إنها أقرب ما تكون إلى إعلان إبراء الذمة: يعلن الشيخ عبد المحسن العبيكان أن ستار أكاديمي حرام. لذلك لزم التنويه وشكرا). هذه خلاصة المقال الذي نشره الشيخ عبد المحسن العبيكان يوم أمس وبدا فيه متجهما متهجما على (الاستاريين) وأشياعهم ومن بايعهم وصوت لهم ولف لفهم. موضحا أن الخزي والعار والشنار والسخف والتفاهة كلها اجتمعت حيث وقعت الواقعة (الاستارية).

عبد المحسن العبيكان الشيخ الجديد تماما بكل ما تعنيه هذه الصفة حين تطلق على شيخ سعودي. هذا الذي ملأ الدنيا وشغل الإعلام والناس وبات علما على الفكر الجديد الذي يحسب الوقائع ويقرأها وفق سياقاتها الحقيقية. دون أن يتناقض مع أركان هذا الحكم الفقهي أو ذاك. فالعبيكان لم يحرم الجهاد أو يقول بانتهاءه وإنما قال بأن ما يحدث في العراق ليس جهادا وكان له في ذلك من الأدلة العقلية والشواهد التاريخية ما يعم رأيه.
كان الجديد في ذلك الرأي أن الذي قال به شيخ محسوب على التوجهات التقليدية والراديكالية في مثل هذه المواقف والتي لا تقيم اعتبارا إلا للمنقول ولا تعترف بالظرف أو بالمصلحة إلا في حدود ما يعم توجهها ورأيها. وكلنا يعلم كم تعرض الشيخ العبيكان للأذى ووقع غوغاء وجهلة كثر فيه وفي عرضه ولعله قد احتسب ذلك عند الله الذي يدافع عن الذين آمنوا. لكن الشيخ بعد أن انتهت القضايا الكبرى.. اتجه إلى قضايا المشترك ليس بين الفقهاء فقط... وإنما بين شرائح كبرى من الناس ترى في ستار أكاديمي وغيره كثيرا مما قاله الشيخ.
العبيكان الذي فاته من الثناء الشيء الكثير لا يمكن أن يعيده. على حساب المتفق عليه. فالذين بالغوا في أذيته لا يمكن أن يقرأوا مقالته هذه إلا على غير ما يريد الشيخ.
إضافة إلى أنه لم يعد من وقت الآن لتأتي إلى ما اتفق الناس على حله وتقوم بتحريمه لتوصف بأنك غيور. ولا مجال للعودة إلى مناطق المتفق عليه فقهيا لتقول بما هو مخالف للسائد.

إنها ( زنقة ) فقهية. اتجه الشيخ معها إلى الشائع والمؤثر. وهو يعلم أن أحدا لن يخالفه. وإلى وكأنه تقديم دليل على نياته الحسنة وأنه لا يزال ابنا بارا بالمدرسة الفقهية التقليدية التي رأت في آرائه السابقة عقوقا يؤكد ذلك أن الاستدلال الأول في مقال الشيخ كان إحالة إلى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء. ثم يقول الشيخ: إني أنبه أبنائي الشباب الذين قد يغترون ببريق الشهرة فتدفعهم أنفسهم إلى المشاركة في ذلك البرنامج وما ماثله أن يعلموا أن تلك الأعمال فوق ما تشتمل عليه من المحرمات من الاختلاط والخلوة بالنساء. وتعاطي الأمور المنكرة معهن. فإنها أيضاً من خوارم المروءة. وليس ما يشرف به المرء. أو يرفع رأسه بين أهله ومجتمعه. فوجب الحذر من ذلك.. ).
الجميع يعلم أن هذه لم تعد لغة الشيخ في يوم من الأيام. فالفطر(السليمة)تكفيه قول مثل هذا القول. ولكن الحديث عن المتفق عليه لا يمكن أن يحمل لغة جديدة لكنه يحمل غرضا جديدا وفائدة لفرد لا فائدة لأمة. خاصة وأن زمان الصورة لا يعترف بالقيمة وفق هيئتها التقليدية. فيما أن لأي أن يتحدث عن ترشيد هذه الفعاليات الجديدة لكي يجد من يصغي إليه.

