الأستاذ، ثابت أحمد هاتف، الذي كـنت قد اقتطفت لكم بعض أقواله في مقال سابق(الانبطاح واقفا ـ ايلاف14/11/2003) يشعر في هـذه الأيام بحالة شديدة من الإحباط، وذلك بسبب ما يراه من تحطم كل آماله على صخرة واقع لا يستطيع ان يتصوره، ولا يعلم ما سوف ينتهي إليه هذا الواقع في المستقبل القريب.
سبب كل ذلك هـو انه ظلَّ طوال عمره في حالة نضال مستمر ضد الإمبريالية بشكلها العام، والأمريكية منها بشكل خاص. وقد كان يراهن على مقدرتنا بالتصدي لأمريكا ودحرها واثبات إنها نمر من ورق. والآن وهو يرى الواقع الماثـل بين يديه من أن السطوة الأمريكية قد عمـَّت كل العالم ونحن من ضمنه، فقد فكر وتدبر في أمره، ووصل إلي نتيجة فحواها ان ما يحدث الآن ليس سببه قوة أمريكا ولكن السبب هـو ضعف مواجهـتنا لها. لذلك فهـو يرى ان الوقوف في وجه هذا التسلط والجبروت الأمريكي يتطلب موقفا متراصا وصلبا، تشترك فيه العناصر التي عـُرفت بصلابتها وقوتها، لتحل محل العناصر الرخوة الموجودة الآن. لذا فكر في زملائه القدامى، الذين زاملهم أيام الدراسة وفي بعض مواقع العمل والذين يعرف مدى صلابتهم وقوتهم في الوقـوف في وجه الاستعـمار بكل أشكاله وألوانه. رجع إلي الذاكرة وإلى كشوفه القديمة يستعرض أسماء أولئك الزملاء الذين تفرقت بهم السبل وباعدت بينهم السنين. وبعـد عُدة شهـور وبعـد تمحيص شديد إختار من بين تلك الأسماء، التي أستذكرها، (مبلغ) مائة أسم توسم انهم الأكثر صلابة وقوة، ليجمعهم في جبهة واحدة لإنجاز مهمة دحر أمريكا.
قبل ان يبدأ البحـث عن هـؤلاء المائة، فكـَّر في إيجاد اسم لهـذه الجبهة التي يريد تشكيلها. كان أول ما خطر على باله هـو ان يسميها (جبهة الصمود والتحدي )، ولكنه تذكـَّر ان مثل هذه الجبهة عندما قامت في السابق، لم تتصدى لأحد، ولم تتحدى أحد، ولم تصمد أمام أحد. بعـد ذلك فكر في إسم (جبهة إلقاء أمريكا في البحر) فتذكر ان مثل هـذا الكلام قـد طُرق من قبل، وان من هـُدد بالإلقاء في البحر مازال موجودا على البر، بل انه لم يصل حتى إلى شاطئ البحر، وأيضا تذكر ان أمريكا لا تقع على بحر وإنما على محـيطين، وفي حالة محاولة إلقائها في المحيط، فـقـد يدور خلاف من شاكلة : في أي المحيطين نلقيها ؟ وخلاف مثل ذلك قـد ( يـُفركش) الجبهة قبل تكوينها. لذلك ترك التفكير في الاسم حتى يجمع القيادات الصلبة التي اقترحها ويترك لها اختيار الاسم.
أضناه البحث عن هؤلاء المائة لأن السنين كانت قد فرقتهم في أصقاع الأرض، ولكنه أخيرا وبعد جهد جهيد استمر عـدة شهـور، استطاع الحصول عـلى عـناوينهم، أو أرقام تليفـوناتهم، وبعــد العديد من الاتصالات والكثير من (المشاوير) المكوكية كانت النتائج التي توصل إليها كما يلي :ـ وجد ان سبعة من هؤلاء المائة قد انتقلوا إلى الرفيق الأعلى كوفاة طبيعية وذلك بحكم التقادم وانتهاء مدة الصلاحية. علم أيضا ان تسعة من هؤلاء الأشخاص قـد ماتوا منذ سنوات في حادث غرق سفينة كانت تنقلهم، مع آخرين، وهم في طريقهم هروبا إلى أوروبا. عرف أيضا ان عشرين منهم قد نالوا الجنسيات الأوروبية الإمبريالية، من بريطانية، وفرنسية وما شابه ذلك، ومثلهم ينتظرون في تلك الدول للبت في طلباتهم لنيل حق اللجوء. النتيجة حتى هنا هي، 56، من المفقودين من قائمته، التي بقي بها(مبلغ) وقدره 44 فردا فقط لا غير، وهـؤلاء لم يعثر عليهم البتة، لأن أربعين منهم كانوا قد وصلوا إلى أمريكا منذ سنوات عديدة وحملوا جوازاتها، بل وبعضهم صار من كبارات القوم فيها.
هـذه النتائج جعـلته يصاب بحالة يأس شديد، توقف على إثرها عن البحث عن الأربعة المتبقيين، وذلك خوفا من ان يجد أسمائهم في، الكشوفات المرتبطة بالكوبونات، التي بدأت تظهر هذه الأيام، (والتي هي مـُـش فلا بـُـد).