للمرة الثانية في تاريخ لبنان تفرض سوريا فرضاً ودون ارادة الشعب اللبناني شخص رئيس الجمهورية بل هي تمدد له كما تشاء، وتُعدل الدستور كما تشاء، وتهدد اعضاء مجلس الوزراء بحرمانهم من امتيازاتهم السياسية والمادية ومنافعهم إن هم لم يقروا طلب التمديد فينصاعوا صاغرين إلا قلة قليلة منهم (كتلة الحزب التقدمي الاشتراكي بقيادة وليد جنبلاط) ويوافقوا على التمديد الذي يعني استمرار الاحتلال السوري للبنان. وتهدد سوريا النواب بالعصا حيناً وتغريهم بالجزرة حيناً آخر لكي يصوتوا لصالح تمديد ولاية ( الوالي العلوي على لبنان) والمُعين من قبل الباب العالي العلوي وسلطان دمشق على حد تعبير عبد الرحمن الراشد، والذي أعاد إلى الاذهان حكم العثمانيين للبنان، وتعيينهم لولاة لبنان طيلة أربعة قرون مضت (1517-1918).


***


تصوروا حالة العالم العربي التعيسة لو قُدر للباب العالي العلوي في قصر الروضة في دمشق أن يحكمه؟
تصوروا كيف سيعود العالم العربي أربعة قرون إلى الوراء ويحكم بنفس الطريقة التي كانت الدولة العثمانية تحكم بها العالم العربي من قصر التوب كابي في الآستانة.
ما الفرق بين حكام الآستانة بالأمس، وحكام دمشق اليوم؟
لا رأي للشعب في تقرير مصيره، ولا في تعيين حكامه.
لا دستور يُحترم. والدستور عبارة عن بسطار قذر في قدم السلطان.
لا مجلس نواب حر يُعبّر تعبيراً حقيقياً عن رغبات الشعب، بل هو مجلس مُسيّر بفرمانات السلطان العلوي في دمشق، لا مُخيّر من قبل الشعب الحر.
والنواب ليسوا مُشرّعين بقدر ما هم (بصمجية) تأتيهم القرارات جاهزة من الباب العالي السوري، فيبصمون عليها بصماً وهم عُميٌ بُكمٌ، لا يقرأون ولا ينطقون.
ألم يصم رفيق الحريري عن الكلام منذ مدة، وحتى الآن حتى لا يكون ضحية الارهاب السوري في لبنان، وحتى لا يلاقي مصير كمال جنبلاط ورينيه معوض وبشير الجميّل.
المعارضة في لبنان تُقمع بالقوة وبالقتل وبالاغتيالات وبالطرد من الوطن وبالحرمان من العمل والحياة.
لا صحافة حرة ولا أعلام حر، ومدير الاستخبارات العسكرية السورية في لبنان (رستم غزالي باشا، ومن قبله غازي كنعان باشا) هو الإعلام اللبناني وبسطاره أهم وسيلة اعلامية في لبنان.
***
قارنوا بين الاحتلال السوري للبنان والاحتلال الأمريكي للعراق.
الاحتلال السوري للبنان جاء لكي يستوطن ربما إلى الأبد، لا لكي يحتل لفترة معينة ثم يرحل كما رحل بريمر باشا ممثل الاحتلال الأمريكي. فباشوات الاحتلال السوري للبنان متمسمرين فيه إلى يوم يبعثون.
ممثلو الاحتلال السوريي من البشاوات للبنان متمسمرين في لبنان منذ عام 1976 وإلى الآن وربما إلى مئات السنين ما دامت المملكة العلوية في سوريا قائمة، يتوارثها الآبناء عن الآباء.
كان في لبنان ديمقراطية عربية جميلة، سحقتها بساطير العسكر السورية.
وكان في العراق ديكتاتورية، سحقتها بساطير العسكر الأمريكية والبريطانية.
كان في لبنان مجلس نواب منتخب انتخاباً حراً، فمسخت الديكتاتورية السورية هذا المجلس وأحالته إلى قفص من الدجاج والأرانب.
