كتب الدكتور صالح بن سبعان مقالاً في (ايلاف 10/1/2005) بعنوان (مؤسسة الفكر العربي بين المثال واالواقع) كان فيه الشيء الكثير من التجني على ادارة "مؤسسة الفكر العربي". فابن سبعان امتدح من جهة فكرة اقامة المؤسسة ونُبل رسالتها، ولكنه من جهة أخرى هاجم اداراتها هجوماً تعسفياً غير موضوعي برأيي، وجاء هجومه ونقده السلبي لإدارة هذه المؤسسة في النقاط التالية، التي تتضمن أيضاً ردنا على هذه النقاط من خلال موقعنا من هذه المؤسسة كواحد من المشاركين في بعض نشاطاتها، وليس في ادارتها:

1- يشكك ابن سبعان في وظيفة هذه المؤسسة كحاضنة للفكر العربي وللمفكرين العرب. ويشكك في مقدرتها كمؤسسة ثقافية مدنية تستند في عملها المؤسسي على معايير الكفاءة والموضوعية. وابن سبعان في نقده السلبي هذا لا يذكر لنا مثالاً واحداً يستشهد به على صحة اتهامه، وانما يطلق أحكاماً عامة عائمة. فمؤسسة الفكر العربي التي انشئت قبل ثلاث سنوات فقط، وعقدت ثلاث مؤتمرات فكرية استطاعت خلالها وفي هذه المدة القصيرة من الزمن أن تجمع أطيافاً مختلفة من المفكرين والمثقفين العرب ذوي العطاءات الفكرية المختلفة. وهذه الأسماء مذكورة في كل كتاب صدر عن كل مؤتمر من هذه المؤتمرات . وقد أتاحت "مؤسسة الفكر العربي" لهؤلاء المفكرين والمثقفين المجال للتعبير عن أفكارهم بحرية تامة، ومن خلال سقف عال من ديمقراطية الحوار دون وجود خطوط حمراء أو سوداء. كما اتاحت "مؤسسة الفكر العربي" فرصة توصيل هذه الأفكار إلى صُنّاع القرار السياسي الذين كانوا يحضرون مثل هذه المؤتمرات، وتردم جزءاً من الهوّة بين المثقف والأمير، وهي الهوّة التي حاولنا ردمها منذ زمن بعيد، ولكنها ازدادت اتساعاً بسبب نفاق المثقف وطغيان الأمير. ولعل استعراضاً سريعاً لأسماء المفكرين والمثقفين والسياسيين الذين شاركوا في المؤتمرات الثلاثة التي تم عقدها منذ أن تأسست المؤسسة إلى الآن والجدل الثقافي والسياسي الحر والديمقراطي التي دار فيها خير دليل على ذلك. وهذا كله مما يتيح لمؤسسة الفكر العربي لأن تكون حاضنة من حواضن الثقافة العربية المعاصرة.

2- ينتقد ابن سبعان بطريقة غير مباشرة تقاعس "مؤسسة الفكر العربي" عن القيام بالاهتمام بالترجمة. ولا يعلم أن "مؤسسة الفكر العربي" سوف تنظم هذا العام وبالتحديد في (26-29 ابريل/نيسان) أكبر ملتقى للترجمة في تاريخ الثقافة العربية في بيروت، وهو "الملتقى العربي للترجمة" بالاشتراك مع اتحاد الكتاب العرب، واتحاد المترجمين العرب، ومعهد الدراسات والأبحاث للتعريب، والمنظمة العربية للترجمة، وغيرها من المنظمات العربية لترجمة عيون الفكر الغربي، وإقامة مسابقات للترجمة من أجل ذلك. ولو اطلع ابن
سبعان على موقع "مؤسسة الفكر العربي" على الانترنت لكان منصفاً ولعلم الكثير عن هذا الملتقي المهم والحيوي في الثقافة العربية المعاصرة. وهذا معيار آخر لمؤسسة للفكر العربي لكي تكون حاضنة حقيقية من حواضن الثقافة العربية المعاصرة، كما يطالب ابن سبعان، وكما ينكر هذا على "مؤسسة الفكر العربي".

