يتضح من يوم إلى آخر، أن الضغينة التي يحملها بعض المثقفين العرب، إزاء العراق جد كبيرة ولن تزول أبدا.. إذ يبدو في نظرهم أن الشعب العراقي ارتكب جريمة كبرى في تحرير نفسهمن أعتى نظام قمعي؛ نظام صدام الذيكان يمثل البنية الأساسية لسيرورة الكتابة العربية. بل كان يغذي نسغ الخطاب البنيوي لهذه الكتابة العربية. وآخر تجليات هذه الضغينة هي هذا التكالب، في الآونة الأخيرة، من قبل عدد من الأدباء العرب على توقيع نداءات الافراج التي تعودها مجتمع المشهد الغربي؛ نداءات غالبا ما تكون الفرنسية منها خصوصا، فرصة للتنفيس عن المشاعر العدائية الفجة لكل ما هو أمريكي... مشاعر نابعة من عقدة نقص عميقة.
فها هو "الاتحاد الدولي للكتاب يوجه نداء للافراج عن الصحافية الايطالية جوليانا سغرينا التي خطفت في بغداد، بعد شهر على اختفاء الصحافية الفرنسية فلورانس اوبينا". ويعتبر الاتحاد الدولي في بيانه الصادر اليوم السبت هذا ان "الهدف من عمليات الخطف هذه هو إسكات الأصوات الحرة في عراق تسوده الفوضى والاشاعات. واذا لم نحترس فلن يبقى في العراق سوى صحافيين يعطون الحقيقة المنبثقة من رؤية المحتلين". هذا ما جاء في وكالة الأنباء الفرنسية.
إذن الشعب العراقي، المدنيون العراقيون، الكتاب والمثقفون العراقيون المتواجدون في بلدهم، ما هم بأصوات حرة، فـ"الأصوات الحرة" الوحيدة هي هؤلاء الصحافيون الأجانب. وبالتالي وكما اعتبر هذا البيان، ومن دون أي لبس، ان كل الصحافيين العراقيين ما هم سوى عملاء وظيفتهم اعطاء "الحقيقة المنبثقة من رؤية المحتلين".ومن هنا عج البيان بتوقيعات أسماء عربية لم نرها على أي بيان يدين الإرهاب وعمليات القتل وبالتالي عمليات الخطف في العراق؛ أسماء بعضها كان ينتفع علنا من نظام صدام الدموي: كجمال الغيطاني. ومن بين الأسماء العربية الموقعة نجد محمود درويش وأدونيس والى آخر المتوسلين الشهرة لا بسبب عمل حقيقي وإنما كرعايا عانوا الكولونيالية والاستعمار!.
أتفهم موقف محمود درويش، شاعر المقاومة الفلسطينية، فعذره مرسوم في صلب عمليته الشعرية: أية إدانة لعمليات الإرهاب الإسلامي والعربي هي إدانة ضمنية لهذه المقاومة التي انتجته شاعرا. كما أن القطيعة الشعرية مع خطاب اتضحت بربريته (كخطاب ما قبل حرب اسقاط نظام صدام) تحتاج إلى هذا الذي يكون في مستواها السامي: الجرأة على إلقاء، في مزبلة التاريخ، جل ما كتبه، قبل أن يُلغى من ذاكرة التاريخ ككلام عابرٍ رديء.
أما عجوز الحداثة أدونيس فلعبته واضحة: المجازفة مع ضمان الراحة. فتراه يرقص في كل ملهى عل جائزة نوبلينتشلها من جيب كاتب منغمر في إشكاليات حقيقية.. يتلسّن بكل شيء إلا بالجوهر. وهو أعرف العارفين بأن الجوهر في كل عمليات الإرهاب هذه والاختطافات وإشاعة الفوضى في العراق، هو: النظام السوري. على أن للمسيح الدجّال دوما حجة خلاص: فمثلا، تحجج، قبل أسابيع في مقاله الأسبوعي لجريدة الحياة وبمحاضرة في العفاف (الرحمة على تقي الدين سعيد) بأنه رفض أن يوقع بيان اطلاق سراح فرج بيرقدار، لأن البيان اعتبر بيرقدار شاعرا، وفي نظر أدونيس بيرقدار ليس بشاعر ويجب ان تحذف كلمة شاعر، وان يُدافَع عنه كإنسان. غير أن الذي يعرف من هم الشواعير الذين يعتبرهم أدونيس شعراء، يضحك ويضحك بألم من هذه الطريقة التملصية التي لا غرض لها سوى تبييض وجهه أمام السلطة السورية،سلطة ليس هناك أثر واحد لأدونيس ضدها. أما لماذا لم يوقع بيان "الشفافية" (الذي وقعه معظم المثقفين السوريين خارجا وداخلا)... فهذا أمر ربما في محاضرة عفاف أخرى، تتحفنا قريحته بسسب "معقول"!
لو كان لهؤلاء توقيع على بيان واحد يدين عمليات الإرهاب الدامية التي لا غرض لها سوى تفويت فرصة حياة مستقرة وحرة آمنة على الشعب العراقي، لكانت هناك مصداقية في دعوتهم هذه لإطلاق سراح الصحافية الإيطالية، وبالتالي إطلاق سراح كل إنسان مُختطف في أي مكان كان.
لكن..
نعم! لكن "في الوجوه الساكتة، ثمة لسان لا يكف عن الكلام، فلو قطعته ورميته في مزبلة النسيان لظل يتحرك ويتحرك إلى أن يتلقفه هذا النظام"* من هنا يجب ان ندير ظهرنا عن بؤسوية كذَاب؛ قطاع طرق في جرداء الحياة العربية اللاحياة!
ملاحظة: لا أعرف لماذا لم يكن بين لم الشمل هذا أسماء سعدي يوسف، عالية ممدوح، شوقي عبد الأمير...
صفعة لمن يعرف الجواب!
* الفقرة هذه اختطفت عن (وليست مأخوذة من) دوستويفسكي!
التعليقات