مستقبل العراق بين الوجود والعدم (11)

هذا السؤال يجب أن تطرحه الحكومة الجديدة على نفسها وهي تعالج الملف الأمني الذي أتفق الجميع على أولويته في مهام أي حكومة عراقية آتية ، لسبب بسيط، ذلك أن لإيران أطماعاً في العراق، أطماع كبيرة، أطماع خطيرة، والوضع الأمني داخل العراق يتأثر بهذه الأطماع بشكل وآخر، ولكن ما هي مفردات هذه الأطماع يا ترى؟

أولاً وقبل كل شيء، إن إيران تسعى لجعل العراق ساحة مواجهة مع أمريكا، فإيران وأمريكا على خلاف، والخلاف جذري، فهناك السلاح النووي الإيراني، وهناك تحفظات أمريكا القوية على حزب الله اللبناني المرتبط بإيران، ثم أن إيران ترى أن أمنها القومي في خطر مادام السلاح الأمريكي النشط على مقربة منها، فكان من تخطيطها أن تحارب أو تشاغب أمريكا على أرض العراق، كما حاربت أو شاغبت سوريا أمريكا وإسرائيل على أرض لبنان، وهذا هو الذي كان، والضحية هو الشعب العراقي للأسف الشديد، ومن الطبيعي أن تجتهد إيران في أساليب وصيغ هذه الحرب، ولكل مرحلة أسلوبها الخاص، والفكرة مستمرة، والعمل في طريقها مستمر . ثانيا أن إيران تفكر جديا باحتكار المرجعية الدينية الشيعية فيها، إيران لا ترتاح لمرجعية قوية في العراق، وترى في آية الله العظمى السيستاني خطرا مرجعيا منافسا، وبعد سقوط نظام صدام حسين أطَّردت حظوظ المرجعية السيستانية بالامتداد والانتشار، ليس على مستوى المقلدين وحسب، بل على مستوى النهج من العمل السياسي، فالنهج السيستاني لقي ترحيبا وتفهما من قبل الكثير من شيعة العالم، وهذا ما يقلق القيادة الإيرانية . ومن ثم تطمح إيران أن تكون لها اليد الطولى في العتبات المقدسة، تريد أن تتولى وحدها اعمار هذه العتبات، وبيدها مقاليدها ومصيرها، وفي العراق الجديد يوجد توجه شيعي يرفض هذه الوصاية، هذا التوجه يؤكد على عراقية هذه المراقد، يطالب أن يكون أعمارها عراقيا، وإدارتها عراقية، ويرفض كل تدخل إيراني على هذا الصعيد، ومن ثم تطمع إيران أن يكون لها تواجد اقتصادي مكثف في العراق، خاصة في المدن المقدسة، هذه فرصة ذهبية للإسهام في تنشيط الاقتصاد الإيراني .
هذا مجمل عن الأطماع الإيرانية في العراق، ولها جنودها وعملاؤها وأموالها ورجالها في العراق، من الشيعة والسنة، من الدينيين والعلمانيين، من المرتشين والمتوهمين، من المدنيين والعسكريين، من الحزبيين والعاديين.

النتيجة التي نخرج بها من هذه الحصيلة أن إيران خطر على الأمن العراقي الداخلي، وهل ننسى خطبة الشيخ رفسنجاني التي قال فيها أن على الشعب العراقي أن يستميت في مقاتلة الامريكان حتى لا يفكروا في غزو بلد أخر ؟ وهل ننسى تصريح الشيخ مشكيني الذي قال فيه : لا مانع أن يموت نصف الشعب العراقي لأجل طرد المحتل ؟ وهل ننسى خطبة علي خامنئي ــ المرفوض رفضا قاطعا من الشعب الإيراني ــ التي مجد فيها ( شباب الفلوجة الشجعان )؟ وهل ننسى تصريح وزير الخارجية الإيراني الذي قال فيه : نعم، نحن نملك نفوذا في العراق ؟ وهل ننسى قول مسؤول إيراني بان وجود نفوذ لا يعني بالضرورة التدخل في الشؤون الخارجية ؟ وهل ننسى تصريحات نصر الله الرنانة التي خاطب فيها الشعب العراقي يدعوه للثورة ؟ وهل ننسى جموع اللبنانيين المتشحين بالأكفان البيض موحين للعراقيين بالتمرد والثورة على العدو؟ يبدو أن هناك إدراكاً واضحاً من بعض السياسيين العراقيين الكبار لهذه الحقيقة، ففي أول تصريح له ذكر السيد الجليل أبو احمد الجعفري بأن من أهم أوليات حكومته التي من المأمول أن تتشكل ــ بإذن الله تعالى ــ هي معالجة تدخل بعض دول الجوار في الشأن العراقي الداخلي، وقد جاء تصريحوه الكريم في سياق الكلام عن الوضع الأمني في العراق باعتباره المهمة القصوى .ونعتقد أن الخطوة الأولى في معالجة هذه القضية ليس مخاطبة إيران، هذا عمل دبلوماسي، بل الخطوة الفاعلة هي شل حركة هذه البؤر الإيرانية في العراق، أي الأحزاب الجديدة الوهمية التي خلقتها إيران، القيادات والشخصيات المرتبطة بإيران، مصادرة الفنادق التي أشترتها إيران في النجف وكربلاء والكاظمية، طرد الإيرانيين المتواجدين في العراق الذين يوزعون الأموال ويدفعون الرواتب هنا وهناك .

