لا اعتقد أن بن لادن سيقول شيئا جديدا لو جلس امامنا وتحدث ساعة، فقد أخذ نصيبه في عرض افكاره والدفاع عن اعماله. الوحيد الذي اعتقد انه لم يقل شيئا بعد ويستحق ان يُمنح الفرصة هو الملا عمر الذي مر في سمائنا كسحابة صيف في عجلة من امرها. لم نره، ولم نسمعه، ولم نعرف الكثير عنه، كان شبحا بلا صورة او وجود. كل يؤكد لنا انه كان يحكم كابل حتى لحظة سقوطها في حرب الايام القصيرة.
كان واحدا من فرسان التاريخ الغابر، استطاع مع خيالته الافغان وبمعاونة الدبابات الباكستانية ان يقصي كل لوردات الحرب تقريبا. ملأ رجاله الاشداء افغانستان لخمس سنوات بالرعب والقوانين المتشددة ولم يتوقفوا عن معركة إلا ليشنوا أخرى. بكل تأكيد كان الملا رجلا بسيطا لم يفقه ناموس السياسة الدولية وتعقيداتها، لم يفهم كيف كان يصله المدد من باكستان ولم يَعِ معنى مساندة الحكومة الاميركية له في مواجهة امراء الحرب الاخرين، خاصة اثناء محاولة بناء انبوب النفط الذي اريد له ان يصب في تركيا لا ايران. ناصر الملا بدون فهم واشنطن في وجه الافغان المحسوبين على الملالي الايرانيين، او هكذا كان يظن الى قبيل احداث الحادي عشر من سبتمبر التي قضت على زعيم طالبان قبل ان ينقشع غبارها، وربما هو الوحيد الذي لم يشاهدها بعد. وبمراجعة ما قاله وفعله يجعلني اجزم بأن الملا عمر كان اكثر القادة جهلا بالعالم في التاريخ الحديث، جاء على حصان أبيض منتصرا وغادر على دراجة نارية فارا من العاصمة المدمرة ومن قوات خصمه الشمالي الذي اغتيل أحمد شاه مسعود. اما بن لادن، دليله في علم السياسة، فقد كانت اهدافه مختلفه، وكان اكثر ذكاء ودراية بما يفعل وأين يوجه نيرانه فوجد في الملا الجاهل خير رفيق.
لهذا وجدته مثيرا ما كشف عن الاتصال بين المسؤول الاميركي والملا عمر قبيل المعركة الكبرى، فيه يبدي زعيم البشتون نفيه ان يكون صديقه بن لادن يخطط لأي عمل ضد اميركا، واحسب ان الملا كان صادقا في ظنونه الحسنة.
كي نفهم الملا علينا أن نتذكر انه لم يشاهد تلفزيونا في حياته قط، ولم يقرأ كتابا في الشأن السياسي، ولم يشترك في صحيفة، وبالتالي كان يظن ان تخوم باكستان هي حدود العالم وما وراء ذلك بعيد عليه الوصول. بتفكيره هذا، او على الأصح بجهله، اضاع مملكته التي بناها بسرعة عجيبة في حرب يمكن ان يقال عنها انها اكثر الحروب في التاريخ عدم تكافؤ، بين دبابات طالبان الصدئة وطائرات البنتاغون التي لا يرصدها الرادار.