هل أزمة تشكيل الوزارة العراقية برئاسة الدكتور إبراهيم الجعفري مفتعلة، أم تلقائية ؟، الجواب قطعا نعم مفتعلة. ومن قراءة مجريات الأحداث وما يتسرب من أخبار من هنا أو هناك يؤكد الرأي القائل بترابط كل مجريات الأحداث التي تحصل على الساحة العراقية التي تصب جميعا في خانة إفشال التحالف الشيعي الكوردستاني بتأليف الوزارة المرتقبة، وبالتالي تراكم المزيد من المشاكل اليومية لعموم الشعب العراقي لكي يثبت أعداء الديمقراطية أن لا بديل عنهم وعن حزبهم الفاشي الذي هو وحده من يضبط الأمن ويسوق الجميع كالماشية أمامه. وخطأ قائمة الائتلاف الشيعي إنها أعطت منذ البداية تنازلات جمة على حساب ما سمته خطئا بـ (حكومة وحدة وطنية). وخرجت بدون داع عن الطريقة المألوفة للأحزاب التي تفوز بالأغلبية على حساب المبدأ الخاطئ السابق. ووضعت قوى بعثية وشوفينية اسلاموية معروفة التوجه سلفا رئيس الوزراء المنتخب الجعفري في زاوية حرجة نتيجة تلك التنازلات، لتحمله بالتالي نتيجة التأخير في تشكيل الحكومة المرتقبة، ومن ثم تلقي باللوم عليه في كل ما يقوم به بعثيو أياد علاوي ممن زج بهم من جديد في الساحة السياسية العراقية وداخل مفاصل الدولة العراقية بحجة حاجة الدولة لكفاءاتهم وخبراتهم السابقة وكأن الشعب العراقي عقيم إلا من القتلة البعثيين ورجالهم المجرمين، مما جعل الدولة العراقية ساحة لصراع المصالح والإرادات الشخصية والحزبية والطائفية الضيقة.
علاوة على الموقف المتعمد للقوات الأمريكية المحتلة في إهمال جانب امني مهم، وهو ملاحقة الإرهاب القادم من خلف الحدود، والقضاء عليه بواسطة التعاون الجاد بين الحكومة والشعب، فقد كانت تقوم في الأول بإطلاق سراح كل من يتم إلقاء القبض عليه بالجرم المشهود، وتتركه طليقا ليعود إلى سابق إجرامه بعد أن أمن العقوبة، وبعد ذلك قامت وبشكل مكشوف بتركهم في المواقف والسجون وعدم الإسراع في محاكمتهم وعلى راس قائمة الإرهاب مجرمي حلبجة والأنفال واهوار العراق والمقابر الجماعية من أعوان صدام حسين، وصدام حسين نفسه. ويعود السبب الأساسي لتمنع الأمريكان من تنفيذ حكم الشعب بالقتلة لترديدهم نغمة فجة غريبة لا تتطابق وحال من قتل مئات آلا لاف من العراقيين ألا وهي تطبيق المبدأ الديمقراطي، ولكن على الطريقة الأمريكية .
وتأتي حجج الائتلاف الشيعي واهية ضعيفة، وهي (تتغنى) بالوحدة لمن يقوم علنا بقتل الأبرياء وذبحهم على رؤوس الأشهاد وتدمير ممتلكاتهم، وحماية القادمين من خارج الحدود وتقديم كل الدعم المادي واللوجستي لهم باسم (المقاومة). وكان الأجدر إهمال تلكم العناصر التي تحرض على القتل والتخريب، وتأليف الوزارة العراقية من العناصر الوطنية التي كان لها دور بارز في مقارعة الديكتاتورية والإسهام بفضحها وتعريتها لا التوسل بأعداء الديمقراطية، وعناصر الشر الممولة من أموال العراقيين المسروقة والمخطط لها من قبل مخابرات دول الجوار. وما الحادث الأخير في مدينة المدائن سوى دليل حي على النية المبيتة لبقايا الدكتاتورية لفرض أجندتهم الخاصة على ممثلي الشعب العراقي الذين انتخبهم الشعب لكي يحققوا له ما تمنوه لا ما يريده رامسفيلد ورجال البيت الأبيض الذين أوصوا برجالات البعث خيرا عند زيارة رامسفيلد الأخيرة لبغداد.
ثم إن ما يثير العجب ما يقوم به الجزء الآخر من الائتلاف الكوردي الذي أراد فرض شخصية لا قيمة لها ولا وزن مثل مشعان الجبوري لأن الأخير كان وقبل سقوط الدكتاتورية يمدح كاذبا ليل نهار احد أطراف القيادات الكوردية، في طريقة معروفة لكل ذي بصيرة لكي يتسلق من جديد دفة السلطة هو ومن على شاكلته من رجال البعث الغابر، ويلعب الآن نفس اللعبة السياسية المكشوفة بحجة حفظ حقوق فئة عراقية مهضومة.
لذا فإن مقولة (إن الجعفري لا يعرف ماذا يريد) تنطبق عليه الآن تماما في الجو المشحون بالقتل والدمار اليومي المتعمد لفئة عراقية معينة بينما الدكتور الجعفري ينتظر أن يرضى عنه من يخططون لأولئك القتلة والمجرمين. ويبقى الخاسر الوحيد من بين كل اللاعبين شعبنا المظلوم المسكين الذي يعاني من البطالة والإرهاب وسوء وندرة بعض الخدمات الضرورية، وسط هلع وخوف دائميين من الإرهاب والإرهابيين الذين يحاول الائتلاف الشيعي استرضائهم للمشاركة في الوزارة المقبلة.

فيينا - النمسا