يوسف القرضاوي.. شاعراً...

ولِمَ لا ؟

وكل عربي قادر على جمع بضعة ألفاظ على وزن خليلي يحمل صفة الشاعر.
ولا تسأل بعد ذلك عن.. الشعر.. الذي يعتبره العرب.. ديوانهم.. حتى وإنْ كان هذا الديوان مكتظاً بقصائد أقل ما يُقال فيها إنها أبعد ما تكون عن.. روح الشعر.. وأقرب ما تكون إلى منشورات تحض على القتل والحرب.
يوسف القرضاوي.. فقيه الأمة الأكبر.. وشيخها المشهور لا يوفر وسيلة بما في ذلك.. الشعر.. لكي يدعو إلى منازلة الكفر وغزو الساحات واستعادة المجد والدين والأخلاق.. والأمة الإسلامية.. ولا أظلم الرجل، فهذا ما قاله شعراً:
يا أمة الإسلام هبوا واعملوا فالوقت راح
الكفر يجمع شمله فلِمَ النزاع والانتطاح ( الوزن مكسور هنا يا شاعر )
فتجمعوا وتجهزوا بالمستطاع وبالمُتاح
يا ألف مليون وأين همو إذا دعت الجراح ؟
هاتوا من المليار مليوناً صحاحاً في صحاح
من كل ألفٍ واحد أغزو بهم في كلَّ ساح.

لقد سبقه أسامة بن لادن باختيار خمسة عشر فقط في غزوتي نيويورك وواشنطن، فيما قام آخرون بغزوة مدريد، وآخرون بغزوة بالي في اندونيسيا، وغزوات أخرى أقل أو أكبر حجماً تضرب ( الكفر وبلاده ) وتعتبر الرياض والقاهرة والرباط وبغداد أهدافاً مشروعة في السعي إلى استعادة المجد والدين والأخلاق والأمة الإسلامية وفي السعي أيضا الذي لا يتعب منه الإرهابيون والمنظرون لهم.. إلى محاربة الكفر.

يقف يوسف القرضاوي على مسافة من حاملي السلاح الإسلاميين ومنفذي الغزوات منهم وأقصى ما يمكن أن يقوله في نقدهم إنهم يشوهون صورة الإسلام، ولا يذهب في وصفهم إلى حد القول الصريح: إن هؤلاء لا يشوهون صورة الإسلام فقط وإنما هم خارج كل توصيف إسلامي أو ديني أو إنساني وإنهم إرهابيون بجدارة.
كما أن القرضاوي فقيهاً كان أم مُفتياً أم شاعراً أم مُنظراً لجماعة الإخوان المحظورة، يُوصف بالمعتدل، لكن قصيدته لا اعتدال ولا وسطية فيها.
إنه في أبياتها يصف هؤلاء الذين سيغزو بهم الساحات قائلاً إنهم ( يقومون الليل ويهيمون بالجنة.. لا الغيد الملاح ) في كراهية يبديها الإسلاميون عموماً لنساء الدنيا اللاتي منهن الزوجة والأم والأخت والحبيبة والصديقة والزميلة والطبيبة والعاملة والمهندسة والمدرسة.. وهؤلاء في كراهيتهم لنساء الدنيا لا يوفرون وسيلة لإهانتها باسم الدين وحرمانها من حقوقها كإنسانة وعيونهم في الوقت نفسه على نساء الدنيا بالتعدد وعلى الحور العين في الجنة.

ثم يصل يوسف القرضاوي إلى نقطة الارتكاز في قصيدته العصماء قائلاً:
من خان حي على الصلاةِ يخون حي على الكفاح
يا أمتي صبراً فليلـُكِ كاد يُسفر عن صباح.
وهكذا يلخص فقيه الأمة الأكبر الدينَ الإسلامي في الصلاة والحرب وكأنه دين لا يدعو إلى الحياة وكرامة الإنسان ووجوده وكأنه دين محصور بين قوسين ( العبادة والقتال ).. وهذه الصورة هي جوهر ما يدعو إليه القرضاوي في قصيدته لكي يسفر ليل ( أمته عن صباح ).. والقرضاوي ليس وحده في هذه الصورة وإنما هناك من يعمل بكل وسيلة ممكنة أيضا.. كانت الشعر أم السيارات المفخخة.. على قسر البشر على هذه الصورة ويهدد بالقتل إن لم يمتثل المخالفون ابتداءً من امرأة غير محجبة وانتهاءً بخطف صحافيين فرنسيين في العراق والتهديد بقتلهما إن لم تتراجع فرنسا عن قانون حظر الرموز الدينية في مدارسها ومؤسساتها العامة.. ويُضاف هنا بالطبع منازلة الولايات المتحدة.. وهي منازلة طويلة الأمد يصطف فيها إلى جانب القرضاوي حشد هائل من المعتدلين والمتطرفين والقوميين وحتى الجماهير العربية والإسلامية التي تعيش بعض دولها على المعونات الأمريكية.. وهذه المنازلة الطويلة الأمد لا تهبط نتائجها على المناضلين بكل ألوانهم الدينية والعقائدية والقومية ولا على الولايات المتحدة الأمريكية، وإنما على البشر المساكين في الغزوات التي ينفذها الإرهابيون باسم الدين.