إن هذه الأجندة الإيرانية سوف تكون في مقدمة العاملين على عرقلة عمل الحكومة الجديدة إذا وجدت فيها حرصا حقيقيا على استقلال العراق، على حفظ الشخصية العراقية، إيران سوف تتعب الحكومة الجديدة، تتعبها في مطالبها، تتعبها بواسطة رجالها الموجودين في العراق، تتعبها بما سوف ترفد العراق من متسللين، ومتسولين، سوف تنهك إيران الحكومة الجديدة، والخطوة الأولى تكمن في شل هذه البؤر، تعريتها للناس، كشف حساباتها المالية في طهران، كشف علاقاتها مع هذه الجهة المخابراتية أو تلك في إيران، وأي تسامح مع هذه البؤر سوف يساهم في عرقلة مسير الحكومة الجديدة خاصة إذا كانت هذه الحكومة مطعمة بنكهة (إسلامية) !على أن هناك عنصرا أساسيا ينبغي الاستفادة منه في معالجة الموقف الإيراني، ذلك هو المرجعية الدينية الشريفة،فكما أنها وقفت إلى جانب الشعب العراقي مشكورة في تحقيق السلام الاجتماعي، وفي أنجاح الانتخابات ، هي مدعوة إلى مناداة الشعب الإيراني للأخذ على حكومته بعدم التدخل في شؤون العراق، وأن تكف عن محاولاتها للتسلط على شيعة العراق، واستخدام شيعة العراق خاصة رأس حربة في مواجهة ومشاغبة أمريكا . كما أن ممّا يساهم في لجم هذا التدخل والتخريب أن يرفع المثقفون العراقيون صوتهم معترضين، محتجين، ثم على العارفين بهذه الحقيقة أن يكشفوا عنها، عليهم أن لا يخونوا شعبهم العراقي، ولا يتنكروا لإسلامهم ومذهبهم فيتسترون على من يقبضون الرشا من إيران، ويستلمون رواتبهم من إيران، ويتعاطون صفقات العقار مع المخابرات الإيرانية، ويتصلون باستمرار برجال هذه المخابرات، ويعطون ولاءهم الروحي للسيد علي خامئي، تقليدا، وتفانيا، مما يستتبع خيانة حتمية للتراب الوطني، وللشيعة على وجه الخصوص .إضافة لذلك على العارفين بحقائق الأمور أن يكشفوا عن الممارسات الظالمة التي مارستها ألحكومة الإيرانية بحق العراقيين في إيران، وكيف أن هذه الحكومة حرمت العراقيين هناك من كل حقوقهم، بل مارست معهم مهنة الموت والقتل والاضطهاد، فإن مثل هذه المقتربات تساهم ولو بنسبة متواضعة بمواجهة هذه السياسة الإيرانية .
أعود وأقول أن إيران بأطماعها في العراق تشكل خطرا على الأمن الداخلي العراقي، والمهمة الأولى للحكومة الآتية أن تعالج هذه القضية جذريا، وشل الأجندة الإيرانية داخل الأرض العراقية هي الخطوة الأكثر أهمية هنا، والحمد لله رب العالمين، وإلى اللقاء في حلقة قادمة بإذن الله .