في صلب الموضوع- برنامج إذاعي يقدمه الكاتب والإعلامي العراقي المتميز، الدكتور عادل عوض، من إذاعة سوا SAWA www.radiosawa.com الأمريكية في واشنطن . والبرنامج مختص بالشأن العراقي، يدعى إليه عادة ثلاثة ضيوف من مختلف الاتجاهات السياسية والفكرية، غالباً من العراقيين، يتمحور النقاش حول موضوع مهم يعتبر حديث الساعة. ويبدو أن البرنامج حقق نجاحاً باهراً في كسب جمهور واسع من المستمعين، في داخل وخارج العراق, وذلك لما يتمتع به مقدم البرنامج من سعة إطلاع بالموضوع واختيار مواضيع حساسة ومهارة وقابلية في إدارة الحوار.
وقد دعاني الأخ الدكتور عادل مشكوراً للمشاركة في الحلقة التي أذيعت مساء الجمعة 10/9/2004 مع ضيفين آخرين هما الشيخ عبدالستار عبدالجبار، عضو هيئة علماء المسلمين في العراق والدكتور همام حمودي عضو قيادي في مجلس الثورة الإسلامية الأعلى، إلا إن الأخير اعتذر عن المشاركة في اللحظات الأخيرة لانشغاله مع ضيف كما ذكر. لذا بقينا نحن الاثنين (الشيخ عبدالستار وأنا) كضيفين على البرنامج نمثل رأيين مختلفين في موضوع النقاش الذي تمحور حول:(الاختطاف في العراق).
لقد حاول الشيخ عبدالستار جاهداً في بداية الأمر تبرير اختطاف الأجانب والعراقيين المتعاونين مع الأمريكان كنهج اضطرت إليه المقاومة لمواجهة المحتلين، وبما أن العراق محتل فمحاربة الاحتلال حق مشروع أقره الإسلام وبجميع الوسائل المتاحة حسب قوله. وبذلك فقد اضطرت المقاومة إلى تبني الاختطاف بسبب تعقيدات الوضع العراقي وأن الخطف يساعد على الحصول على المعلومات عن العدو..الخ وأن المسؤول عن الاختطاف ليس الذين يقومون به، بل المحتلون الأمريكان. ولكن الشيخ أدان اختطاف الصحافيين الفرنسيين والفتاتين الإيطاليتين. وحاول جهد الإمكان نفي أية علاقة بين هيئة علماء المسلمين وما يسمى بالمقاومة وجماعات الخطف رغم دفاعه المستميت عنها وإيجاد التبريرات لأعمالها. كما أنكر الشيخ أن يكون الكسب المادي (الدية) هو الدافع وراء الاختطاف أو أن الهيئة مستفيدة مادياً منه وتحدى كل من يستطيع أن يثبت ذلك بدليل مقنع!

ولما جاء دوري في الحديث عن الموضوع، أوضحتُ أن العلاقة بين هيئة علماء المسلمين والخاطفين باتت واضحة، بدليل أن أغلب المختطفين الذين تم إطلاق سراحهم كان بإجراء مفاوضات من خلال الهيئة المذكورة. كذلك دفاع أعضاء الهيئة عن هذه الأعمال وعدم قيامهم بإصدار فتوى أو بيان لإدانة واستنكار هذه الجرائم وحتى عدم إدانتهم لجريمة ذبح الرهائن النيباليين الإثني عشر والصحفي الإيطالي بالدوني وغيرهم كثيرون. أما إدانة هيئة علماء المسلمين لخطف الصحفيين الفرنسيين فجاءت لأن الرئيس الفرنسي جاك شيراك كان صديقاً حميماً لصدام حسين واستماتت حكومته في منع الحرب عليه. كذلك هناك أعضاء في الهيئة يعرفون حتى مكان المختطفين، مثل الشيخ مهدي الصميدعي الذي قال أن مداهمة اللطيفية تعرض حياة المختطفين الفرنسيين للخطر. وهذا دليل على أن الهيئة أو بعض أعضائها، على الأقل، على علاقة ومعرفة بالخاطفين.
كذلك من المستحيل علي وعلى أي شخص آخر أن يأتي بدليل على استفادة هذه الجهة أو تلك مادياً، فكيف لنا الإطلاع على أمور تجرى في غاية السرية والكتمان، ولكن هناك ما يشير إلى ذلك عن طريق المساومات حول حجم الدية التي تجرى بتوسط أعضاء هيئة علماء المسلمين بين دول أو شركات توظيف الرهائن وبين الخاطفين.
وفيما يخص الاحتلال، أوضحت رأيي أننا يجب أن نميِّز بين احتلال واحتلال. فهناك احتلال استعماري استيطاني الذي تجب مقاومته. وهناك نوع آخر من الاحتلال كالذي يشهده العراق قد حصل لصالح البلد والعالم ومن مصلحة شعبنا عدم مقاومته. وعليه فإني شبهت الاحتلال بالجرح، إذ هناك نوعان من الجروح: جروح قانونية يقوم بها جراح ماهر بطلب وموافقة المريض ولمصلحته لاستئصال ورمة سرطانية من جسده. والنوع الثاني من الجروح هو جروح جنائية كطعنة سكين من مجرم بغية قتله أو إيذائه.

