قرأت في الصحف ان المثقفين العرب، المدعوين الي معرض فرانكفورت للكتاب سيقرأون نصوصهم تحت خيم منصوبة للغاية. انا مدعوة الي معرض فرانكفورت وبدأت اشعر بانحسار رغبتي الي تلبية الدعوة، بعد قراءتي لخبر الخيمة تلك. انه الخبر عن الخيمة فحسب، ما صد نفسي عن المشاركة، ليس التمثيل السياسي الاحادي، ولا الطابع الاشهاري الفولكلوري، ولاعدم التكافؤ في اختيار الاسماء، ولا غياب الانشطة المركزية في الفن العربي، ولا تجاهل الحلقات الدراسية عن مفكرين عرب، ولا الندوة المتمحورة حول الادب النسائي ولا اغفال المبدعين الذين يكتبون بلغات الغرب.
هو خبر الخيمة لا غير، ولي في ارفضاضي عن الخيم اسبابي وعلاّتي. لا اعرف من دعاني وزكّاني وسمّاني لا ناقة لي ولا جمل في دعوتي. وبما ان لا ناقة لي ولا جمل، فلا حاجة للذهاب الي خيمة فرانكفورت خالية الوفاض. ثم انني اعاني فوبيا الخيم، وفوبيا المناسف وفوبيا الصحراء. طبعا المانيا ليست صحراء. لكن ان تكون خيمة نقرأ تحتها، يجدر ـ منطقيا ـ ان يكون محيطها متصحرا والا لماذا الخيمة؟ ثم لو عنّ للالمان يوما زيارتنا في بلداننا العربية، هل نعمر لهم بدورنا، بيوتهم الالمانية الجميلة ونفرش خضرتهم الحادقة في قلب صحرائنا.
ماذا سيفعل نصي الحداثي المشغول تحت خيمة فرانكفورتية؟ ماذا ستفعل نصوصنا الجميلة الممتلئة بالاخر المفتوحة علي ثقافات العالم، الراغبة الي الحرية والانسانية قاطبة تحت خيمة منصوبة في فرانكفورت ينهال عليها ثلج تشرين الغربي، في مفارقة هي المهرجان بعينه. تأبي فرانكفورت وسواها، الظن بأننا غادرنا خيمنا منذ زمن طويل، ومددنا يدا وسعها، وقلبا ابيض، وعقلا متفتحا.
اية خيمة، وهل يحل رمضاننا عندهم فيكرموننا بسرادق تتسع الي ما لا نهاية، ام هي فكرتهم الأزلية عنا؟ افكر في هذه اللحظة برتل المثقفين معا في خيمة واحدة يوشك الضحك والقهر ان يقتلهم. ثم ان في فكرة الخيمة ما يستدعي ماعزاً في جوارها، وسوف يسعني بالطبع، اصطحاب معزتي صبحة تكون بديلة عن قطتي السيامية فلافي . اترك قطتي في بيروت واصطحب معزتي السوداء ترعي كلأ الالمان خارج الخيمة.
ثم اي خطاب نسائي هذا الذي اقرأ في حماه، واي سوء فهم أزج فيه؟ من الذي افتي بالعنوان العبقري تقرأ الشاعرات والروائيات والمبدعات خطابهن المجتهد تحت ظله؟ ولماذا، والخيمة تستدعي هذا التدبير، لا نذهب بثياب الجواري، فتقر عيون الالمان ويهدأ بالهم. لا الخيمة فضائي ولا الأدب النسائي مطرحي ومرتعي لمّا سعيت عمري الي تنقيح فكري وقلبي ونصي ليأتي انسانيا شاملا يتجاوز جنس الكاتب وينشد فيض الحرية.
لابد ان وراء فكرة الخيمة عربي مغتر بأفكاره، اعان الالمان علي ما بدا لهم مشرفا. هل يتم ترويضنا حتي قبل ان نذهب الي فرانكفورت؟ هل هي غوانتانامو ثقافية هذه المرة؟
أقسم بالغالي والرخيص بأنني لم أنسف البرجين الامريكيين.
كما لست من تقف خلف تفجير السفارات ودك المؤسسات ونعف سكك الحديد ونثر الجمرات الخبيثات، وليس في نصي ما يحرض علي الاخر الغربي، يقتله ويقطع رأسه.
فكرة الخيمة هي ما وشوش به احد الاعراب في اذن الالمان، الا اذا انتهت ان تكون فكرة المانية بحتة، معنية بخراب هذا العالم، وخراب ناسه وابراجه واسمنته، ومحاولة المانية بريئة، للبدء من جديد في فضاء رومانسي نقي، تنسدل تحته خيمة رقيقة حانية، هي عنصر اطمئنان وحيد، يمثل ما زال في هذا الهامش البائس من العيش.
لو صحّت الفكرة، في الخاصية الاخري للخيمة، اذ ذاك تنبثق القراءة الحقيقية في فرانكفورت من حدي التطابق والتناقض لكل مبدع، من دون الشــــواهد الخالصة التي تزينها الوساوس.
القراءة في خيمة فرانكفورتية، فيما يعنيني انا علي الأقل، لكي تبدو قابلة للاستخدام، ينبغي ان تكون فكرتها المركزية، المتماسكة والمحسوبة لحضورنا في المانيا، هي نفسها، فكرة كل منا علي حدة، الشخصية والخاصة، عن عالمنا العربي وخيمه، وعن حصتنا في الفضاء الكبير.