"سيرة رجل ووطن" خطأ.. "سيرة رجل.. سيرة وطن" صح

إيضاح بسيط للقراء أولا، وثانيا للسيد جاسم المطير الذي تنبه للخطأ (مسامير جاسم المطير) الذي ارتكبته "بنية طيبة" كما تفضل وكتب مشكورا، في عنوان مقالي المنشور في "إيلاف" 11/1/2005 وليس 11/1/ 2004 كما ورد في مقال السيد المطير سهوا.
السهو وارد، وجلَّ مَنْ لا يسهو. أعتذر للقراء الكرام، وللسيد جاسم المطير عن السهو الذي ورد في عنوان مقالي الذي تناول سلسلة المقابلات التي تجريها قناة الفضائية "العربية" مع رئيس الحكومة العراقية المؤقتة الدكتور أياد علاوي تحت عنوان (سيرة رجل ووطن) وكنت قد كتبتُ هذا العنوان بدون شعور (سيرة رجل .. سيرة وطن) لقناعتي التامة إن العنوان يجب أن يكون كذلك. عدتُ إلى الورقة التي كنت أسجل فيها ملاحظاتي وأنا أتابع الحلقات فوجدتُ أنني كتبت جميع الملاحظات تحت العنوان الرئيس الذي تظهر به الحلقات على الشاشة: (سيرة رجل ووطن) ‍فلماذا كتبتُ العنوان في مقالي (سيرة رجل.. سيرة وطن) ؟

أظنُّ أنني فعلت الصواب من دون شعور؛ لأنه مجرد صواب. وأتفق تماما مع تصويب السيد جاسم المطير. إذ أن الذي وضع هذا العنوان "سيرة رجل ووطن" لهذه السلسلة من المقابلات مع السيد أياد علاوي لم يكن مصيباً، ولا أذهب بعيدا مع افتراضات السيد جاسم المطير كونها مقصودة و"مفربكة" من قبل المنتج أو غيره. لا يوجد في تقديري ما يدل على هذا الافتراض الصعب سواء بالنسبة للسيد أياد علاوي أو من قبل معدي البرنامج. مثل هذا الإدعاء "الخطير" لا ينطلي على المشاهد العراقي العادي فكيف بساسة مخضرمين، ومثقفين حساسين، ومشاهدين متمرسين يعرفون "البئر وغطاه" كما يقول العراقيون؟ مع ذلك أقدم شكري الجزيل للانتباه الذي تفضل بها السيد جاسم المطير حول العنوان الخطأ ـ الصواب.

أود لفت انتباه السيد جاسم المطير حول ما تفضل به من مصادر (خارجية) تثبت علاقة حزب البعث العراقي مع المخابرات المركزية الأمريكية منذ الخمسينيات حتى سقوط صدام. لم يكن المقصود في ما ورد في مقالي تلك المصادر (الخارجية) من روس وأمريكان وغيرهم، فضلا عن المصادر الحزبية العراقية المناوئة لحزب البعث على الساحة العراقية. كان قصدي الواضح "وشهد شاهدٌ من أهلها"، أي بعبارة بسيطة أن يشهد بعثي عراقي من الرعيل الأول أو الرعيل الثاني أو الثالث بهذه العلاقة التي ربما يخال للبعض عدم قيمتها السياسية والتاريخية في تكوين ذهنية الشعب العراقي، وبالتالي الشعوب العربية في جميع أرجاء الوطن العربي، لما لها من دلالة تؤشر على عمق الخديعة والنفاق السياسي والعقائدي الذي غش به حزب البعث العراقي تلك الجماهير العربية من المحيط إلى الخليج. ولا زال الكثير من العراقيين والعرب من يصدق مثل هذه الأكاذيب للأسف الشديد. تلك الشعارات الرنانة التي اخترعتها الصهيونية والمخابرات الغربية للإيقاع برموز النضال القومي العربي الحقيقيين، وهذا ما تحقق لهم بشكل أو بآخر. وذكرتُ في المقال أسماء لبعثيين عراقيين قدامى كنت آمل أن يذكروا تلك "الحقائق" التي يعرفها جيدا السيد جاسم المطير مثلما أعرفها أنا أيضا والكثير من أبناء الشعب العراقي.

