ان حق الشعب الاميركي في المعرفة يعد واحدا من اهم الاسس والمبادئ التي ترتكز عليها الحرية والديمقراطية الاميركية. ان معرفة ما تأديه حكومتنا من افعال يعزز من مسئوليتها وثقة الشعب الاميركي بها وتدعم من ديناميكية ادائها وهو ما يسهل استمرارية عمل نظامنا السياسي.
ودائما ما تتكامل مبادئ الامن والحرية والانفتاح مع بعضها البعض تحت مظلة النظام الاميركي. وازداد هذا التكامل في اعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر. وهذه الديناميكية والتوازن في الاداء تساعدنا على تحقيق التوازن الحقيقي، وهنا يكمن دور‎ (الكونغرس) الرقابي الذي يؤيد حرية الصحافة والقوانين التي تكفل هذه الحرية مثل قانون (حرية المعلومات) احد اهم القوانين الحيوية والذي يعد حرية الشعب الاميركي في المعرفة احد مقوماته الاساسية.
ولكن المؤشر انحرف بصورة كبيرة بعيدا عن الانفتاح والصراحة في الاعوام الاخيرة لدرجة انه اصبح يعمل في هدوء وبصورة مستمرة على اقتطاع حق الشعب الاميركي في المعرفة. وعندما تضعف قوانين الحماية البنائية مثل قانون (حرية المعلومات) فان هذا الاقتطاع والتآكل قد يدوم ويستمر لامد طويل وقد تأخذ وتيرته في التصاعد.
ومن سخرية الاقدار، تعمل الوكالات الحكومية ـ في الوقت نفسه ـ على انشاء قواعد البيانات بهدف توفير وتخزين المزيد من المعلومات عن كل فرد من افراد الشعب الاميركي. واصبح من الصعب جدا على الشعب الاميركي معرفة توجهات وامكانيات الوكالات الحكومية نفسها. وذلك فضلا عن قواعد البيانات الجديدة تلك.
ان التوجه الذي تبديه الادارة الاميركية في الفترة الحالية صوب المزيد والمزيد من السرية قد تحول ـ بحق ـ الى احد الهموم الخطيرة التي تقلق الشعب الاميركي فيما يتعلق بالمجال السياسي، مما استدعى الحاجة الى المطالبة بتحقيق مزيد من الانفتاح السياسي والمعلوماتي.
وتحتل السرية مكانها البارز على رأس اولويات الحكومة الاميركية، ولكن هذه الحكومة من السهل جدا ان يتم اغراؤها بالاستخدام المفرط لطابع السرية. وعندما يحدث هذا الامر يتحقق كل هذا على حساب حصة ونصيب الشعب الاميركي في القيم الاخرى المهمة مثل الامان والهواء والماء النقي وذلك فضلا عن الامن القومي. وكان الصحفيون البواسل والجنود الشجعان هم من تولوا مسئولية اخبار الشعب الاميركي عما حدث من انتهاكات في سجن ابوغريب بحق الاسرى العراقيين وليس مسئولي الادارة الاميركية. وبدأ الشعب الاميركي في معرفة هذه الحقائق بعد اشهر من وقوع هذه الفظائع والانتهاكات في سجن ابوغريب وبعد فترة طويلة من نقل هذه المعلومات الى القادة العسكريين والسياسيين.
وعندما يتعلق الامر بالرقابة النيابية، فان تعاون الادارة الاميركية الحالية مع (الكونغرس) كانت شحيحة ومتفرقة. ولم يتلق الكونغرس اي رد على التقارير والمذكرات الرقابية التي ارسلها الى وزارة العدل الاميركية لمدة طويلة بلغت شهورا وسنوات. وكان جون اشكروفت وزير العدل الاميركي قد ابدى معارضته الشديدة ازاء المثول للشهادة امام لجان الرقابة النيابية وهو ما ادى الى ان يكون اقل وزراء العدل الاميركيين مثولا للاستجوابات في العصور الحديثة وذلك على الرغم من وجود الكثير من المواقف التي استدعت مثوله للشهادة في التحقيقات.
وكانت السرية الحكومية قد تحركت في بعض الاحيان وفقا لمعايير التشكك وعدم اليقين وتارة اخرى وفقا لمعايير غير تقليدية. وحتى قبل بداية الحرب على الارهاب، رأينا قانونا اداريا يحددا من نشر السجلات الرئاسية وهو ما قلص الى حد كبير من قدرة الصحفيين والباحثين في الحصول على الوثائق التاريخية.
وكان الرئيس بوش قد منح ايضا السلطة لوزارة الزراعة والخدمات الانسانية لتصنيف الوثائق على أنها سرية . وهذه هي الوكالات التى تتحكم في المعلومات الصحية والامنية التى تحظى بأهمية قصوى بالنسبة للمواطنين الأميركيين .
وفي اعقاب هجمات الحادى عشر من سبتمبر تم تشديد الاجراءات الامنية في شتى ارجاء الولايات المتحدة الاميركية وترتب على هذا تغيير العديد من الحريات الشخصية التى كان يتمتع بها المواطنون الاميركيون .
ونحن كلنا نرغب في تشجيع الهيئات الاميركية على تبادل المعلومات مع الحكومة بشأن التهديدات القائمة . ولكن الطريقة التي تتعامل بها الادارة الاميركية تهدد بتحديد قدرات الوكالات الفيدرالية الأخرى على معرفة التهديدات والاستجابة لها .
إن حقنا في معرفة ما تقوم به الحكومة الأميركية من افعال سواء أكانت هذه الافعال صحيحة أم خاطئة هو منحة هشة تحتاج الى الحماية والدعم من الاجيال الجديدة ويجب ان ترحب الحكومة الاميركية بوجهات النظر المختلفة بدلا من ان تخشاها ويجب ان تعترف الحكومة الاميركية ايضا بأخطائها وان تتبنى الاصلاحات .
إن التدفق الحر للمعلومات هو حجر الاساس للديمقراطية الاميركية ويجب على كل جيل من الاجيال الاميركية أن يدافع عن هذا الحق باستبسال وذلك لمصلحتنا الشخصية ولمصلحة الاجيال التى قد تأتي بعدنا.