حكايات خيالية كثيرة نسمعها ونقرا عن مجرياتها في العراق كل يوم فهل يصبح العراق الجديد بلد الحكايات الخيالية المتفوقة على خيال ألف ليلة وليلة..!
كثيرون يعتقدون بالحدس المجرد أن ثقافة جديدة تتعامى في السلم الاجتماعي والسياسي في العراق لكن المطلع على ما يجري في بعض مراكز الثقافة الهمجية المعاصرة..! خاصة في المراكز السرية لجماعات تابعة أو متبوعة لدول أو لقادة إسلاميين معممين أو مسلحين أو لهيئات من العلماء..!
من أبطال هذه الثقافة هم عصابات الاختطاف الذين يقاتلون بيد ويقبضون باليد الأخرى.. ينتزعون آسراهم بالقوة المسلحة بما يرضي إحساسهم السايكولوجي الناقص.
انهم ينسجون فعاليات المقاومة العراقية ضد الأمريكان حتى يقع صحفيان فرنسيان ضحايا لثقافة الاختطاف.. ربما يكون البعض منهم واهمين بأنهم يثبون بخطوة عبر فتحة مقاومة احتلال أجنبي لبلادهم لكنني أقول لهؤلاء أن هذه الخطوة لا تنال في ظروف العراق لا صرخة إعجاب ولا صوت تقدير.
الاختطاف عمل منكر..لا هو من ريش ثوريين ولا هو من شبكات مقاومة حقيقية، بل هو فعل من أفعال منبوذين يريدون أن يشقوا لغيرهم شوارع فسيحة في الساحة السياسية العراقية الحالية المتسولة عند أبواب المناصب الحكومية والمكاسب الحزبية والمتكدسة عند أبواب الأضرحة المقدسة ، وهي بكل الأحوال لا تشبع غير الجوعى المجهدين السائبين في ظلام الشوارع وحفر النتانة من بقايا وحوش صدام حسين ونظامه.
الاختطاف عمل من أعمال الجبانة وشكل من أشكال تجارة البغايا في السياسة تحمل عقارب حقيقية سامة تلدغ قضية الشعب العراقي والمسلمين مهما كانت الأشكال والأسباب والقيم فليست هي غير نار صفراء لا تصلح لتنير معابد المسلمين كما يظن فضيلة الشيخ يوسف القرضاوي ناسيا: أن بعض الظن أثم.
عجّت الأقبية العراقية خلال الأسبوعين الماضيين بعدد كبير من المختطفين ( أتراك.. مصريين.. باكستانيين.. هنود.. نيبال.. لبنانيين وغيرهم من فقراء الله.. ) لكن جاك شيراك و بعض المثقفين الفرنسيين لم يرفعوا صوت الثقافة الفرنسية الحرة للمطالبة بإطلاق سراح أحد من هؤلاء الفقراء والكادحين الباحثين عن لقمة العيش في أتون حرب إلا حين وقع الفأس بالرأس حين أصبح الصحفيان البورجوازيان ( كريستيان شينو وجورج مالبرونو ) أسيرين. حتى عندما ذبحوا دزينة من البشر النيبال، كما يذبح الدجاج، ما انتابت الرئيس الفرنسي ولا تجار السياسة الفرنسيين ولا كهنة كنائسها ولا بغايا بيكال ولا مثقفي الحي اللاتيني أية رعشة..
أتاح اختطاف الصحفيين الفرنسيين فرصة جديدة لجاك شيراك أن يلتحم بمعركة العراق الحالية بثوب جديد فقد خب بجواده ليكون أول المدافعين عن المختطفين الفرنسيين محركا لكبار الشخصيات الإسلامية من أمثال فضيلة القرضاوي باشا وأصحاب المراتب الدينية الرفيعة في العراق كهيئة علماء المسلمين واصحاب المناصب السياسية السامية كالمستر عمرو موسى ليتولوا مسئولية تحريك قطعة نقود معدنية لتحديد موقع الفريقين المتباريين من الشمس كما يفعل عادة حكام مباريات كرة القدم..!
وكان ما كان من تحول جميع هؤلاء ، خلال أسبوع كامل ، إلى كهنة مدافعين عن الحق والديمقراطية والعدالة وعن نظام السماء في الأرض تماما مثلما هاج وماج جاك شيراك وأعوانه من نفس الجوقة حين كانت " الحديدة الدولية الحارة " بوجه صدام حسين قبل عامين كان هو يتقافز كطير ملون لإنقاذ صاحبه وإنقاذ ثقافة القبور الجماعية من الفضيحة ناسيا في تلك الفترة مبادئ الثورة الفرنسية التي يتبجح بها الآن.
الوحش السري الذي اختطف الزميلين الصحفيين هو نفس الوحش الذي قتل اليوم سائق السيارة الكادح في بغداد وهو نفس الوحش الذي اغتال يوم أمس الأول ثلاثة فتيات كلدانيات في مدينة الموصل وهنبعمر الزهور وهو نفس الوحش الذي قتل الناس بالمتفجرات ونسف أنابيب الماء والنفط وأسلاك الكهرباء.
جاك شيراك العجوز النبيل
لا يملك الآن من صفات
غير ريش الديك الأخضر في الثقافة الفرنسية فقد تجاوز منذ زمان طويل مبادئ الثورة الفرنسية أي منذ أن عبر عن رضاه في اكثر من مرة وعن مسرته بما كان يفعله الوحش المفترس صدام حسين الذي اختطف شعبا بأكمله واضعا رأسه بجنون تحت المقصلة.
اكتب كلماتي هذه للتذكير فقط فعلى وجهي الآن علامات الفرح الحقيقي بإطلاق سراح الزميلين الفرنسيين وما زالت حقيبتي الصغيرة تحمل موقفي من الحق الكامل لفرنسا في قانون منع الحجاب كما يحمل مسجل صوتي في إدانة كل اختطاف مهما كان نوعه وفي أي مكان من العالم.
ليس اختطاف الإنسان للإنسان سوى التعبير عن ثقافة همجية.
بصرة لاهاي
التعليقات