هل تجوز الواسطة؟
سألت الشيخ ابن عبد الله، فقال : الواسطة يا ولدي على وجهين جائزة وغير جائزة!
قلت: هل تعني سالبة وموجبة؟!
قال: هي على وجهين وسميها كما شئت.
أما الجائزة فهي ما يلجأ فيه شخص مظلوم إلى ولي الأمر لينصفه إذا ما ظلمة مسؤول ما، إحقاقا للحق.
قلت: هلا تذكر لي مثالاً؟
قال: لا تذهب بعيداً يا ولدي.
أنت أستاذ بالجامعة وبين يديك مصير أولاد كثر.
لسبب ما ربما تظلم أحداً منهم فيلجأ إلى مدير الجامعة.
وربما أحد ما يستحق دخول جامعة بفضل جهده فيحرمه مدير الجامعة من هذا الاستحقاق فيلجأ إلى وزير التعليم العالي يتوسط لديه.
ربما موظف ما يقوم بواجبه على أكمل وجه، إلا أن مديره أو رئيسه المباشر يستثقل دمه فيحرمه من حقوقة الوظيفية في الترقي فيلجأ إلى الواسطة لينال حقوقة وهكذا.
قلت: ولكن ألا ترى في هذا انحراف ما؟
لماذا لا توجد الأسس والنظم التي تضمن لهؤلاء المظلومين حقوقهم دون الاضطرار للجوء إلى للوساطة لضمانها؟!
قال ابن عبدالله: يا ولدي الإنسان ضعيف ويميل إلى تشخيص السلطة في ذاته فهو النظام والقوانين حين توضع النظم والقوانين بين يديه ولابد من سلطة أعلى من سلطته كي تردعه وإلى أن يشعر ويحس كل مسؤول بأن السلطة الممنوحة له هي عبارة عن نظام وقوانين ولوائح مجردة وموضوعية لا ترتبط بشخصه، وستبقى بعد أن يزول وتطيح به رياح الزمان عن مقعدة، ستظل الواسطة واحدةً من الوسائل أمام الضعفاء في وجه الأقوياء، فإن أعجزك أخذ حقك وأنت الضعيف من قوي تلجأ لمن هو أقوى منه لكي تستخلص حقك.
أوليس العدل هو الأولى؟!
سألني الشيخ ابن عبد الله فلم أجد جواباً.
ولكن في النفس شئ من حتى، فقلت: أوليست هذه هي المحسوبية بعينها يا شيخ؟!
فقال: لا، فالمحسوبية هي أن تعطي لمن لا يستحق حق من يستحق، مستغلا سلطتك ونفوذك.
أما الواسطة الجائزة يا ولدي فهي أن تستعمل نفوذك لتستخلص حقاً لضعيف يستحق حقاً حرمه أو أعاقه عن نيله مسؤول ما.
قلت: ولكن ألا توجد طريقه يستخلص بها صاحب الحق حقه دون أن يهدر كرامته باللجوء لمن يستخلص له حقه، وهو حق في كل الأحوال، وبالتالي لا يهدر وقت المسؤول الأعلى مرتبة وظيفية ليشغله بأمر كان ينبغي أن لا يشغل وقته فيه؟!
تبسم الشيخ ابن عبدالله وقال لي مترفقاً: يا ولدي لو أننا جميعا طبقنا النظم والقوانين التي تنظم المعاملات فإنها وحدها كفيلة لتقينا الحاجة إلى الواسطة، لأنها كفيلة بتسيير الأمور ثم ما لبث أن أردف وهو يضحك:
أتعرف ما أغرب أنواع الواسطة؟. أنها تلك التي لا حاجة لها ولكنها تمارس لتأكيد الذات والنفوذ!.
أحكي لك مثالا، والله على ما أقول شهيد.
مواطن أراد مكفوله أن يغادر في أجازتة السنوية إلى قطر عربي شقيق فأوصى أحد أقاربه وهو يعمل طياراً- لان يساعده في تخفيض تكلفة ما يحمله من متاع، فذهب الطيار قبل موعده بساعة ونصف، ليكتشف أن أغراض صاحبنا العامل دون العشرين كيلو المقررة له مجاناً على التذكرة، وبالطبع أقتطع الطيار من زمنه الخاص ساعة ونصف كان يمكن أن يقضيها في ما يفيده بلا طائل.
ماذا تسمي هذا؟!
سألني الشيخ ابن عبدالله، ومرة أخرى لم أجد جواباً.