فاتورة الدم في العراق متعددة الجنسيات. الاحتلال الأميركي يسبغ نفسه هو أيضاً بختم متعددة الجنسيات. مع ذلك، تغلب سمة الحرب الأهلية على ما يجري، ولا تفعل السيادة الضائعة أو الحدود المشرّعة، غير تأكيد هذه السمة، ذلك أن شلال الدم الحاصل لا يتأتى عن حرب عراقية أميركية لم تقع يوماً، وما زال مبكراً الحديث عن حرب اسلاموية أميركية شاملة يكون العراق ميداناً من ميادينها، بل ميدانها الرئيسي. كذلك، ليس من الضرورة أن ينفجر الصراع على طريقة سنّي ضد شيعي، رأساً، كي يسمّى شلال الدم بالحرب الأهلية. الحرب الأهلية تكون، عندما ينعدم الأمن والأمان الى أقصى الحدود، وينعدم في نفس الوقت ذلك الحد الفاصل بين المدنيين والعسكريين، وتبرز شخصيات بأجواء كافكاوية، من نوع علاوي والزرقاوي ومقتدى الصدر. وتلك هي الأسماء الثلاثة الأكثر تداولاً اليوم، لثالوث التعاسة العراقية: متعاون وارهابي وشعبوي كإلكترون ضائع بينهما.
عند استحضار ثالوث التعاسة هذا، نقع في مصيدة الأحجية التقليدية، أي أحجية البيضة والدجاجة. من الذي استولد الآخر في العراق؟ هل الاستبداد هو الذي جلب الاحتلال؟ أم هو الاحتلال الذي استحضر معه الارهاب؟
في الواقع، يمكن ادراج معظم الأدبيات التي تتناول المسألة العراقية ضمن أحجية البيضة أم الدجاجة. منهم من يعتبر أن اهتراء الداخل هو الذي يستتبع أو يستلزم تدخل الخارج. ومنهم من يرى أن تدخل الخارج الذي هو أميركا يستتبع أو يستلزم تدخل الخارج الآخر الذي هو lt;lt;الارهاب الدوليgt;gt;. هنا، تقودنا أحجية البيضة أم الدجاجة، الى علاقة الشيء ونتيجته بين الطغيان الداخلي والغزو الخارجي، والى علاقة الشخص وظلّه بين الاحتلال والارهاب. الا أن المشكلة تعود الى تعقيدها حين نتذكر أن الاحتلال قدم أصلاً لمنع التقاء عوامل الطغيان الداخلي الصدامي بعناصر الارهاب الدولي القاعدي، وان اسم أبي مصعب الزرقاوي برز أوّل ما برز كأحد أسباب التدخل في العراق، وأحد الشواهد على علاقة التطبيب القائمة بين نظام صدام وفلول القاعدة. وفي المقابل، تبرز التحليلات التي تغرق في ابراز الذهنية اللينينية لاستراتيجيي القاعدة، كما لو أنهم أرادوا اجتذاب الجحافل الصليبية الى عمق المنطقة الاسلامية كي تستنزف وتهزم، أي على طريقة ما حدث لجيش أبرهة في عام الفيل.
من الذي يستولد الآخر ويستدرجه الى النزال على حساب حياة وكرامة ملايين العراقيين؟ وما الذي يجعل من هذا الجذب المتبادل بين تنظيمات الارهاب وبين الامبريالية الأميركية عنصراً مفجراً لحرب أهلية عراقية؟ ما الذي يحشر جيش المهدي في كلّ هذا، بما يجعل كبير المتعاونين مع الاحتلال الآن، الدكتور علاوي، يجمع في تصريح واحد بين ضرورة تصفية جيش المهدي بوصفه فلولاً صدامية وبين تحبيذه لمشاركة مؤسس الميليشيا نفسها في الانتخابات العتيدة؟
هي أحجية البيضة والدجاجة كما تطرح في العراق اليوم. من الذي استجلب الآخر، وبالضبط في محاولته اتقاء شرّ هذا الآخر بالعقيدة الوقائية، في حال الأميركيين، وبالعقيدة الحصارية الذاتية في حال المارقين، وبعقيدة الضرب حيثما استطعنا في حال الارهابيين، وبعقيدة أنه قد لاح طيف الفرج في حال مقتدى الصدر؟
يمكن العودة الى فيلسوف العلوم، دومينيك لوكور في هذا المجال، فهو يوضح أن الحلّ لأحجية البيضة والدجاجة استقر في النهاية على أن الأسبقية للبيضة على الدجاجة، كون الدجاجة هي الوسيلة التي تعتمدها البيضة للتكاثر. ولكن من الذي تنطبق عليه مواصفات البيضة في حال العراق، الاحتلال أم الارهاب؟ هنا ليس من الميسور الخروج من الأحجية. الاحتلال قدم أصلاً لمحاربة ارهاب لم يكن موجوداً، فقدم معه. مع ذلك، لا بأس بالصورة البيولوجية لمناقشة مسألة من هذا النوع. ذلك أن المحتل من الثدييات، لا يتكاثر بالبيض كما القشريات، التي ينتمي اليها الارهابيون، في السلالة المجازية. بناء عليه، فان القشريات الارهابية يمكن أن تتخذ من الاحتلال ومقاومته، وسيلة للتكاثر، كما يمكن للقشريات المتعاونة أن تتخذ من الاحتلال والتعامل معه، وسيلة للتكاثر. ان ما يتكاثر في العراق خصوصاً، وفي الشرق عموماً، هو الانحدار الى مستوى ما دون الثدييات.