أقدمت الحكومة التونسية على مبادرة تستحق الاهتمام عندما خصصت جانبا واسعا من الاجتماعات السنوية التي عقدتها لرؤساء البعثات الدبلوماسية التونسية في الخارج لتقويم مدى تنفيذ مقررات القمة العربية. وهي مبادرة مهمة لأكثر من سبب. انها تسهم في ازالة الانطباعات السلبية التي احاطت بالموقف التونسي حيال عقد مؤتمر القمة العربي خلال شهر مايو/أيار الفائت. فعندما اتخذت الحكومة التونسية قرارا مفاجئا بتأجيل القمة الى اجل غير مسمى، ومن دون تقديم مبررات مقنعة، اثارت العديد من المخاوف لدى الاوساط العربية المعنية، وأفضت الى الاعتقاد بأن تونس انضمت الى الذين يرغبون في الخلاص من القمة العربية. المبادرة التونسية الاخيرة تبدد هذه الانطباعات وتدل على ان تونس مهتمة بالحفاظ على القمة بل على تطويرها.


- انها خروج محمود ومطلوب عن اسلوب اتخاذ المقررات التي تبقى من دون تنفيذ ومن دون ملاحقة ومتابعة. ولقد بات هذا الاسلوب معلما من معالم العمل العربي الجماعي حيث تصدر المؤسسات العربية الاقليمية المئات من المقررات وتتبنى مثلها من المشاريع دون اية متابعة.

- ان التقويم لم يتطرق الى تنفيذ المقررات المتعلقة بالقضايا العربية الساخنة مثل قضيتي فلسطين والعراق فحسب، بل تطرق ايضا الى “مقدار التقدم في تطوير منظومة الجامعة العربية وتوسيع هياكلها وتعزيز العمل الاقتصادي والاجتماعي العربي المشترك”.

والاهتمام بهذه القضايا الاخيرة لا يقل اهمية، على الاطلاق، عن متابعة تطورات الاوضاع في فلسطين والعراق. انه، بالعكس، مدخل سليم الى بحث قضايا التحرر من الاحتلالات الاجنبية واستعادة السيادة العربية المنقوصة، فكل تطوير للنظام الاقليمي العربي وتعزيز لقدراته وطاقاته، يرتد ايجابا على مساعي التحرر واستعادة السيادة.

عملية المراجعة لنتائج مؤتمر القمة هذه قابلة ولا شك للتطوير، فحبذا لو أعلنت تونس نتائج التقويم الذي أجراه الدبلوماسيون التونسيون، ولعل هذه النتائج تظهر في تقرير دوري يصدر عن رئاسة القمة فيسهم في مأسستها وفي تطوير علاقتها مع الرأي العام، ان عملا من هذا النوع ينسجم مع مبدأ الشفافية، ويضع الجميع امام مسؤولياتهم فاذا برزت عثرات وعقبات امام تنفيذ مقررات القمة، لا تحمل رئاسة القمة وحدها مسؤولية التعثر في تطبيق ما اتفقت عليه القيادات العربية.

ومن وسائل تطوير المبادرة التونسية عقد اجتماعات مع الأمانة العامة لجامعة الدول العربية لمراجعة أداء القمة العربية بصورة مشتركة.

الدبلوماسيون التونسيون يملكون ولا شك الكثير لكي يقولوه حول مدى تطبيق قرارات القمة العربية. ولكن لجامعة الدول العربية ايضا او هكذا مفروض ما تقوله في هذه المناسبة وما تضيفه من ملاحظات وتحليلات تساعد على تطبيق المقررات وازالة العقبات من طريقها، التنسيق بين رئاسة القمة والامانة العامة للجامعة ضروري ومفيد الى ان تكتمل صورة العلاقة بين القمة، من جه، والجامعة من جهة اخرى، فتأخذ طابعا مؤسسيا ثابتا.

المأمول هو الا تتوقف عملية المراجعة عند النظر في ما طبق من مقررات القة العربية الاخيرة، بل ان تتناول ايضا بعض مقررات القمم السابقة التي بات تنفيذها اليوم أمرا ملحا غير قابل للتأجيل، ومن اهم تلك المقررات الموافقة المبدئية التي صدرت عن قمة القاهرة لعام 1996 على مشروع تأسيس نظام انذار مبكر في المنطقة العربية. لقد تقدمت تونس بهذا المشروع، ولربما شكل هذا حافزا لتجديد الاهتمام التونسي بالمشروع. ولكن الحافز الاكبر للاهتمام بالمشروع هو الحاجة الموضوعية والماسة اليه. هذا ما يشعر الكثيرون به عندما يتابعون بقلق شديد ما يجري اليوم في العراق وفي السودان. ان هذين البلدين يتعرضان الى ما يشبه التدمير المنهجي المستدام. وما يجري في البلدين لا يهم العراقيين والسودانيين وحدهم بل يهم العرب جميعا.

ان تأسيس نظام عربي للانذار المبكر لن يغير كثيرا من واقع البلدين اليوم، ولكن حري بنا ان نأخذ العبرة مما يحدث لهذين البلدين العربيين المهمين اللذين كان الكثيرون من العرب يعولون عليهما لانقاذ المنطقة من الضغوط الاقتصادية والمعيشية والسياسية المتفاقمة. والعبرة المطلوبة ان العمل الجماعي الوقائي مطلوب من اجل استباق مناطق التأزم والاضطراب وحالات التصدع قبل ان تفاقهما. ولعلنا لا نستبق عمل نظام الانذار المقترح اذا قلنا إن من اهم ما ينبغي مراقبته بعناية هو قضايا الاقليات العرقية والدينية في المنطقة. فهذا الموضوع تعرض الى الاهمال الكبير، وكل تأخير في معالجته يرتد على شعوب المنطقة بأفدح الاضرار وينال من امنها واستقرارها هذا فضلا عن آثاره الاخلاقية السلبية بل المخزية على مجتمعاتنا.