قد يقول قائل إنني سحبت قصيدة من ذيلها أو أذنها وأدخلتها في أزمة كبرى.. خاصة وأن القصيدة منشورة في جريدة تحت عمود عنوانه ( شهد الكلام )، لكن ماذا أفعل إن كانت القصيدة خالية من الشهد ومن العسل ومن الشعر، ولا تعدو كونها منشوراً تحريضياً من يوسف القرضاوي ( الفقيه والمفتي والداعية ) الذي شرَّع المقاومة في العراق بدون أن يكون معنياً بنتائج المقاومة الكارثية على الشعب العراقي، كما شرَّع العمليات الانتحارية في فلسطين بدون أن يهتم بما جرته هذه العمليات من مصائب على الشعب الفلسطيني، فالبشر في نظر القرضاوي وأمثاله مجرد وقود لحربٍ تدور رحاها في تفكيرهم وتجد بعض تجلياتها الواقعية على الأرض، حينما يأخذ المتطرفون على عاتقهم بالسلاح تنفيذ ما يقوله المعتدلون وشيوخ الصحوة وشيوخ النخوة وشيوخ الفجوة وشيوخ الإرهاب بالكلام.. والفرق فقط هو في درجة الصبر الذي يبديه الفريقان سعياً إلى استعادة.. الأمة الإسلامية..

قصيدة القرضاوي عنوانها ( أمة الإسلام ) والخطاب موجه فيها إلى مليار مسلم وإن كان القرضاوي يرى فيها إبداعاً وفائدة فإنني أدعوه إلى ترجمتها، لأن معظم المليار مسلم لا يعرفون اللغة العربية وبهذا يكتمل خير الدعوة وشهد الكلام الذي يقوله الإسلاميون منذ عشرات السنين وكأنهم وحدهم هم المؤمنون، لكن نتائج ما يقولون وما يفعلون كانت دائما فوضى وخراباً وإعاقة للعقل وللانتباه إلى صلاح الدنيا أولا.

لكن ثمة أمل، وأشير هنا إلى أحد عناصره.. فقد كان يوسف القرضاوي ومجموعة من أشباهه قد اجتمعوا ووقعوا بياناً يدعون فيه ( الشعوب العربية والإسلامية إلى معارضة الاحتلال وجرائمه الوحشية في العراق وفلسطين وذلك ببذل كل ضروب الدعم المادي والمعنوي.. للمقاومة الشريفة )
والحقيقة أن الشعوب المُشار إليها في البيان ورغم رفضها للاحتلال لم تقف على قدم رجل واحد لتنفذ ما قاله قادة وشيوخ التدين العصابي، لأن لهذه الشعوب أجندات مختلفة ومشاريع حياة مختلفة بما في ذلك الشعب العراقي الذي يدرك أن المقاومة على الطريقة القرضاوية سوف تؤدي إلى عراق من خراب، وبما في ذلك الشعب الفلسطيني الذي توجد فيه شرائح واسعة وإن كانت غير قادرة على رفع صوتها بالرفض لأجندة حماس والجهاد الإسلامي التي أعطت لرجل مثل آرييل شارون الفرصة كاملة لكي يسجن الشعب الفلسطيني فيما تبقى من أرضه وأحلامه.

أما قصيدة القرضاوي فإنها مَثلٌ في انعدام الوعي بالعالم الذي نعيش فيه الآن وتصور بدائي وفج لمتدين:
بكـَّاءُ محرابٍ ولكن في الوغى كبش النطاح
في الروع يبذل روحه ويقول عند الغنم صاح
والغنم بضم الغين أي الغنائم التي يتعفف عنها هذا.. المجاهد النبيل.. ويتركها لأصحابه لأن عينيه على الجنة إما بالصبر وهجر الحياة الدنيا أو بالانتحار في تفجير سيارة مفخخة سعياً إلى الدخول السريع إلى الجنة.
إنه متدين لا وقت عنده للعمل والبناء، متدين مشغول بهموم.. الأمة الإسلامية.. يبكي ورعاً وتقوى في الليل.. ويقتل بشراً أبرياء في النهار ويجد من يوسف القرضاوي وأشباهه تغطية كاملة بالفتوى والتشريع والتحريض لخراب الحياة باسم الدين.