لم أستغرب أبداً أنّ رواية الكاتبة الأردنية نورما خوري (جريمة شرف) التي ادّعت الكاتبة أنها قد ارتكبت فعلاً في الأردن برهنت أنّ أحداثها ملفقة ولكن بعد أن وزع الكتاب في 15 دولة و بيع منه حتى الآن أكثر من 250 ألف نسخة في استراليا و أضعاف هذا العدد في أوروبا و الولايات المتحدة ذلك لأن الجوّ العام المعادي للعرب و المسلمين يشجّع أي تشهير بالثقافة العربية و يروّج لها تحت مسميّات جذور الإرهاب و مكافحته و صدّ خطره عن الغرب. إنّ ظهور الأخبار التي تتهم العرب و المسلمين يومياً بالإرهاب في الصحف و الفضائيات الغربية و التشكيك في نواياهم و إلصاق صفة الإرهاب بهم لمجرد أن سحنتهم سمراء أو أنهم يتكلمون اللغة العربية و نسج عبارات مثل: قتل عربي متهم بأنه كان ينوي القاء قنبلة أو قتل ناشط كان يخطط للقيام بعمل عنيف و تقبل القراء لمسببات القتل هذه كلّ هذا يري ازدياد حدة المواقف العنصرية حيال العرب - مسلمين و مسيحيين- في الولايات المتحدة و أوروبا بحيث أصبحت عبارة Islamic terror أوArab terror الإرهاب الإسلامي أو الإرهاب العربي جزءاً من القاموس اليومي للصحف الأجنبية و حتى لمفردات بعض الساسة الغربيين الذين يدّعون تصاعد معاداة السامية و يتجاهلون الموجة الجديدة الخطيرة من معاداة السامية الموجهة ضد العرب كشرقيين و التي تهدّد بأن تكون القنبلة الأخطر في القرن الواحد و العشرين التي تهدّد أمن العالم و استقراره و ربما سلامته.
وإذا أخذنا نماذج عشوائية مما يصدر في الغرب نرى مثلاً أن الورقة البحثية التي قدمتها مجموعة بيرتلزمان البحثية في ميونيخ عن الاتحاد الأوروبي في عام 2004 و التي ناقشت مسألة الحدود حذرت من دخول المجرمين والإرهابيين الدوليين و من ضمنهم الإرهاب الإسلامي و تمّ تصوير المجتمع الأوروبي كمجتمع متلقٍ للإرهاب مع عدم اعتبار المسلمين هناك جزءاً من المجتمع الأوروبي بل الإبقاء على هويتهم كمسلمين و إرهابيين محتملين دائماً.
وفي دعوة شارون يهود فرنسا للهجرة إلى إسرائيل تنفيذاً لسياسته العنصرية ليس ضدّ الفلسطينيين فقط الذين يُهَجَّرون من أرضهم و ديارهم كي يحلّ محلهم مستوطنون و لكن ضدّ المسلمين في فرنسا حيث يصرّح أنّ اليهود لا يمكن أن يكونوا آمنين مع تنامي عدد المسلمين في فرنسا و في هذا تشويه للإسلام و المسلمين و عنصرية يجب ألا تكون مقبولة لأي إنسانٍ عاقل. و في النرويج أثار رئيس الحزب التقدمي النرويجي كارلي هاغن جدلاً سياسياً في أوسلو بعد مهاجمته المسلمين بكلماتٍ لاذعةٍ خلال تجمّع لأصدقاء إسرائيل في مدينة بيرنمن و وصف المسلمين بأنهم مثل هتلر الذي يقود النازية في أوروبا. و حين زار الشيخ القرضاوي لندن تمت إساءة تفسير و تشويه كل ما قاله مع أنه كان يدعو إلى الحوار و التآخي بين الأديان فقد اتهم بإثارة الكراهية و تعالت الأصوات لقطع زيارته و عدم السماح له بإكمالها و لم يكن الشيخ القرضاوي هو هدف الحملة الإعلامية المستمرة طوال زيارته بل ربط صورة المسلمين بالعنف و الإرهاب و التخلف. و في اليونان أثيرت ضجة هائلة ضد السماح للمسلمين ببناء مسجد لتأدية فريضة الصلاة فيه بحيث صرح المسلمون أن وجودهم و هويتهم في خطر نتيجة الحملة التي تنتقل في أوروبا ضدهم كانتقال النار في الهشيم.
