كانت للبابا يوحنا بولس الثاني أمنيتان عزيزتان على قلبه يتمنى أن يحققهما قبل أن يلقى وجه ربه، وقد اعتلت صحته وتجاوز الرابعة والثمانين من العمر. الأمنية الأولى هي أن يكون أول بابا في تاريخ الفاتيكان يزور مدينة أور في العراق مسقط رأس النبي ابراهيم عليه السلام، ومن ثم الانتقال منها الى القدس في مسيرة حج من أجل السلام في الشرق الأوسط وفي العالم. ولكن الرئيس العراقي السابق صدام حسين بغطرسته وقصر نظره حرمه من تحقيق هذه الأمنية عندما رفض التجاوب مع رغبته في زيارة العراق قبل إعلان الحرب الأميركية. مع ذلك فقد كان صوت البابا أعلى صوت ارتفع ضد هذه الحرب. وهو لا يزال حتى الآن يعتبر الوجود العسكري الأميركي في العراق احتلالاً.
أما الأمنية الثانية، فهي أن يكون أول بابا في التاريخ يزور روسيا بعد أن استعادت مسيحيتها الأرثوذكسية، حيث تبلغ نسبة الأرثوذكس الى الكاثوليك فيها 150 الى واحد. لقد لعب البابا يوحنا بولس الثاني دوراً أساسياً في إسقاط النظام الشيوعي السابق انطلاقاً من وطنه بولندا. وتعاون من أجل ذلك مع الرئيس الأميركي السابق رونالد ريغان وحتى مع جهاز المخابرات الـ"سي.آي.إيه". ولذلك أبدى الرؤساء الروس الذين تعاقبوا على الكرملين اللاشيوعي، غورباتشوف ويلتسين، وبوتين ترحيبهم به في موسكو. إلا أن البطريرك الأرثوذكسي ألكسي الثاني وقف حائلاً دون ذلك. ولا يزال حتى الآن مشترطاً لتعديل موقفه استرجاع أيقونة لمريم العذراء تعرف باسم شفيعة مدينة قازان (عاصمة تاتارستان الروسية). تؤمن الكنيسة الروسية الأرثوذكسية بأن هذه الأيقونة عجائبية وأن لها القدرة على تحقيق المعجزات. ولذلك فإنها تخصها بقدر كبير من القداسة. وكانت عجائب هذه الأيقونة قد ظهرت في قازان منذ عام 1579. ومنذ ذلك الوقت أصبحت محجاً للمسيحيين الأرثوذكس الروس.. الى أن وقعت الثورة البلشفية في عام 1917، فأُحرقت الكنيسة، واختفت الأيقونة.
وبعد سنوات ظهرت الأيقونة من جديد في أوروبا الغربية. وتبيّن أن حريق الكنيسة كان مفتعلاً للإيحاء بأن ألسنة النيران التهمتها أيضاً. وفي عام 1970 اشترت الأيقونة مجموعة من رجال الأعمال الكاثوليك، وقدموها هدية الى البابا.
ومنذ أن اعتلى رأس الكنيسة الكاثوليكية والبابا يوحنا بولس الثاني يحتفظ بها فوق مذبح كنيسته الصغيرة الخاصة داخل حرم الفاتيكان.
لا شك في أن البابا يؤمن بالقدرة العجائبية لهذه الأيقونة. وقد ازداد تعلّقه بها بعد نجاته من محاولة اغتياله على يد تركي كان عميلاً للمخابرات البلغارية أثناء الحكم الشيوعي السابق. ومع ذلك فقد قرر الآن التخلي عنها، وإعادتها الى الكنيسة الأرثوذكسية الروسية على أمل أن تؤدي مبادرته هذه الى رفع فيتو البطريرك ألكسي الثاني عن زيارته لروسيا.
وبالفعل فقد شكّل البابا لجنة من أربعة كرادلة لمرافقة الأيقونة الى موسكو يوم 28 آب الجاري.
غير أن مشاكل الكنيسة الروسية مع الفاتيكان لا تقتصر على قضية هذه الأيقونة فقط. فالبطريرك ألكسي الثاني يتهم الفاتيكان بالتبشير بالكاثوليكية في بلاده، خصوصاً بعد أن أصدر البابا قراراً بإنشاء أربع أبرشيات جديدة في روسيا، ورداً على ذلك استصدر البطريرك من مجلس الدوما ـ البرلمان ـ قانوناً يحظر التبشير بالكاثوليكية والبروتستنتية. كما أن البطريرك يتهم الفاتيكان بمحاولة الاستيلاء على ممتلكات الكنيسة الأرثوذكسية في غرب أوكرانيا بحجة أنها كانت في الأساس من ممتلكات الكنيسة الكاثوليكية الأوكرانية.
يبقى السؤال: هل تحل القدرة العجائبية للأيقونة التي تؤمن بها الكنيستان الأرثوذكسية والكاثوليكية سوء التفاهم حول هذه القضايا وتتحقق معجزة اللقاء بين البابا يوحنا بولس والبطريرك ألكسي؟
إذا حدث ذلك فسيكون الأول في التاريخ. وسيؤدي الى فتح صفحة جديدة في العلاقات بين الكنيستين الكبيرتين الأرثوذكسية والكاثوليكية التي ينتمي إليهما أكثر من تسعين في المئة من المسيحيين العرب.
- آخر تحديث :
التعليقات