وعليه فاحتلال العراق هو أشبه بعملية جراحية على يد جراح ماهر وبموافقة المعارضة العراقية السابقة ومعظم الشعب العراقي، كما بينت استطلاعات الرأي، وذلك لاستحالة تحرير العراق من شرور النظام القمعي البائد عن طريق قوانا الذاتية وحدها وبدون دعم خارجي. لذلك فإني أرى هذا "الاحتلال" هو تحرير لصالح العراق وشعبه. وعليه فمقاومته جريمة تلحق أشد الأضرار بالشعب. وهدف "المقاومة" هذه ليس إخراج قوات الاحتلال وإنما منع التحولات الديمقراطية وإعاقة بناء العراق. فأغلب الضحايا هم من العراقيين ومؤسساتهم الاقتصادية وهذه الجرائم لا يمكن أن تعجل في إخراج قوات متعددة الجنسيات بل تطيل من فترة بقائها.
أما كون قوات الاحتلال هي المسؤولة عن الاختطاف فقد ذكَّرت محاوري بحادثة تاريخية مفادها أن النبي محمد (ص) قال عن عمار بن ياسر بأن تقتله الفئة الباغية. وفعلاً قتل في معركة صفين على أيدي أتباع معاوية. ولما أُخبر معاوية بالحديث الشريف، أجاب بأن الفئة الباغية المسؤولة عن قتل عمار بن ياسر هي تلك التي جاءت به لهذه المعركة!!!! وقد زوق وعاض السلاطين ذلك لولي نعمتهم بطبيعة الحال. ما أشبه اليوم بالبارحة. فقوات التحالف التي حررت الشعب العراقي من أبشع نظام جائر في التاريخ هي المسؤولة عن جرائم القتل وذبح الرهائن الأبرياء التي يندى لها الجبين، وليست جماعات القتل من فلول البعثيين وحلفائهم الزرقاويين وغيرهم من الوافدين على بلادنا من خارج الحدود.
وتمنيت على محاوري أن يعمل من أجل انتصار صوت العقل على الجهلة الذين يدمرون بلادنا. فكما سأله مقدم البرنامج الدكتور عادل عوض فيما لو تستطيع هكذا مقاومة أن تعجل أو تعطل إخراج القوات الأجنبية من العراق؟ ويبدو أن الشيخ مقتنع بأن هكذا "مقاومة" لا جدوى من ورائها غير الضرر ولكنه لم يستطع البوح بذلك.

والجدير بالذكر أن الشيخ عبدالستار كان يختلف عمن اعتدنا عليهم من المحاورين الإسلاميين أو القومجية الذين يناصرون ما يسمى بالمقاومة. فهؤلاء غالباً ما يلجئون إلى الصياح وتخوين الآخر المختلف وإلغائه، إذ كان الرجل ملتزماً بأدب الحوار وبدا لي، أنه غير مقتنع بدفاعه عن الإرهابيين الذين سمّاهم بالمقاومة. إذ كان ذلك واضحاً عندما عرضت عليه أن يلعب دوره في إقناع زملائه أعضاء هيئة علماء المسلمين أن يقوموا بعمل إيجابي في إيقاف هذا النزيف ووضع حد لهذه الأعمال التخريبية بدلاً من التحريض على القتل والتدمير، وذلك بإصدار فتوى أو بيان يدينون فيه جميع أشكال الإرهاب والتخريب وزعزعة الأمن والاستقرار، وأن يدعوهم في المساهمة في البناء بدلاً من الهدم والقتل، تماماً كما قام آية الله العظمى السيد علي السيستاني في حل أزمة النجف وشارك مع عدد من رجال الدين الكبار في إصدار فتوى يدعون أبناء طائفتهم إلى عدم مقاومة الاحتلال في الوقت الراهن.

وما يدل على أن الشيخ عبدالستار غير مقتنع بما طرحه في بداية الحوار، إذ أنهى حديثه بتمنياته لإنهاء الأعمال التخريبية ودعا إلى استقرار الأمن وأن يعيش العراقيون بسلام وأمان. وبدورنا، مقدم البرنامج الدكتور عادل وأنا، قد شاركناه في تمنياته ودعوته تلك وأن المهم أن نقرن الأقوال السليمة بالأعمال السليمة التي تخدم شعبنا.

انقر على ما يهمك:
عالم الأدب
الفن السابع
المسرح
شعر
قص

ملف قصيدة النثر
مكتبة إيلاف