أحمد منصور: إذا كان التعليم والصحة هما العلامتان البارزتان فى بيان مستوى الشعوب والأمم فإن الوضع الصحى للعرب يعتبر كارثة، وذلك من خلال التقرير الأخير لمنظمة الصحة العالمية والذى من المقرر أن يناقشه وزراء الصحة فى 22 دولة هى دول أعضاء إقليم شرق المتوسط فى المنظمة فى الدورة الحادية والخمسين للجنة الاقليمية لمنظمة الصحة العالمية وذلك بحضور المدير العام للمنظمة الدكتور لى يونغ ووك فى القاهرة فى الفترة من 3 إلى 6 أكتوبر الجارى.
التقرير الذى يقع فى 186 صفحة من القطع الكبير والذى عكفت عليه يومين يضم حقائق مذهلة حول أوضاع الايدز فى تلك البلدان التى من بينها ثلاث دول غير عربية هى باكستان وإيران وأفغانستان حيث يشير التقرير إلى أن عدد المصابين بالأيدز فى الاقليم يصل إلى 700 ألف مصاب بينهم 55 ألفا أصيبوا خلال العام 2003 .
وأن عدد الذين توفوا جراء الأصابة بالمرض عام 2003 يصل إلى 45 ألفا، أما عدد وفيات الأطفال فيصل إلى مليون ونصف المليون طفل سنويا يمثلون 8,13 % من مجموع وفيات الأطفال فى العالم حيث تبلغ نسبة وفاة الأطفال دون سن الخامسة فى السودان 8% واليمن والعراق والصومال 7% ومصر 5%.
أما نصيب الفرد من الناتج المحلى الاقليمى فهو الأدنى عالميا حيث من المتوقع ألا يزيد عن 3,1 % وهذا له انعكاساته ـ دون شك ـ على الأوضاع العامة والصحية للسكان مما جعل نسبة الأصابة بالاضطرابات النفسية تصل إلى 10 % من عدد البالغين وقد ثبت أن النساء اللائى يعانين من الاكتئاب ضعف عدد الرجال.
أما مشكلة التدخين فإنها فى حد ذاتها كارثة كبرى حيث رصد التقرير مئتين وستة وعشرين مشهدا فى مئة فيلم مصرى تروج للتدخين على أنه رجولة وتأمل وتدليل دافئ وانفعال وتوتر وغضب، وكيف أن مثل هذه المشاهد لها دورها فى ارتفاع نسبة المدخنين فى الدول العربية حيث يحتل لبنان النسبة الأكبر بين المدخنين المنتظمين الذين تزيد أعمارهم عن خمسة عشر عاما حيث وصلت نسبتهم إلى 41 % من عدد السكان يليه الأردن 30% ثم سوريا 26% .
ثم قطر 25 % ثم تأتى الدول العربية بالتتابع بعد ذلك، وهذه مؤشرات خطيرة فى ظل تصنيف منظمة الصحة العالمية للتدخين على أنه نوع من الأدمان وربما تعود أسباب هذا التفشى للأدمان إلى إشارة التقرير بأن التثقيف الصحى بما فى ذلك المناهج الدراسية فى المدارس لا يحظى بأى أولوية فى بلدان الأقليم وأغلبها دول عربية.
وهذا بطبيعة الحال يؤدى إلى سلوكيات وأنماط فى الطعام والشراب تزيد من نسبة السمنة التى تصل فى بعض الدول إلى 63 % بين النساء البالغات لكن هذا بطبيعة الحال ليس دليل صحة وعافية وإنما دليل سقم ومرض حيث لا تزال أمراض نقص الأغذية مثل فقر الدم وعوز الحديد يصيب النسبة الأكبر من السكان.
ومعظم الأصابات تتركز فى النساء والأطفال والمراهقات، كما أن إهمال صحة الفم والأسنان أدى إلى ارتفاع نسبة الأسنان المسوسة والمفقودة والمحشوة بين الأطفال فى سن الثانية عشرة بشكل كبير بسبب إهمال التثقيف الصحى الوقائى وتركيز الجهود على صحة الأسنان السريرية.
هذه الصورة يعكسها مدى الاهتمام بالانفاق الصحى على الانسان فى العالم العربى فالمواطن الصومالى الذى لا تزيد نفقاته الصحية فى العام عن أربعة دولارات أنى له أن يجد بدنا معافى مثل بلده الذي يعاني منذ بداية العقد الماضى من حروب ودمار، لكن المواطن البحرينى أو الاماراتى أو الكويتى أو القطرى فإنه لا شك يجد رعاية صحية أفضل حيث يصل نصيب الفرد سنويا من الانفاق الإجمالى على الصحة حوالى سبعمئة دولار.
لكن دولا مثل مصر أو سوريا أو لبنان أو المغرب فإن المواطن يعانى فيها لأن متوسط نصيبه من الانفاق الصحى العام يزيد قليلا عن خمسين دولارا، وهذا يفسر أشياء كثيرة تعكسها السياسة.
فالوضع الصحى هو انعكاس للوضع السياسى فى البلدان، والجداول والدراسات والإحصاءات المنشورة فى تقرير منظمة الصحة العالمية لا تقودنا فقط إلى فهم وإدراك الوضع الصحى لكل دولة عربية وإنما تعكس أيضا بنسبة كبيرة الوضع السياسى فى تلك الدول فعافية الناس على قدر عافية النظام السياسى.














التعليقات