تفيد أنباء مقلقة عن أن الإنفلات الأمني في العراق جعل منه مرتعاً ليس للإرهابيين وعصابات الجريمة المنظمة فحسب، بل وقبلة للألوف من مرتزقة عسكريين سابقين، أمركيين وبريطانيين وغيرهم، جندتهم شركات الأمن العالمية الخاصة للقيام بحماية المنشآت والمقاولين والخبراء الأجانب، وأن عدداً كبيراً من هؤلاء صاروا يشكلون خطراً على الأمن "حيث يعيثون في الأرض العراقية قتلا وفسادا من دون رادع، وخارج جميع القوانين المرعية " . وقد بلغت جرائم هؤلاء حداً "بحيث طلبت الحكومة العراقية برئاسة الدكتور أياد علاوي من وزير الخارجية البريطانية جاك سترو مساعدتها في محاولاتها الرامية إلى لجم هذه العصابات ". (تقرير إيلاف نقلاً عن صحيفة التايمز اللندنية).
كذلك كتب السيد نوري جاسم المياحي من بغداد، مقالاً مهماً بهذا الخصوص، أشار فيه إلى أضرار هؤلاء المرتزقة على الاقتصاد الوطني، حيث يتقاضون رواتب خيالية تبلغ في بعض الحالات عشرات الألوف من الدولارات شهرياً للمرتزق الواحد تدفع لهم من الأموال المخصصة لإعمار العراق، في الوقت الذي يوجد في البلاد عشرات الألوف من العسكرين العراقيين العاطلين عن العمل يعانون من الفقر والعوز وبإمكانهم القيام بحماية المنشآت والمقاولين الأجانب أفضل بكثير من غيرهم وبأقل تكاليف، فهم أعرف بشؤون بلادهم من المرتزقة الغربيين. كذلك لكي لا يستغل الإرهابيون العوز المادي لهؤلاء العسكريين العراقيين فيستدرجونهم ويغرون البعض منهم بالمال للقيام بأعمال الإرهاب والتخريب.
لقد صار تجنيد المرتزقة من عسكريين أجانب سابقين من قبل شركات مختصة بالأمن، صناعة مزدهرة في الغرب، لم تكتف بتقديم خدماتها الأمنية لزبائنها في مناطق مختلفة من العالم فحسب، بل وتقوم هذه العصابات حتى بتنظيم انقلابات ضد حكومات في دول الأطراف، كما حصل مؤخراً في محاولة انقلابية فاشلة ضد حكومة جمهورية غينيا الإستوائية الصغيرة والغنية بالنفط، والمتهم بتمويلها مارك تاجر، ابن مارغريت تاجر، رئيسة وزراء بريطانيا السابقة.
ومن الناحية الاقتصادية، فإن تكاليف المرتزقة صارت عبئاً ثقيلاً على ميزانية إعمار العراق، بحيث راحت تلتهم حوالي 20% إلى 30% من هذه الميزانية حسب بعض التقديرات. ومن هنا تبرز مخاطر وجود هذه العصابات المنفلتة على الأمن والاقتصاد الوطنيين. فبالإضافة إلى عدم جدوى الإعمار في هذه الظروف العصيبة بوجود المخربين من الإرهابيين، إذ ما أن تنتهي الشركات من بناء مشاروع حتى يأتي المخربون فيدمرونه ويحيلونه إلى خرائب وأنقاض، إضافة إلى تصاعد موجة خطف خبراء وعمال أجانب من قبل الإرهابيين الإسلاميين لإرغامهم على مغادرة العراق وعصابات الجريمة لقاء الدية والثراء السريع. لذلك وفي ظل هذه الظروف الشاذة والعصيبة يبرز السؤال: ما هو الجدوى من بناء مشاريع باهظة التكاليف ثم هدمها بعد إنجازها مباشرة؟
لذلك نرى من الصواب الاستغناء عن خدمات المرتزقة الأمنيين الأجانب وتأجيل البدء بتنفيذ مشاريع الإعمار في الوقت الحاضر ما عدا الحيوية منها ذات العلاقة بحياة الناس اليومية مثل مشاريع الماء والكهرباء والصرف الصحي والبريد والخدمات الصحية...الخ وتركيز اهتمام الحكومة وجل طاقاتها على الأمن، للقضاء على الإرهابيين وعصابات الجريمة المنظمة، إلى أن تستب الأمور الأمنية وعندها يمكن البدء بالإعمار ودون الحاجة إلى عصابات المرتزقة الأجانب.
قد يعترض البعض على هذا الاقتراح قائلاً أن مواصلة العمل بهذه المشاريع ضرورية لأنها توفر العمل لملايين العاطلين الذين يشكلون الاحتياطي للجريمة والإرهاب حيث يلجئون إلى الإجرام والتخريب كوسيلة لكسب عيشهم. وردي على هذا الاعتراض رغم وجاهته، أنه يمكن تعيين العاطلين في المشاريع المقترحة ودفع رواتب لهم حتى دون البدء بتنفيذها إلى أن يتم القضاء على المخربين، كما هي الحال في توزيع المواد الغذائية على الناس مجاناً وفق البطاقة التموينية بموجب برنامج الأمم المتحدة (نفط مقابل الغذاء). وعندها يمكن البدء بتنفيذ مشاريع الإعمار دون الحاجة إلى استيراد هذا العدد الكبير من المرتزقة الأجانب لحماية الخبراء والمقاولين.
التعليقات