وكان في العراق مجلس من الدجاج والأرانب، فجاءت بساطير العسكر الأمريكية والبريطانية وسحقت هذا المجلس الأضحوكة الذي كان عبارة عن سيرك من القردة.
كان لبنان واحة المعارضة العربية من كافة أنحاء العالم العربي، فجاء الاحتلال السوري وحوّل لبنان إلى سجن كبير للمعارضة اللبنانية، وطرد منه المعارضة العربية إلى عواصم الغرب المختلفة.
وكان العراق سجناً كبيراً للمعارضة، فحوله الاحتلال الأمريكي إلى أكبر ساحة عربية للمعارضة. فانتشرت صحف المعارضة وأحزاب المعارضة بلا حساب أو عقاب في العراق.
كان في لبنان أكثر الصحف العربية ليبرالية وحرية، فحولها الاحتلال السوري إلى صحافة مُشتراة وخائفة ومهددة تسبح بحمد السلطان الدمشقي خوفاً وخشية من بطش السلطان عبد الحميد ( السلطان الأحمر) الذي عاد إلى دمشق في ثوب علوي. ولم يبق في لبنان غير صحيفة أو صحيفتين حرتين. والله يعلم ماذا سيصنع بهما سلطان دمشق بعد الزفاف الرئاسي. ولعل ذكرى اختطاف وتعذيب ميشال أبو جودة رئيس تحرير "النهار"، وقتل سليم اللوزي رئيس تحرير مجلة "الحوادث" اللبنانية الذي تم سلخه ورميه للكلاب في أحد أحراش بيروت ما زالت عالقة في ذاكرة اللبنانيين الأحرار.
وكان في العراق صحف تُسبّح بحمد السلطان صدام صبحاً ومساءً ، فجاء الاحتلال الأمريكي والبريطاني ومزق هذه الصحف، وقفل أبوابها، وفتح الباب أمام مائة صحيفة وصحيفة لكي تدع ألف زهرة تتنفتح.
وأخيراً رحل الحاكم الأمريكي للعراق بعد عام من الاحتلال، وما زال الحاكم السوري للبنان متمسمراً فيه منذ 1976 حتى الآن.
***
فمن الذي يُخرج الاستعمار السوري من لبنان؟
لا امريكا قادرة على ذلك، ولا فرنسا قادرة على ذلك، ولا مجلس الأمن غداً سوف يقدر على ذلك. فقد بدأت أصوات لبنان السورية ترتفع وتقول: "لا للتدخل الأجنبي في شؤون للبنان" وهي نفس أصوات حزب البعث في العراق وسوريا.
الشعب اللبناني وحده هو القادر على دحر الاستعمار السوري للبنان.
الشعب اللبناني يجب أن ينزل إلى الشارع غداً، ويعتصم في جميع أنحاء لبنان.
لا بُدَّ من مقاومة الاستعمار السوري والديكتاتورية العلوية كما فعل شعب جورجيا العظيم بالشفرنازدية.
لا بُدَّ أن ينزل الشعب اللبناني الي الشارع ويحول دون وصول النواب إلى المجلس وهم الذين باعوا لبنان وشرف لبنان ودستور لبنان وديمقراطية لبنان وحرية صحافة لبنان لسلطان دمشق بأبخس الأسعار.
لا بُدَّ من منع هؤلاء النواب من الوصول إلى مجلس النواب من أجل البصم على الفرمان السوري الصادر عن بابه العالي في دمشق بتمديد ولاية الوالي السوري في لبنان وتعديل الدستور الذي أحاله سلطان دمشق إلى بسطار يجب أن يكون على مقاس قدم السلطان.
لا بُدَّ من أن يثبت الشعب اللبناني بأنه شعب حر يستأهل مزيداً من الحرية. وخير وسيلة لذلك هو المقاومة الشعبية للاحتلال السوري للبنان الذي طال أجله وتوارثه الأبن عن الأب وسيتوارثه غداً الحفيد عن الجد.


[email protected]
*كاتب لبناني – لوس انجلوس