ظلت الديمقراطية التي تمارس في عالمنا العربي والإسلامي تعاني كثيرا من التشوهات والتي أقعدت بالحياة السياسية ولم تنمّها، بل ان النتائج السلبية التي أفرزتها هذه الممارسات أصبحت مبررات شرعية لتدخلات أجنبية مغرضة.
من أهم مشاكل الديمقراطية في بلادنا تغييب فكرة “المعارضة الشرعية” ذات المؤسسات المعترف بها في العملية السياسية. وهذا التغييب المتعمد أدى إلى الإخلال بأهم مرتكزات الديمقراطية الحقيقية، والتي تقوم على فكرة تعدد البدائل والبرامج السياسية بين الحكومة و المعارضة، والتي بدورها تساعد على التداول السلمي للسلطة على أساس صناديق الانتخابات. المعروف ان مهمة المعارضة “الشرعية” هي مراقبة أداء الحكومة و رصد سلبياتها عن طريق المراقبة اللصيقة لكل ما يدور في الدولة من تشريعات وسياسات منفذة، أنها تشارك بصورة علنية وفاعلة في المؤسسات التشريعية ويكون صوتها مسموعا ومحترما، بل اكثر من ذلك تكون حكومتها جاهزة في الظل وبرامجها السياسية معلنة ومعروفة لدى الناخبين قبل الانتخابات بوقت كاف.
الاعتراف القانوني بحق المعارضة في العملية السياسية هو صمام الأمان ضد الاستبداد وضد العنف.أي إصلاح سياسي فى النظم السياسية في بلادنا لابد أن يبدأ أولاً بالاعتراف بحق المعارضة في الوجود و العمل السلمي و المؤسسي. التحولات الديمقراطية التي يراد لها ان تكون عالمية في هذا النظام العالمي الجديد، عن طريق فرضها بقوة السلاح من الخارج كما في أفغانستان والعراق، لا يمكن لها ان تنجح ما لم يتم تأصيل فكرة المعارضة “الشرعية” وحقها في الوجود والعمل العلني أو السلمي، كما للحكومة الحق في ان تحكم، إذ إن آلية المعارضة جزء أصيل من العملية الديمقراطية لا تستقيم الحياة الديمقراطية بدونها، بل ان المعيار الذي يتم به تحديد الحكم الديمقراطي من اللاديمقراطي هو قدرة نظام الحكم أو عدم قدرته على استيعاب المعارضة أو عدم استيعابها في آلية الحكم.
الديمقراطية العرجاء التي ظلت بعض الدول العربية أو الإسلامية تتبعها هي المسؤولة بالدرجة الأولى عن زيادة العنف السياسي في هذا الجزء من العالم، فالمعارضة إما مهمشة او محاربة، أو منفية خارج البلاد. وما نراه من عنف متزايد في حياتنا السياسية هو نتيجة لهذا الإقصاء المتعمد للآخر المعارض، بطريقة غير عادلة أو قانونية، مما لا يترك مجالاً للآخر المعارض إلا اللجوء للعنف وحمل السلاح لإثبات وجوده وأخذ حقه الشرعي ببندقيته. وهذا الواقع تعاني منه الأحزاب السياسية المعارضة كما تعاني منه المجموعات الاثنية او الاقليات في بلادنا.
هذه الديمقراطية الشوهاء هي التي قللت الخيارات والبدائل الوطنية للمواطنين، مما دفع كثيراً من المواطنين المعارضين الى أن يفاضلوا بين خيارين لا ثالث لهما بل ان أحلاهما مر، الاستمرار تحت حكم اعرج ومشوه ديمقراطيا او القبول بالمستعمر الجديد تحت شعار التحرير و تطبيق الديمقراطية وحقوق الإنسان ( حتى لو كان ذلك زوراً وبهتاناً) وأصبح التعبير (التحالف مع الشيطان) أهون من الاستمرار تحت حكم ظالم مشاعا بين قوى المعارضة فى بلادنا.
هل أمريكا هي الدولة المؤهلة الآن لتصدير ديمقراطية رشيدة لهذا الجزء من العالم؟ المؤشرات في أفغانستان والعراق تشير إلى عكس ذلك تماما، إذ يتم استبدال حكم بحكم آخر من دون عملية جراحية أساسية لإزالة التشوهات السابقة. لكن السؤال المبدئي سيظل يطرح نفسه :هل ترغب أمريكا أو حلفاؤها حقاً في تصحيح مسيرة الديمقراطية في هذا الجزء من العالم؟! لا نعتقد ذلك أيضا، لأن أمريكا ليس من أهدافها الحقيقية إقامة العدل المطلق في الأرض، و لكن من أهدافها ان تؤمن سيادتها المطلقة في الأرض.لهذا فإنها في الحقيقة تبحث عن حليف، مهما كان هذا الحليف، حتى ولو كان “شيطانا”. إذ ان الدعاوى الأخلاقية التي رفعتها في حروبها الأخيرة بدأت تتساقط كل يوم. إذن، الأمل سيظل دائما على أبناء الأمة الشرفاء المخلصين، وعلى حركات التصحيح الداخلية والتي تريد الخير لوطنها وأبنائها.
التعليقات