وفي الإطار ذاته يأتي اختلاق شابة فرنسية لرواية تعرّضها لاعتداءٍ معادٍ للسامية بُرهِنَ أنه محض اختلاق و لكنّ هدفه كان إثارة أكبر كمية من الكراهية للعرب في وقتٍ يتابع فيه كل الفرنسيين الاحتفال بذكرى الثورة الفرنسية وايجاد انطباعات ليس من السهل محيوها من الذاكرة خاصة أن المرأة ادعت أن عرباً اعتدوا عليها ظناً منهم أنها يهودية و ذلك لتثبيت أكذوبة معاناة اليهود على أيدي العرب في وقت يعبث شارون بحياة الفلسطينيين و أرضهم و ديارهم و حقوقهم. و مع أنّ الرئيس شيراك اعتبر لاحقاً أن هذه القضية مؤسفة إلا أنها تدلّل على حجم التخطيط و الكذب لتشويه صورة العرب و المسلمين. و مع أن معظم الاتهامات التي توجّه للطلبة العرب في الولايات المتحدة بأنهم يساعدون شبكات إرهابية تفتقر إلى أي برهان و تتم تبرئة معظمهم من أي تهمة مع ذلك فإنه يتم ترحيلهم و كأنهم إرهابيون و تشويه سمعة الطلاب العرب هناك كما حدث مع الطالب السعودي سامي الحصين و المترجم السوري و عشراتٍ غيرهم يتابعون دراستهم و حياتهم العائلية الطبيعية و إذ بهم يساقون إلى السجون بتهمة مساعدة منظمات إرهابية حتى أصبح عمل الخير ممنوعاً و مساعدة اليتامى والمحتاجين تهمة لا خلاص منها.
وحتى محترفو الموسيقى لم ينجوا من تهمة الإرهاب و أثيرت ضجة تثير الاشمئزاز ضد فرقة موسيقية سورية تزور الولايات المتحدة لأن طاقم الطائرة اشتبه بدوافع المسافرين و أنهم يستخدمون الموسيقى للتخطيط لأعمالٍ إرهابيةٍ و نشرت الواشنطن تايمز سمومها المعتادة ضد العرب المسافرين رغم تأكيد المتحدث الأميركي دين بويد أنه لا توجد أدنى دلالة لربط هؤلاء الموسيقيين بالإرهاب أو بالإرهابيين. وكانت جريمتهم الوحيدة هي أنهم يتكلمون العربية مع بعضهم وملامحهم شرق أوسطية. لقد قال لي صديق يعيش في أوروبا أنه لم يعد يتجرأ على قراءة صحيفة عربية في الميترو لأنه قد يواجه بنظراتٍ أو حتى كلماتٍ لا تسرّ الخاطر. إذا لم يكن كل هذا موقفاً عنصرياً فما هو تعريف العنصرية إذاً؟؟
وتنشر الدولة العنصرية تقارير عن قلقها من تنامي عدد المسلمين في أوروبا وكأنّ هؤلاء المسلمين ليسوا أوروبيين ويشوّه التقرير حقائق اندماج العرب في المجتمعات التي يعيشون فيها وإغنائهم لهذه المجتمعات بمهاراتهم وحضارتهم و يتهمهم بالقوقعة داخل مؤسسات اثنية ودينية خاصة بهم وهو ما لم يعرفه العرب خلال تاريخهم. إذ أنّ الانفتاح والتعايش هما السمتان اللتان ميزتا العرب حيثما حلّوا و أينما أقاموا.
أما أن تطلق صفة عربي أو إسلامي على الإرهاب فهذا ما يتناقض مع كلّ الإرث الحضاري و السياسي لأوروبا و الغرب عموماً. فلم يصف أحد يوماً أعمال الجيش الجمهوري الأيرلندي بأنه إرهاب كاثوليكي أو أيرلندي و لم يصف أحد أعمال منظمة الإيتا بأنها إرهاب اسباني و نتيجة ذلك تعميم صفتها على الاسبان و لم يصف أحد أعمال مجموعة بدرماينهوف بأنها إرهاب ألماني أو بروتستانتي بل وصفت هذه المجموعات بأسمائها دون تعميم صفة الإرهاب على الدين الذي يعتنقه هؤلاء أو على الجنسية التي يحملونها. فلماذا يتم تعميم صفة الإرهاب على العرب و المسلمين حتى و إن افترضنا أن بعض من نفذوا عمليات إرهابية ينحدرون من أصلٍ عربي أو يدينون بالدين الإسلامي؟؟ إن تنامي موجة الحقد و الكراهية ضد العرب و اختلاق الأكاذيب التي توصمهم بالعنف و الإرهاب بدايات مقلقة جداً تذكر بما جرى في منتصف القرن الماضي و تضع العرب جميعاً في خانة الضحايا المحتملين إذا لم يتنبهوا لهذه البوادر المقلقة و يعالجونها بكل تصميمٍ و اقتدار. إنّ المعلومات التي تبث يومياً عن العرب و المسلمين تفتقر إلى أدنى درجات الصدقية و سيكون من السهل دحضها إذا ما توافرت الإرادة و الخطة و الإيمان بضرورة فعل ذلك?