يبدو أن كل شيء مؤقت في العراق إلا الاحتلال. الرئيس مؤقت، ونوابه مؤقتون. رئيس الحكومة مؤقت، والوزراء مؤقتون. الدستور مؤقت. القانون مؤقت. التصريحات مؤقتة. والمواقف مؤقتة. هكذا تبدو الصورة في العراق اليوم بكل تناقضاتها. فوزير الدفاع المؤقت حازم الشعلان الذي وصف إيران بالعدو لبلاده، جدد موقفه منذ أيام إثر اندلاع المعارك في النجف محملاً إيران مسؤولية فيها ومتهماً إياها بتهريب أسلحة إلى "الأوغاد" والخارجين على القانون، جماعة السيد مقتدى الصدر. أما وزير الخارجية هوشيار زيباري فقد أعلن: أن الحكومة العراقية المؤقتة تحتاج إلى تعاون الجميع ودعمهم بما فيهم إيران. ومن المفاجئ وغير المقبول أن تسمح حكومة العراق بصدور مثل هذا الكلام عن بعض مسؤوليها. وأبدى زيباري أسفه لكلام وزير الدفاع الذي "لا يعبر عن المواقف الرسمية للحكومة العراقية".
كذلك فإن نائب رئيس الجمهورية الدكتور إبراهيم الجعفري انتقد وزير الدفاع معتبراً أن الكلام الذي يعبر عن استراتيجية الحكومة العراقية هو ذلك الذي يصدر عن الوزراء والمسؤولين الذين يتبوؤون مراكز أساسية واستراتيجية في الدولة. وأكد أن إيران هي دولة على حدود العراق وستبقى تماماً مثل الكويت وسوريا ولا شيء يغير هذه الحقيقة التي لابد من التعامل معها بكل جدية ووضوح وحرص على التعاون، أما إطلاق المواقف غير المستندة إلى وقائع وإثباتات فإن فيه تسرعاً وتأثيراً سلبياً على مصلحة العراق وشعبه.

من جهته أمسك رئيس الحكومة إياد علاوي بالعصا من وسطها. فهو من جهة يريد حواراً مع دول الجوار لكنه ينتظر دعوة من إيران وعندما أعلن أن ثمة دعوة وجهت إليه قال من جهة ثانية:"تم تسريبها في الإعلام لكنني لم أستلم شيئاً". كذلك فهو يطلب من عناصر جيش المهدي التخلي عن سلاحهم والدخول في العملية السياسية وفي الوقت ذاته يغطي عمليات قوات الاحتلال ضد النجف ومقدساتها وأهلها. ترى مع أية حكومة يجب التعاطي؟ بل مع أي من أركانها يمكن التعاطي؟ بل من هو الفريق الحكومي القادر على الوفاء بوعد أو التزام؟ وهل الانقسام والتناقض داخل الحكومة حول الأمور والخيارات الأساسية يساهم في تثبيت الأمن والاستقرار؟ وهل بتغطية عمليات الأميركيين الذين يريدون إحراق الأخضر واليابس وقتل العراقيين يمكن التوصل إلى حل؟ لماذا طالب نائب الرئيس الجعفري قوات الاحتلال بالخروج من النجف؟ ولماذا خُطف القنصل الإيراني في كربلاء في هذا التوقيت؟ من يقف وراء العملية؟ لماذا استمرار القتال في مدن أخرى غير النجف؟ لماذا اســـتخدام الطيران والقنابل العنقودية؟ لماذا الإصرار على تدمير كل شيء؟ أين أصبح الكلام عن فضائح "أبو غريب" والمسؤولين عنها؟ أين أصبح التحقيق في اختلاس أموال المساعدات وإعادة الإعمار؟ والتحقيق في فضائح الشركات المحســــوبة على بعض أركـــان البيت الأبيض، ما الذي حدث فيه؟ من هو المسؤول عن الأمن في العراق؟ من يضع حداً لعمليات خطف الأبرياء والمساومة للحصول على فدية؟ من المسؤول عن تفجير السيارات المفخخة هنا وهناك وخاصة تلك التي استهدفت الكنائس؟ لماذا لم يتم الكشف حتى الآن عن الجهات والعناصر التي تقف وراء هذه التفجيرات؟ ما هو دور ألوف العسكريين وهذا العدد الكبير من الأجهزة الأمنية الرسمية والشركات الأمنية – شركات المرتزقة-؟ هل يمكن أن تبقى كل هذه القوات عاجزة عن ضبط الأمن؟ وإلى متى؟ وإلى أين؟ هل هذا الوضع، وتعميق الانقسامات الداخلية، يسهل عملية ضبط الأمن وتكريس الاستقرار في البلاد؟.