ويضيف: ( ينبغي على وسائل الإعلام الجادة والصحفيين العارفين بشرف مهنتهم أن يترفعوا عن سفاسف الأخلاق. فإن الانحراف ليس له حد. وإذا أرادوا مجاراة الآخرين فليس لذلك منتهى. ولذا ينبغي أن يلاحظوا شرف مهنتهم. وأن يقدموا للناس ما ينتفعون به في دينهم ودنياهم. وقد عجبت كثيراً من بعض الصحفيين الذين راحوا يمجدون هذه الأعمال والمشاركين فيها. وما علموا أن أخلاقيات مهنتهم تحتم عليهم تجنب هذه السقطات الأخلاقية. بل وتلزمهم بتوعية الناس حيالها. والتحذير من التأثر بها).

طبعا التصورات التقليدية للفقه والحكم لا تقيم وزنا للجماهيري ولا الشائع وإنما تظل تدور في دوائرها هي وتحارب الجماهيري وتحرمه حتى ينفض عنها ليتحول الحكم الفقهي في يوم ما إلى شئ أشبه ما يكون بدروس النحو والصرف التي تتحدث عن قواعد الكلام فيما لا يلجأ إليهم أحد ليعرف كيف يتحدث.

لكن يبدو أن التنوير الفقهي لا زال مواقفا لا ذوات. لأن ما جاء في حديث الشيخ العبيكان تجه إلى ملايين الناس في السعودية وإلى أضعافهم في الخارج. والشيخ نفسه لا يمكن أن يصف كل هؤلاء بأنهم فسقة أو من عديمي المروءة خاصة وأن قاعدة فقهية غائرة تقول بأن الأمة لا تجمع على باطل. أما وقد أجمعت على باطل فإن الحديث عن العمومي بصيغة الفردي أمر يهدد الخطاب الفقهي قبل أن يهدد المستفيدين منه. فإذا بقيت تتحرك أمام الملايين بأن كلهم على خطأ فستتجاوزك الملايين وتترك تصنيفاتك لك

وحين ينصح الشيخ الإعلاميين والصحفيين ويمهرهم قاعدة ذهبية بأن الانحراف لا حد له. فهو لم يزد على قول عامة الناس الذين يريد الشيخ أن يعود إليهم بعد أن فقدهم وفقدوه إبان ليالي الفلوجة الطويلة. فعاد إليهم على سجادة مغزولة من المعجم الذي يستطيرون به فرحا ويطيرون إليه ابتهاجا

إن الشيخ بحاجة دائمة إلى مقال يومي وآخر سنوي وثالث موسمي لأن قنوات الأغاني التي أكثر جمهورها من السعودية لا تكف عن مثل هذا الداء الذي لا يجاريها فيه ستار أكاديميي. وإن عشرات من الشباب السعودي يتهيأ الآن للاشتراك في مثل هذه المسابقة. الجميع يعلم أن رؤوسهم ليست خالية مما اقله الشيخ فليس بجديد عليهم أن الغناء محرم فهم عامرون بهذا الحشد التحريمي منذ صغرهم ولكنهم ذاهبون.
أكاد أجزم أن الشيخ لا يعلم أيضا أن عدد السعوديين والسعوديات الذين تقدموا لبرنامج سوبر ستار في دورته الأخيرة كان قد تجاوز الألفي متقدم من مختلف مناطق المملكة. ومحلات بيع الأشرطة الغنائية تملأ الشوارع والأطباق التي لا تجد معها موضع قدم على كل أسطح المنازل. والسعوديون الذين يمثلون أكبر زبون لرسائل الـsms. والهيئات الجديدة للشباب والشابات والاهتمامات الجديدة، كلها أمور تؤكد أن أبوابا كثيرة لا يمكن إقفالها بفتوى خاصة حين تكون تكرارا لما هو معلوم وراسخ.

الشيخ الذي يمتدح الاتصالات السعودية لأنها لم تفتح باب التصويت نسي أن يقرعها على فتحها كلل الأبواب الأخرى. ولم يتساءل أيضا عن جدوى ذلك المنع وما إذا كان استطاع أن يحد من تدفق ( المنكر). لأن امتداح ما لا جدوى له أشبه بالتصفيق في صحراء مقفرة.

إن هذا المد الجديد لا يمكن أن يقف حتى ولو ظهرت دور للفتوى تبدأ هواتفها بالرقم 700