3- لقد أقدمت "مؤسسة الفكر العربي" على خطوة ثقافية رائدة، وهي تشجيع الشباب المفكر والباحث، واحتضان هؤلاء الشباب، وتقديم الجوائز النقدية لهم وتكريمهم على ما قدموه من بواكير الأبحاث القيمة للفكر العربي والثقافة العربية. وفي مؤتمرها الثالث الذي عقد في مراكش في الأول من ديسمبر 2004، تمَّ التكريم والاحتفاء بعدد من الشباب المفكر الواعد. كما تمَّ نشر خمسة أبحاث قيمة لهؤلاء الشباب ضمن الكتاب الذي صدر عن المؤتمر الثالث، وضم كافة أبحاث المؤتمر والتي اعتقد بأن ابن سبعان لم يطّلع عليه بعد. وهذا معيار آخر لمؤسسة للفكر العربي لكي تكون حاضنة حقيقية من حواضن الثقافة العربية المعاصرة، كما يطالب ابن سبعان، وكما ينكر على "مؤسسة الفكر العربي".

4- يقارن ابن سبعان بين ما تقوم به "مؤسسة الفكر العربي" وما قامت به مؤسسات فكرية أخرى كمركز دراسات الوحدة العربية وغيره من المؤسسات. ولكن ينسى ابن
سبعان أن مركز دراسات الوحدة العربية - مثالاً لا حصراً - قد تأسس في بيروت 1975 أي منذ ثلاثين عاماً، في حين أن عمر "مؤسسة الفكر العربي" لم يتجاوز ثلاث سنوات. زيادة على ذلك فإن "مؤسسة الفكر العربي" _ على عكس المؤسسات الثقافية الأخرى - لا يدعمها مالياً أي نظام عربي، وانما هي تقوم على مبادرة تضامنية بين الفكر والمال الخاص العربي. ورغم قِصر عمر "مؤسسة الفكر العربي" حتى الآن، فقد قدمت خلال سنواتها الثلاث بما لم تستطع أن تقدمه مؤسسات مدعومة حكومياً وذات تاريخ طويل، وقامت أيضاً بما عحزت عنه كثير من وزارات الثقافة العربية ذات الميزانيات الضخمة والأعداد الكبيرة من الموظفين والمستشارين. وكنتُ قد اقترحت وطالبت في مقال سابق (المثقفون والطغيان في المؤتمر الثالث لمؤسسة الفكر العربي 12/12/2004) بحل وتفكيك وزارات الثقافة في العالم العربي، واعطاء أموال ميزانياتها لمؤسسات المجتمع المدني الثقافية كمؤسسة الفكر العربي وغيرها. فمثل هذه المؤسسات الثقافية المدنية أجدر بالمال المهدور من وزارات الثقافة العربية، وأكثر حرية منها على الحركة والتقدم واحتضان الثقافة العربية.

5- وأخيراً، فإن ابن سبعان يصبُّ جام غضبه المجاني غير المبرر على ادارة "مؤسسة الفكر العربي " لأن هذه الإدارة - برأيه - لا تُحسن اختيار المدعوين والمشاركين من المثقفين إلى منتدياتها ومؤتمراتها. ولكن نظرة واحدة سريعة ومنصفة إلى قائمة أسماء المفكرين والمثقفين المشاركين في المؤتمرات الثلاثة التي عقدتها هذه المؤسسة كفيلة بدحض ما يدعيه ابن سبعان، وتثبت له بأن المشاركين في هذه المؤتمرات هم طليعة حركة الفكر العربي والثقافة العربية من كافة الأطياف الثقافية والفكرية، اضافة إلى نخب كبيرة من السياسيين العرب والأجانب حرصاً من هذه المؤسسة على إسماع صوت الثقافة لآذان السياسة، لكي يتحقق الهدف المنشود من الخطاب الثقافي، ولا يبقى المثقفون يصرخون في وادٍ وينفخون في رماد، ويتحدثون لأنفسهم وما من مجيب أو حسيب. وهذا معيار آخر لمؤسسة للفكر العربي لكي تكون حاضنة حقيقية من حواضن الثقافة العربية المعاصرة كما يطالب ابن سبعان، وكما ينكر على "مؤسسة الفكر العربي".

***
وفي نهاية المطاف يبدو أن عدم دعوة ابن سبعان لأحد مؤتمرات "مؤسسة الفكر العربي" الثلاث السابقة هو سبب نقمته وسخطه على ادارة هذه المؤسسة التي أغفلته حتى الآن. ولكن ليطمئن ابن سبعان فما زال أمام هذه المؤسسة الطريق الطويل والشاق والمؤتمرات الكثيرة السنوية المتتابعة. ولا شك بأنه سيكون ضيف أحد هذه المؤتمرات مستقبلاً، فصبراً جميلاً، وعندها سوف يعود ابن سبعان نادماً على ما سبق وتجنى متسرّعاً، كما تسرّع وندم آخرون مثله من قبل. وسيعلم حينها ابن سبعان بأن "مؤسسة الفكر العربي" مثال جميل وواقع حي.

[email protected]