر من أي وقت آخر. ان ما قدمه العرب من تضحيات من اجل إزالة النظام الساقط لحزب البعث ليست اقل مما قدمته القوميات الأخرى. فبعد أن عرف بأن السيد فؤاد معصوم سيرأس لجنة الدستور العراقي، تشائم العارفون بان الدستور سوف يكون قنبلة للوحدة الوطنية، وهذا ما حدث. وبعد أن اصبح معلوما بأنه سيرأس اللجنة التحضيرية للمؤتمر الوطني أصاب الكثيرين إحباط بان أوضاع العراق تسير في خط مائل بزاوية منفرجة عن الهدف الذي يطمح له الوطنيون العراقيون. فالسيد معصوم، كما يصفه العارفون قبل التحرير وبعد التحرير، لم يكن وطنيا عراقيا في طروحاته، ومتحزب قوميا في تصرفاته. وامثلة على ذلك كثيرة لا تحصى لا يمكن ان تعطي الرجل صفة جمع العراقيين ويوحدهم عندما يدعوهم إلى مؤتمر، بغض النظر ان كانت الدعوة باسمه او باسم الدولة العراقية. ففي وقت غير قصير قبل سقوط الصنم البعثي بدأت عملية تكوين نواة لحركة من اجل المجتمع المدني في العراق بين عراقي الخارج، قام السيد معصوم بدعم مجموعة ممولة من إيران لإفشال نشاط الحركة، بعد ان كان الامل عليه كسياسي عراقي معارض ان يدعم كل عمل غير حزبي يصب في مصلحة العراق وشعبه. كان الغرض من دعمه للمجموعة الممولة إيرانيا، هو حرمان أي نشاط وطني عراقي او ابقائه في قالب التحزب القومي الكردي والتبعية لإحدى دول الجوار. كما مول مع محسن الاراكي، مدير المركز الإسلامي الإيراني في لندن عما سمي في حيينها "ندوة كركوك " التي كان الغرض منها إثبات أن المدينة "كردية " وليست عراقية، في الوقت الذي عمل وناضل كل وطني عراقي شريف ولا زال من اجل أن تكون مدينة كركوك مثال لتآخي القوميات المختلفة في العراق، العربية والكردية والتركمانية والآشورية. وليس غريبا عليه لمن يعرف دوره غير المهني في مؤتمر نيويورك للمعارضة العراقية التي تمخض عنه المؤتمر الوطني بأعضائه الثلاثمائة، حيث كان السيد رافعا يديه "موافج" على جميع ما كان يطرحه أحد التيارات، حتى سرت نكتة في صفوف المؤتمرين بان السيد فؤاد معصوم كردي بعثي، ولربما اكثر من البعثيين تصرفا حيال العمل الديمقراطي. وفي إدارته اللجنة التحضيرية لم يكن معصوم عراقيا ولا وطنيا في عدم دعوة اكثر العراقيين وطنية وإخلاصا للعراق الموحد، وعلى العكس منه اجهد نفسه في مشاركة رفاقه السابقين من سهل له نشر فكر مدينة كركوك غير عراقية، ومن ساهم في شق حركة من اجل المجتمع المدني، والوقوف ضد المنظمات التي تؤمن بالعراق أولا دون ازدواجية الولاء، لا للقوميات ومنها الفارسية ولا للأحزاب والمناطق والعشائر، ك "المنظمه الوطنية للمجتمع المدني وحقوق العراقيين". كما ويجهد نفسه لضم مجموعات لا لخدمة الوحدة الوطنية، وانما لعمل تحالفات تخدم أهداف حزبية ضيقة التي لا تصب في مصلحة العراق وشعبه على المستقبل القريب والبعيد. ومن التصريحات التي ادلى بها بانه لم يدعوا من لم له قوة على الارض. فهل القوة التي يقصدها رئيس اللجنة التحضيرية، هي المال والسلاح التي تملكها بعض الاحزاب القومية؟ أن المؤشرات تشير وبكل أسف أن المؤتمر الذي يحضر له سوف لن يكون مؤتمرا وطنيا عراقيا وسوف يساعد على شق الصف الوطني العراقي ويساعد أيضا على تكوين جماعات معادية للعراق المحرر، العراق الذي يتمناه العراقيون موحدا بكل مناطقه، متآخية فيه قومياته ودياناته، ولا فضل لواحدة على أخرى. فحسب الهرم البروتوكولي يمكن اعتبار السيد فؤاد معصوم ثالث شخصية في الدولة العراقية بعد رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء، ولكن لم يسمع عنه اجتهاده كوطني عراقي في المطالبة بإشراك ممثل واحد للعرب العراقيين سكان شمال العراق منذ مئات السنين في حكومة السليمانية أو في حكومة اربيل، في الوقت الذي تضم فيه السلطة المركزية نسبة اكبر للأحزاب الكردية الممثلة على اساس قومي. او تخصيص إحدى القناتين التلفزيونيتين الكرديتين مثلا لتكون قناة إعلامية عراقية كي تقف ضد القنواة المعادية للعراق المحرر وشعبه. أن من يتحمل العمل من اجل جمع الكلمة لممثلي الشعب العراقي عليه أن يكون وطنيا يعترف بحقوق جميع أبناء العراق الذين تحملوا القهر في ظل النظام الساقط وليس التناغم مع سقط متاعه. فقد اعلن جهاز المخابرات العراقي يوم السبت السابع من آب الجاري القبض علي اربعة ضباط من المخابرات الايرانية يقودهم ضابط رفيع اسمه (تيموري محمد مهدي) بتهمة التخريب والتجسس. صرح بذلك ل (الزمان) مسؤول في جهاز المخابرات العراقي رفض الافصاح عن اسمه وقال ان (هؤلاء الضباط كانوا يتخذون من احدي الدور السكنية في بغداد مقرا لادارة نشاطاتهم التجسسية والتخريبية وقد ضبطت معهم مجموعة من الوثائق والمستمسكات المزورة التي تسهل عملية تنقلهم بين العراق وايران داخل المدن العراقية ومن بين تلك الوثائق هوية صادرة من استخبارات الحرس الثوري الايراني وهويات عراقية اخري تستخدم كغطاء لعملهم داخل العراق. كل ذلك ولم نسمع اجتهاد فؤاد معصوم في إظهار الوجه العراقي في الوحدة الوطنية في إيجاد خط وطني واحد. ففي الوقت الذي يصرح وزير الدفاع ووزير الداخلية العراقيان عن التدخل المفضوح لإيران في العراق يفنده حليف السيد معصوم، نائب وزير الخارجية حامد البياتي لارتباطات حزبيهما بإيران، وكأن البياتي وكيل وزير خارجية إيران وليس العراق، ومصلحة الأولى في المقام الأول. وبمناسبة الحديث عن البياتي فاول ما بشر به بعد زيارته لإيران ليس الاتفاق على ايقاف التدخل الإيراني في الشأن العراقي وانما فتح ثلاثة بنوك إيرانية في العراق لكي تسهل عملية توزيع المال على الاعوان بشكل رسمي، بعد ان اصبح واضحا بان الحدود العراقية سوف يتم ضبطها. أن ما تاتي به كل يوم من أنباء عن التدخل الإيراني في العراق ليست كافية لوضع سياسة واحدة لقيادة من يحضر للمؤتمر الوطني؟ فهل الاختلاف بين اعضاء الحكومة ومن سيمثل في المؤتمر الوطني ويلعب دورا بارزا في التحضير له، من اجل احتواء أعوان إيران أو أن إيران قد احتوتهم من اجل مصالحها منذ زمان؟ أن الوطنين العراقيين ومن ضمنهم أعضاء "المنظمة الوطنية للمجتمع المدني وحقوق العراقيين"، سيبقون مخلصين للعراق ويدعمون العراق الموحد، ليس على أساس المحاصصة الحزبية والقومية ولا السياسية وسيساهمون في بنائه بما يملكون من طاقات شريفة وإمكانيات علمية وعملية تفتقد لها جميع مؤسسات العمل الحزبي العراقي. وسينتصر العراق الديمقراطي وستنهار التكتلات غير الوطنية وسيقوم العراق معافى موحدا بفضل المخلصين لترابه الموحد وشعبه الواحد بجميع قومياته وأديانه. فهل تهيئت الضروف الامنية والتمثيلية للعراقيين لعقد المؤتمر الوطني؟ انا اشك في ذلك.


[email protected]

www.iraqoftomorrow.org