وفي جانب آخر، هل مظهر وحقيقة الديمقراطية الأميركية يتكرسان باعتراف أركان الإدارة الأميركية بأن أحمد جلبي ضللهم بعد أن انكشف زيف كل الادعاءات التي بنوا عليها حربهم ضد العراق، ثم يتحول الجلبي الذي كان الحليف الأساس والشريك في خططه للحرب وجلب الأميركيين إلى العراق، يتحول إلى شخص لابد من جلبه إلى المحاكمة، في حين كل التقارير والمعلومات التي أذيعت على شاشات التلفزة ركزت على الصراع بينه وبين علاوي، على أساس أنه كان مدعوماً من البنتاغون فيما علاوي مدعوم من المخابرات المركزية CIA؟ هل الصراع في العراق هو بين البنتاغون والـCIA كما تدعي الإدارة الأميركية؟ وهل الحرب على الإرهاب هي حرب على الجلبي؟.

أما الجلبي الثاني، فكيف لقضاء أن يستقيم، وكيف لمحاكمة صدام حسين التي بدأت من قبل "القاضي الكبير" سالم الجلبي أن تكون مقنعة وصحيحة وشفافة وقد أرادوها عملاً مسرحياً على الهواء مباشرة، عندما يصبح القاضي الذي يحاكم صدام قاتلاً أيضاً ومتهماً بجريمة اغتيال أكبر موظفي وزارة المالية العراقية؟ أقاتل سيحاكم قاتلاً؟. أين هو القضاء المستقل الذي تحدث عنه رئيس الحكومة العراقية؟

إن مسلسل الأحداث الميدانية على الأرض والتصريحات والمواقف والتطورات السياسية التي رافقتها أكدت اهتزاز صورة الأميركيين وحلفائهم في الحكومة - المؤقتة- التي باتت حكومات، وعدم وجود صدقية بما يترك الأوضاع مفتوحة على كل الاحتمالات السلبية وهذا ليس في مصلحة العراق والعراقيين. لذلك فإن المسؤولين العراقيين مدعوون إلى خيار الحوار في الداخل ومع الخارج لا سيما مع دول الجوار. وهذا يعني اعتماد الأسلوب والمنطق اللذين عبر عنهما نائب الرئيس الجعفري من الحرب ضد إيران بالمعنى الوطني والقومي للكلمة. وإذا كان ثمة من يتحدث عن مصالح الشيعة فهذه السياسة لا تضمنها بل تلحق الخلافات والانقسامات داخل أبناء الطائفة. وإذا كان البعض الآخر يقيم حسابات مذهبية ويتحدث عن مصالح السنة فإن تلك السياسة ذاتها تدمرهم وتعزز الأحقاد وتحقق ما يريده الأميركيون والإسرائيليون.

لذلك، قومياً ووطنياً وإسلامياً ينبغي وضع حد لما يجري وإدراك مخاطر المشروع الأميركي، والتأكيد على الحل الداخلي وبالحوار. أما استقواء البعض بالاحتلال لتحقيق أغراضه ومصالحه الخاصة فإن في ذلك خطراً كبيراً. إن أميركا عندما تستهدف إيران وتضغط على سوريا لا تنظر إلى مصالح هذا أو ذاك من العراقيين أو الإيرانيين أو السوريين أو غيرهم، وإنما تبحث عن مصالحها وكذلك معها إسرائيل، فهل يمكننا أن نفكر بمصالحنا؟

وهمٌ هو الاعتقاد أنه بالإمكان إسقاط إيران بهذه اللعبة. أما الحقيقة فهي أن أميركا التي سقطت صدقيتها أمام العالم وسقطت هيبتها في أكثر من محطة في العراق، سوف تبقى ساقطة في حروب الداخل العراقي. ووهم الاعتقاد أنه بالإمكان إخضاع سوريا من بوابة العراق. أما الحقيقة فهي أن أميركا التي كانت منذ سنة ونيف على حدود سوريا تهددها تجد نفسها مهددة على حدود الفلوجة والنجف وبغداد والأنبار وكل المواقع في العراق بسبب رهانات إدارتها الخاطئة والعجرفة التي ميزت سياساتها وتصرفاتها، والتي باتت موضع إجماع داخل الولايات المتحدة. فكل الدراسات والتقارير التي أعدت للانتخابات الرئاسية الأميركية أكدت من مواقعها المختلفة الجمهورية أو الديمقراطية، إن إدارة الرئيس بوش تتصرف بغطرسة أساءت إليها وإلى حلفائها وأصدقائها وهذا سبب من أسباب المشكلة مع العالم عموماً وخصوصاً مع العرب والمسلمين!.
هل يدرك المسؤولون العراقيون المؤقتون هذه الحقائق الثابتة؟.