قد تساعد التقنية الجديدة التي تلتقط نشاط الجينات الميكروبية، بأية لحظة معيٌنة، علماء الجينات في أبحاثهم . ويتقصى الباحثون البريطانيون السالمونيلا، بكتيريا التسمّم الغذائي، ويعتقدون أيضاً أن التقنية الجديدة قادرة على معالجة المصابين بها. كما هي مناسبة خصوصاً لأن الدراسات حولها تتزامن مع أكثر من 350 حالة إصابة ببكتيريا السالمونيلا، في المملكة المتحدة، في الشهور القليلة الماضية، التي تتابع تفشّيها ثانيةً. وعلى ما يبدو، يأتي العامل المشترك في حوادث الإصابة بها من أكل الخس، ويتحرى علماء الأبحاث الغذائية في معهد نرويش عن نظام الجينات المسؤول عن قدرتها الخاصة بالالتصاق بالنظام الهضمي. وتتمسك بكتيريا السالمونيلا جيداً في سطح النبات وتبقى في حالة جيدة جداً لأننا نأكل السلطات النيئة. ولذا، يهدف العلماء إلى استيعاب نظام الجينات المولٌد منها.

وبواسطة التقنية الجديدة، ميّزَ الباحثون الجينات التي تُنشّط عندما تُصيب بكتيريا السالمونيلا أنواع مختلفة من الخلايا البشرية. كما شخّصوا أيضاً التغييرات في جينات جرثومة تدعى Shigella عندما تتسلل إلى الخلايا البشرية. يجدر بالذكر أن جرثومة Shigella مسؤولة سنوياً عن حوالي 165 مليون حالة زحار في البعض من أفقر دول العالم، وتقتل أكثر من مليون نسمة، أغلبهم من الأطفال. ويمكن أن تؤدي التقنية إلى تطوير محفظة جديدة من اللقاحات والمضادات الحيوية لمكافحة جمهرة من المسببات الباثولوجية. أما فرق البحث الأخرى حول العالم فتتحرى عن التغييرات في لمحات سيماء الجين المتعلقة بمسببات باثولوجية مهمة أخرى، مثل المغص والبكتيريا المسؤولة عن السل.

ويلقي البحث ضوءاً هاماً على متطلب ضروري لنجاح المسبب الباثولوجي وهو قدرته على التكيّف بسرعة عبر العديد من الحالات المرضية العدائية. وتصل بكتيريا السالمونيلا، على سبيل المثال، أولاً إلى حوض المعدة الحامض، عندما تُبتلع، ومن ثم تُدفع إلى بيئة المعي الدقيق، الدافئة والخالية من الأوكسجين. وفيما بعد، تدخل إلى بطانة خلايا القناة الهضمية، حيث توجد كمية صغيرة من السكّريات والمعادن، تتطلّبها بكتيريا السالمونيلا عادةً. بعدئذٍ، تحتاج الخلية الجرثومية إلى تعديل آليتها الخلوية الداخلية، فوراً، لمناسبة ظروفها، منتجةً بالتالي الإنزيمات الجديدة لتمكينها من أكل سكّريات الجسم بالإضافة إلى تجميع جهاز نقل جديد يسمح لها بالتغذي من العناصر الضرورية، في بيئتها المحيطة. ويُشفر هذا الجهاز الخلوي عبر الجينات فعندما يعمل الجين تُصنٌع البروتينيات الجديدة في الخلية. ولذا، تكشف التغييرات في لمحات سيماء الجين عن مدى تكيٌف البكتيريا مع بيئتها الجديدة. ومنذ زمن بعيد، أراد علماء بيولوجيا الجراثيم مراقبة نمط تعبير الجين في البكتيريا، عندما تصيب الخلية.

على أية حال، اعتبر الأمر صعباً جداً، حتى السنة الماضية. ويقيس العلماء نشاط الجين بالنظر إلى مستويات جزيئة "الساعي" المطابقة، المعروفة باسم RNA. فكلما زاد نشاط الجين، يزداد إنتاج هذا النوع من الجزئيات.
وتزول جزئية RNA الجرثومية خلال بضع دقائق، ما يجعل رصدها في لحظة معينة مسألة صعبة. لكن العلماء ابتكروا طريقة بسيطة نسبياً لإيقاف هذه الجزئية مؤقتاً والحصول على لقطة فوتوغرافية عن تعبير الجين. كما اكتشفوا أن نسبة عالية جداً من جينات البكتيريا تبدو متورطة في إمراضنا. وبالتعاون مع علماء معهد سانجر في كامبريدج، اكتشف علماء معهد نرويش أن %25 من جينات بكتيريا السالمونيلا البالغ عددها 4.850 جين بالإضافة إلى %25 من جينات Shigella البالغ عددها 4.434 جين تعمل أو تتوقف عن العمل متى تصيب البكتيريا الخلايا البشرية.

وبعد أن ميّزَ العلماء الجينات التي يمكن أن تلعب دوراً هاماً في آلية العدوى، يتطلع الباحثون إلى خلق نسخ تحولية مجهرية، أُزيلت بعض الجينات منها بشكل انتقائي. وعندما تُكتشف واحدة أو أكثر من هذه الجينات، عبر عملية التغيير، يمكن للعلماء عندئذٍ أن يروا ما إذا كانت البكتيريا "هي" المسببة في المرض، وإلا، فإنها قد تُشكّل قاعدة اللقاح. وبدلاً عن ذلك، يمكن لمنتجات بروتين الجينات أن تثبت المفتاح إلى آلية العدوى ولربما يكون من الممكن تطوير عقاقير جديدة تستهدف هذه البروتينيات لمنع الإصابات الباثولوجية.