جمعتني مناسبة اجتماعية بعدد من المدعوين العراقيين وبينهم من عاد للتو من بغداد. غلبتني الحشرية الصحافية ورحت اسأل عن موقف العراقي العادي من الأحداث وعن الصعوبات التي تواجهه في العيش اليومي. لم يضع الحاضرون الفرصة وسألوني ان كان صدري يتسع لكلام صريح او انتقادات. رددت بالايجاب وهيأت نفسي للدفاع عما ظهر في "الحياة" في الأيام الأخيرة من تغطيات ومقالات. وسرعان ما اكتشفت ان الحاضرين كانوا يبحثون عن فرصة لمحاكمة الإعلام العربي برمته.

قال أحدهم ان الاعلام العربي سباق في نشر المواقف الصارخة والحادة, لكنه لم يظهر قدرة على التسلل الى ما هو صعب ومعقد. واشار الى انه كان سيغفر للاعلام العربي اخطاءه لو كان من فجرّ فضيحة سجن أبو غريب مثلاً صحافياً عربياً والأمر نفسه بالنسبة الى الرشاوى التي رافقت عقود اعادة الإعمار في العراق.

تساءل الثاني: "الاعلام العربي محير فعلاً. ماذا يريد الصحافيون ومعلقو الفضائيات؟ هل يريدون عودة العراق سريعاً الى الاستقرار واختصار أمد الاحتلال أم يريدون إلحاق هزيمة كاسحة بأميركا وهي مهمة تفوق طاقة العراق".

ولاحظ "أن صحافيين وكتاباً سارعوا منذ اللحظة الأولى إلى إدانة حكومة علاوي بحجة أنها ليست منتخبة, في حين يوالون حكومات غير منتخبة وكان بعضهم يصفق ويهلل لصدام حسين ومسرحيات الانتخابات في عهده".

سأل ثالث: "هل يجوز لمؤسسات صحافية أن تصفق لعمليات شنها الزرقاوي على رغم إعلان الجماعة التي ينتمي إليها أنها كانت وراء تفجير مقر بعثة الأمم المتحدة واغتيال رموز شيعية وعمليات أوقعت الكثير من القتلى في صفوف المدنيين. ألا يتساءل مدبجو المقالات عما إذا كان استهداف الشرطة العراقية يطيل الحاجة إلى القوات الأجنبية أو يتيح لها تمديد اقامتها".

قال الحاضرون إن المقاومة حق بديهي, لكنهم وضعوا جزءاً من الهجمات في "خانة حسابات غير عراقية". واتهموا الإعلام العربي بالبحث عن السبق والإثارة بغض النظر عن مصلحة العراق. ورأوا ان الإعلام العربي يشبه عراقيين كثيرين "في قصر الذاكرة فلولا القوات الأميركية لما استطعنا التخلص من نظام القمع والمقابر الجماعية" وسارعوا إلى القول إنهم "ضد بقاء قوات أجنبية على أرض العراق", ومشددين على أن الحل هو الانتخابات وعودة السلطة العراقية على كل شبر من البلاد.

تحدث الحاضرون عن الإعلام العربي ولاحظوا فروقات وكانت أحكامهم قاسية أحياناً. وكان بديهياً أن ادافع عن المتهمين فنحن أيضاً نصيب ونخطئ. وفي النهاية رأيت أن أنقل جزءاً من هذه الملاحظات لاقتناعي بأن تعامل الإعلام العربي مع الوضع العراقي يحتاج إلى وقفة تفكير وتقويم.