لا يجوز تصوير الأحداث التي تجري الآن في العراق كونها "فيلم" مخرج ومنتج حسب رغبات الساسة. أنا أنظر لها باعتبارها "حقائق" طالما هي تُعرض علينا هكذا. يبقى التقصي والبحث والإدلاء بشهادات مغايرة هو الفيصل والطريق الصحيح للوصول إلى الصواب والتصويب. وليس الاكتفاء بالتلميح "إننا نعرف كل شيء". أما الآخرون فهم مجرد ممثلين لا غير.

يوجد بعض الالتباس في إدانة السيد جاسم المطير وتشككه بكل ما تفعله الحكومة العراقية المؤقتة برئاسة الدكتور أياد علاوي، بالرغم من أنه يقبل على مضض اعتبارها "مرحلة انتقالية نحو الديمقراطية". لا ندري ماذا نريد من هذه الحكومة ونحن لا نجرؤ حتى على الذهاب والتواجد على الساحة الحقيقية في بغداد وفي العراق ككل متذرعين بشتى المخاطر والنرجسية بينما يخوض أفراد هذه الحكومة التي نتندر عليها بالطرافة و"قص الشعر والتجميل في كوريا الشمالية" في الوقت الذي نقبع فيه في مراتعنا البائسة في الغرب نلعب بأقلامنا ودفاترنا البيضاء النظيفة وشاشات الكومبيوتر التي تجسد "عظمتنا"؟ يوميا أجلد نفسي معنوياً، وتجلدني روحي بلا رحمة لأنني لا أستطيع الذهاب إلى العراق والاشتراك في هذا المعترك الجهنمي حتى لو لقيت حتفي هناك. لستُ أحسن من الآخرين من أبناء الشعب العراقي. لكن تصور المشهد الرهيب: ليس هنالك من حزب "تقدمي" أنتمي إليه فعليا رغم انتمائي العاطفي له، ولا جهة "دينية" أحبذ الانضواء تحت لوائها، ولا حركة "علمانية" خاطبتني كمغتربٍ مضى عليه ربع قرن يكتب ويقرأ ويتزوج ويفرخ خارج العراق. أستطيع السخرية من كل رموز المعارضة العراقية التي تعمل الآن وفي هذا الظرف الحرج والدقيق من تاريخ العراق الدموي، لكنني أطأطئ رأسي احتراما لهم، احتراما لأصغر نفر فيهم من غازي عجيل الياور حتى أبسط عضو في الحزب الشيوعي العراقي ممن قفل راجعا إلى الديار. حاربنا بالقلم والإعلام وهزئنا من صدام حسين وزمرته الخسيسة عندما كانوا بأوج قوتهما الفارغة المجوفة، لكنها الفاعلة على صعيد الأجرام والقتل والمكائد والاغتيال. ولم تثبط عزيمة قلمنا رغم جميع المخاطر التي يعرفها جيدا السيد جاسم المطير. من بيروت ودمشق ودول أوربا التي يُقتل الفرد المهاجر فيها كما تُقص قلامة أظفر. الخيبة كبيرة، وفي الحين الذي نتمتع به بنرجسية معينة كـ "كتاب ومثقفين"، هجرنا الأحزاب طوعا، لكن على الأحزاب المسؤولة، التي يجب أن تتمتع ببعد النظر، عليها إلا تهجرنا وتناظرنا بالنزق كما الأطفال عندما يزعلون وحين يتراضون. ليس الحل الأكيد بالنسبة لي على الأقل أن أترك ارتباطاتي العملية وأسرتي وبعض المسؤوليات المترتبة على عاتقي لكي أدور في شوارع بغداد باكيا على الأطلال. يجب أن أتوفر على عملٍ وعلى دورٍ ومجالٍ مهما كان بسيطا لكي أمارس واجبي تجاه وطني. هذا الأمر الذي يجب يجعلنا أقل حدة في تقييم الآخرين ممن يخاطرون بحياتهم لأنهم يمتلكون الدافع والمهمة والدور. وإذا تفجرت فيهم القنابل ورصاص الاغتيال الغادر والجبان فسوف يذكرهم التاريخ على الأقل.
مرة أخرى أوجه جزيل شكري للسيد جاسم المطير على ملاحظته، وكدت أتبع نصيحته بقص شعري الطويل، لكن حمدا لله تبين فشل النظرية الكورية على ذقنه الذي يحلقه باليوم مرتين.