قدمت حكومة السيد إياد هاشم علاوي خدمات كبيرة للشعب العراقي، من الصعب التنكر لذلك، طبقا لمبدأ التعامل النسبي مع الأشياء والوقائع، فقد أعادات العراق إلى الحظيرة العربية والدولية، وساهمت في إسقاط الديون الأجنبية بنسبة كبيرة، وخلقت معادلات أمنية جديدة، وكان الرجل حركة نشطة، لم يكل ولم يمل، وكان عند كلمته بأجراء الانتخابات في موعدها المقرر، ولم يتنازل للإرهابيين، وبذل جهود كبيرة لحل مشاكل الفلوجة والنجف عن طريق الحوار والتفاهم والنقاش، ولكن كان هناك تعنت وعناد من بعض الأطراف مما أدى إلى تلكم النتائج المؤسفة، ولم يترك العراق في وقت الأزمات الحادة، بل بقي مرابطا، ينزل للشارع، يتفقد المؤسسات الحيوية، يفتتح المشاريع الطيبة. هذه حقائق يجب الإقرار بها، وأعطائها حقها من التقييم والتثمين، وسوف نعود إلى لغة المطلق السياسي، واللغة المجردة في التعاطي مع الأشياء والظواهر أذا أغفلنا هذه المنجزات. ولكن لا يعني هذا ان حكومة السيد إياد هاشم علاوي كانت مثالية، ولم ترتكب أخطاء، بل وأخطاء كبيرة.

كان الخطأ الأول في تصوري يتمثل في استعانته بزمر من ( البعثيين ) الكبار في الوزارات والمفاصل الحساسة بالدولة، كالمخابرات والأمن، معللا ذلك بأن هؤلاء لم يرتكبوا جرائم بحق الشعب العراقي، أو ممن لم تتلطخ أياديهم بدماء هذا الشعب، ناسيا أن هذه الزمر تعودت خيانة شعبها بفعل كونها ربيبة نظام خائن أستمر في الحكم أكثر من ثلاثين سنة، فهو نسي التاريخ، وأكد على الظاهر فقط ! الخطأ الثاني الذي ارتكبه السيد رئيس الوزراء المؤقت هو الانفتاح على الأردن بمساحات خيالية من العائد الاقتصادي على عمان، دون الأخذ بنظر الاعتبار مصلحة الشعب العراقي بشكل عام، وهو يعلم بما يعانيه العراقيون داخل الأردن بالذات، مواقف ظالمة من بعض المحسوبين على الشعب الأردني والحكومة الأردنية تجاه العراقيين المتواجدين هناك، وليس سرا، أن الأردن كان ممن وقف إلى جانب صدام حسين سابقا، ومن الموردين للإرهابيين إلى العراق الجديد، وتفيد بعض الأخبار والتقارير أن المافيات الأردنية متورطة بعمليات تهريب واسعة من وإلى العراق، فضلا عن أن بعض تصريحات الحكومة الأردنية كانت تصب في الطاحونة الطائفية، ورغم كل هذه المفارقات بقيت حكومة السيد علاوي صامتة، الأمر الذي أثار حفيظة الشعب العراقي بشكل عام . الخطأ الثالث الذي أرتكبه السيد رئيس الوزراء يتمثل في عدم معالجة التسيب في التصريحات التي كانت تصدر من بعض وزرائه، بالشكل الذي أساء إلى قطاعات واسعة من أبناء الشعب العراقي، بل كانت بعض التصريحات تتسم بالسذاجة السياسية والدبلوماسية، وكان من واجب رئيس الوزراء أن يضع حدا صارما لمثل هذه الفوضى في التصريحات، التي جلبت قلق بعض دول الجوار، وقلق الملايين من أبناء الشعب العراقي، بل لا أبالغ إذا قلت أن هذه التصريحات تركت أثرها السلبي على قائمة السيد إياد الانتخابية. الخطأ الرابع الذي وقع به السيد إياد هو أعطائه ظهره لقوى شعبية ضاربة الجذور في عمق الشعب العراقي، ولها ثقلها السياسي والثقافي والاجتماعي، أقصد التيار الإسلامي العراقي، وهو تيار يضم أحزاب وشخصيات وجمعيات وعلماء وتجار وطلاب وموظفين وعسكريين، فهل كان مستهينا بهذا الوجود الضخم ؟ لا أريد الدفاع عن هذا التيار لأني أنتمي إليه بشكل عام، ولكن أقول كان على الأخ علاوي أن يلتفت إلى هذه الحقيقة، ويتعامل معها بموضوعية وعلمية، ولكن السيد علاوي تجاهل ذلك للأسف الشديد، كان الأولى به أن يمد يده لهذا التيار المهم، المهم تاريخيا وحاليا، فكريا وواقعيا، هذا التيار قوة، كان الأجدر بحكومة السيد علاوي أن تستعين به على الكثير من المهمات، إنْ على الصعيد الأمني، وإنْ على صعيد الوظائف الحساسة في الوزارات ذات الطبيعة السيادية، خاصة وهو تيار يضم كوادر علمية وتقنية كثيرة ومخلصة، وكان الأجدر بالسيد علاوي الدخول مع هذا التيار بحوار مفيد وعميق عن بعض الأشكاليات التي هي محل أخذ ورد بين الطرفين. وكان الخطأ الخامس الذي وقع فيه علاوي وتاليا حكومته هو إهمال الجانب الإعلامي، كان الشعب لا يدري ما يحصل، وكان الشعب يتطلع إلى سماع إعترافات الإرهابيين، ورؤية صورهم، ولكن دون نتيجة، رغم وعود قطعت في ذلك بين الفينة والفينة، وكان الشعب يريد معرفة ما يجري في الفلوجة والنجف، يريد أن يعرف ما تقوم به الحكومة من إنجازات، يريد أن يعرف المقصرين والضالعين في تخريب البلد، ولكن دون جدوى للأسف الشديد، الأمر الذي شدد من الحاجة إلى قنوات فضائية كانت تعمل ليل نهار على تقويض الأمن العراقي. وكان الخطأ السادس هو التساهل مع حالة المحسوبية والمنسوبية التي أنتهجها بعض الوزراء والموظفين الكبار !

أن الشعب العراقي يتساءل اليوم، ماذا لو جاء السيد علاوي مرة ثانية إلى الحكم ؟ ماذا لو شكل الوزارة الجديدة ؟ هل سوف يستمر بالاستعانة بزمر البعث المنحل ؟ هل سوف يستمر بتجاهل التيار الإسلامي العريض ؟ هل سوف يستمر على موقفه المحابي لحكومة الأردن وبعض الأردنيين المنتفعين ممن يعبثون بالاقتصاد والامن العراقيين ؟ هل سوف يستمر على إهماله التيار الإسلامي الكبير،وهو التيار الذي أثبت جدارته ؟ هل سوف يستمر على إنتهاج مثل هذه السياسة الإعلامية الباهتة ؟ هل سوف يتخذ ذات الموقف البارد من المتلاعبين بقوت وأموال الشعب من الموظفين الكبار؟

أعتقد أن السيد علاوي مدعو إلى مراجعة سياسته بشكل عام، قبل أن يدخل حلبة التنافس على منصب رئاسة الوزارة، الدكتور إياد هاشم علاوي رجل سياسية متمكن، قوي، حصيف، يمكنه أن يدخل الحلبة السياسة بجدارة، ولكن ينبغي مراجعة ما سبق. والى اللقاء بحلقة قادمة بإذن الله تعالى.