يمكن القول ان العديد من اللبنانيين لم يفاجأوا بإقرار مجلس الوزراء اللبناني صباح أمس، في جلسة استثنائية استغرقت 20 دقيقة فقط، مشروع قانون تعديل المادة 49 من الدستور، وهذا إجراء يمهد فعلياً الطريق الى تمديد ولاية رئيس الجمهورية العماد اميل لحود ثلاث سنوات أخرى تنتهي في اواخر نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2007 .
هذا القرار توقعته جهات لبنانية عديدة متابعة بدقة للوضع الداخلي، وملاحقة أيضاً للتجاذبات الحاصلة اقليمياً. غير ان السؤال الذي يطرح نفسه هو هل هذه الخطوة من مجلس الوزراء مجرد فاتحة لمواجهة أو «مساومة» سياسية قد لا تكون قصيرة فضاؤها خارج لبنان... أم خاتمة المطاف لـ«حوار طرشان» طرحت فيه كل الأوساط المعنية خياراتها النهائية على الطاولة؟
لقد جاء موقف المجلس، الذي لم يعترض عليه الا ثلاثة وزراء سبق لكتلتهم ان رفضت تأييد ترشيح العماد لحود لمنصب الرئاسة قبل ست سنوات، منسجماً مع اجواء لقاءات الرئيس السوري الدكتور بشار الأسد مع رئيسي مجلس النواب ومجلس الوزراء نبيه بري ورفيق الحريري في دمشق. فالرئيس لحود يحظى بثقة دمشق التي ترى ان بقاءه في موقعه ضرورة حيوية خلال المرحلة الراهنة من عمر المنطقة. وبديهي ان «الخاصرة» اللبنانية موضوع حيوي لأي قيادة سورية منذ استقلال البلدين الشقيقين عام 1943.
في المقابل بدا ان هذا الموقف، المبرمج له مسبقاً، وكأنه رد مباشر على حملة التصريحات الأميركية والأوروبية الممانعة في اجراء تعديل دستوري يفضي الى التجديد للحود او تمديد مدة حكمه. وبديهي أيضاً ان الممانعة الأميركية، تحديداً، لا تقتصر على معارضة نهج لحود داخلياً، إذ توجد للمعارضة المسيحية أصداء في قلب واشنطن تفوق حجمها الديمغرافي المحدود داخل لبنان. وهناك في العاصمة الأميركية تستفيد من الدعم والرعاية من جهات عدة نافذة وناشطة على جبهة «الشرق الأوسط الكبير» والمعادلات الاقليمية في المنطقة.
وبصرف النظر عن دخول باريس، المتحسسة تاريخياً ازاء النفوذ السوري في لبنان، على الخط. فإن «التراشق» في المواقف بين دمشق وواشنطن يظل المحور الأساسي الذي سيحكم ما تبقى من تفاصيل مسيرة الاستحقاق الرئاسي اللبناني.
دمشق، عبر أغلبية مؤيديها داخل مجلس الوزراء اللبناني خطت الخطوة العملية الأولى بعد سلسلة مواقف مبطنة ومعلنة. وواشنطن حاولت توصيل رسائل عدة بشتى الوسائل، احداها كانت رسالة فظة مسيئة الى الدبلوماسية الأميركية من النائب توم لانتوس تلقت من دمشق الرد المناسب عليها. والأرجح انها ستحاول تكرار توصيل الرسائل بينما تعد الادارة الحالية العدة لانتخابات 2 نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.
من نافل القول ان آخر ما يريده الرئيس الأميركي جورج بوش المتأهب للمؤتمر الوطني الترشيحي لحزبه في نيويورك «نكسة» جديدة لسياساته الشرق أوسطية بعدما اضطر للاعتراف بـ «ارتكاب اخطاء تقدير» حيال العراق. واغلب الظن ان بعض متسلمي ملفات المنطقة في ادارته يرون ان ما يظهر على انه «تحد» صريح لواشنطن صدر أمس من بيروت ليس الكلمة الأخيرة في «التراشق» الجاري مع دمشق. وهؤلاء يدركون ـ على الأرجح ـ ان الحكم السوري حريص على أسلوب تعامل موضوعي ... لا يأخذ شكل الاملاء. وبالتالي، قد تفتح هنا نافذة لإطلاق حوار قد يفضي الى مساومة.
فلدى الحكم السوري عقلانية كافية لفهم المعطيات الحالية في العلاقة مع واشنطن، ومرونة كافية للتفاهم على صيغة ما تحول دون الدخول في عنق زجاجة. وفي المقابل، توجد في واشنطن جماعات مستوعبة أطر التفكير السائدة في الشرق الأوسط، والمخاوف والشكوك والهواجس المحيطة بالتعاطي الأميركي معها منذ 11 سبتمبر (ايلول) 2001 .
فهل يبقى «للصلح مطرح»، كما يقول اللبنانيون؟ أم ان الأمور وصلت الى نقطة اللاعودة؟
مصلحة لبنان ومصلحة سورية ... وأيضاً مصلحة ما تبقى من صدقية للدبلوماسية الأميركية ـ وهو قليل جداً مع الأسف ـ الاّ يكون باب الحوار قد أوصد نهائياً.














التعليقات