إزاء كل إنتخابات أميركية ينقسم العرب الى فريقين أحدهما ينحاز للجمهوريين والآخر ينحاز للديموقراطيين ولشدَّة الحماس يستمر كل فريق بالعضِّ على لسانه الى ان يدميه وكل ذلك بينما أهل العرس الحقيقي لا خبر لديهم ولا علم بما يجري عندنا بل ولا تهمهم لا ردود أفعالنا ولا أقوالنا ولا يكترثون بكل ما يصدر عنا.
في الانتخابات السابقة إنحاز العرب، بغالبية كتابهم وأحزابهم وصالوناتهم السياسية وديوانياتهم ودواوينهم، الى بوش الإبن ضد آلغور إنطلاقاً من أن المرشح الديموقراطي الذي هو آلغور أكثر صهيونية من منافسه الجمهوري وعلى أساس ان نائبه يهودي ولا يخفي إنحيازه لإسرائيل والسياسات الإسرائيلية.
والآن هاهم الذين إنحازوا الى بوش في الانتخابات السابقة يغيرون قناعاتهم ومواقفهم وينحازون الى كيري الذي لا يتورع عن المفاخرة بصهيونيته والذي يقال أنه بالاصل كان يهودياً لكنه تحول الى الكاثوليكية لأسباب لا علاقة لها بالقناعات الدينية والعقائدية وإنما بالطموحات والمصالح السياسية والمالية.
الآن يقف الذين يُدْمونَ ألسنتهم عضاً والذين يبدون كمن يرقص في العتمة ، في الصف المقابل للصف الذي وقفوا فيه في المرة السابقة وحجتهم أنهم اكتشفوا ان بوش ينتمي لليمين المسيحي الجديد وأنه ارسل جيوشه لإحتلال العراق بعد إحتلال إفغانستان وأنه قام بتجميد عملية السلام وإنحاز إنحيازاً أعمى لليمين الاسرائيلي المتطرف بقيادة رئيس الوزراء الليكودي إرئيل شارون.
ما شاء الله .. أليس هذا الجورج بوش هو إبن جورج بوش الأب ثم هل من الممكن ان تلد الحية غير حية مثلها ..؟! .
هل تذكرون يا أيها الذين تدمون ألسنتكم عضاً الآن حماساً للجنـرال الديموقراطي كيري ان الرئيس الملهم صدام حسين إستل ذات يوم مسدسه، الذي يحتفظ به الرئيس الأميركي الآن كغنيمة حرب ، وأطل من شرفة أحد قصوره على متظاهرين أُحضروا رغم أنوفهم، وأخذ يطلق الرصاص ، على غرار ما نفعله نحن في الأعراس خلافاً لتعليمات وزارة الداخلية، إبتهاجاً بفوز كلنتون الديموقراطي على الجمهوري جورج بوش الأب ..؟!.
في بدايات عقد ثمانينات القرن الماضي إرتكب نظام الثورة الإيرانية المنتصرة الخطأ نفسه عندما بقي يحتفظ برهائن السفارة الاميركية حتى اللحظة الحاسمة بالنسبة للإنتخابات الأميركية التي كانت معركتها محتدمة ثم بادر الى إهداء إطلاق سراح أولئك الرهائن الى رونالد ريغان لترجيح كفته على جيمي كارتر وكانت النتيجة ندماً ما بعده ندم ولكن بعد ان بات الندم لا فائدة منه.
لاشك في أن الانتخابات الأميركية غدت قضية داخلية لكل دولة من دول العالم، بما في ذلك الدول العربية، لكن ما يجب ان لا يغيب عن البال هو ان هموم الناخب الأميركي تختلف عن همومنا وأن عض الألسنة عن بعد لن يقدم ولن يؤخر وأن التأثير في هذه الانتخابات يكون من خلال دعم الجاليات العربية والاسلامية هناك وليس بالوسائل البدائية التي إتبعها ويتبعها الرؤساء الملهمون في بعض عواصمنا السعيدة.