جاسم عباس: الناس فيما يعشقون مذاهب، المهندس المعماري جمال علي سلق الذي دخل البلاد وعمره شهر واحد عشق المسابيح فعمد الى جمعها والتخصص في معرفة انواعها الى الحد الذي لقب فيه بـ«ملك المسابيح» في العالم العربي.

وعادة يكون لكل عشق بداية، ولعشق سلق للمسابيح قصة غريبة، فقد كان في مستهل حياته مدخنا شرها لا تفارق السيجارة احدى يديه، فذهب الى طبيب عراقي يدعى ابراهيم وذلك عام 1979 فقال له: اذا كنت تود التخلص من التدخين فعليك بوضع مسباح كهرب في يديك.

يقول سلق: سمعت نصيحة الدكتور واشتريت اول مسباح من تاجر المسابيح حسن ظاظا وبدأت اسبح بحبات الكهرب يوما بعد يوم فتعلقت به، وعشقت الحبات ولونها ورائحتها، فاشتريت الثاني والثالث، وكنت اتردد على العراق في تلك الفترة بحكم عملي، والعراقيون هم اشهر من يعرف المسابيح، وكانت لهم سوق خاصة بها، وبدأت اتردد على المحلات وعرفت قيمة المسباح الكهرب خصوصا بعد ان ابعدني عن التدخين، اشتريت واشتريت وتعرفت على التجار والهواة داخل الكويت وخارجها، وبعد الشراء والتبادل عرفت ايضا ان الكويتيين هم ملوك المسابيح في الشرق الاوسط.

وعن اصل مسباح الكهرب قال ملك المسابيح: اصله شجرة تحجرت منذ مئات السنين، وتحولت الى مادة صمغية حساسة جدا، انطمرت في الارض ودخلت البحر، فصار الكهرب داخل بحر البلطيق وفي البحار المجاورة من روسيا وبولندا حيث يستخرج وتصنع منه عقود للنساء، واضيف الى الذهب والفضة في جيد المرأة ويدها لتزداد جمالا على جمال.

وتتراوح الوان الكهرب ما بين اللونين الاصفر والبرتقالي وحسب سلق فقد تحول الكهرب الى تجارة وانتشرت صناعة المسابيح في العالم العربي، وراحت المدن العربية تتخصص في تصنيع نوع من هذه المسابيح من القاهرة الى دمشق فاسطنبول فالكويت.

وتروج تجارة المسابيح عادة في مواسم الحج، وقد دخلت على مسباح الكهرب الالوان والزخارف والنقوش، وعرف من انواعه المبرقع والمنمش والمغلف، ووصل سعر الغرام الواحد من 30 الى 40 دينارا على حد قول سلق.

ويعد مسباح الكهرب الالماني الاجود بين مختلف الانواع. ويعلل سلق ذلك بقوله: لان حجره قديم، ومخروط بشكل دقيق وجيد، كما ان حباته متساوية في الخرز وفتحاته، ومثل هذه المواصفات ترفع سعر المسباح خصوصا بعد ربطه او شكه بقطعة من الفضة.

ويواصل سلق الذي يهتم كذلك بالفضة ويهوي جمع الاواني والقطع الفضية النادرة، سرد معلوماته عن الكهرب قائلا:
كان الكهرب يستخدم في اغلب الدول قديما مهرا للعروس وذلك على شكل قطع اوعقود الى جانب الذهب، وكان الناس يستوردون مهر العروس او هذا الكهرب من مصر، ومع انفتاح العالم وتطور المدنية اصبح الكهرب هدية تقدم الى كل عزيز.

ووفق سلق فان الاتراك هم اشهر صناع الكهرب البرتقالي والابيض، لكن الصانع الكويتي هو الاجود والافضل والاذوق، وبدأ ينافس البولندي والالماني على رغم ان الالماني هو الاشهر لتطور الماكينة الالمانية والدقة في الصناعة.

ويقول سلق الذي زار الكثير من الدول التي تهتم بالمسابيح:
وجدت ان الكويتي هو الاول في العدد والنوع والذوق، وبدأ التاجر المصري او السوري او التركي يزود محله بالكهرب الكويتي لدقة الصناعة، وتعتبر الكويت مركز المسابيح في العالم الاسلامي على رغم غلاء السعر بسبب النوعية الجيدة والصناعة الفائقة.

من اطرف الأمور ان الدول الغنية بالكهرب، التي تصنع المسابيح وتصدر ارقى انواعها، لا تعرف شعوبها التسبيح، اللهم الا تقليد الاخرين كما يحدث في الشيشة والغترة والعقال لدى السائحين، لكن سلق يقول ان اليوناني بدأ يعرف المسباح خصوصا المسيحيون، لكنه يبقى لديهم هدية وزينة في عنق المرأة.
وحجر الكهرب لا يتكاثر، الا ان كميات كبيرة منه تكتشف في اماكن لا يتوقع وجوده فيها. يقول سلق: بعد انهيار الاتحاد السوفيتي اكتشفت في ليتوانيا واوكرانيا واوزبخستان كميات كبيرة لا يعرف حجمها من ضخامتها.

وعما اذا كان الكهرب يمكن ان يغش قال سلق:
نعم، بعض الناس يغشون، وهناك كميات كبيرة مغشوشة في الاسواق، ومن لا خبرة لديه سيقع في الغش، فالكهرب الطيب يعرف من الملمس والرائحة والوزن والنظر وفتحات الخيط، والغش لا يتوقف على الكهرب، بل يطال مسباح المرجان، واليسر، والفوتوران، والسندلوس، والعاج الغالي، والكوك المصنوع من جوز الهند وهو بني يشبه الخشب وينتشر في مصر، وقد بدأ الكويتي يستورد خشب الكوك ويصنع مسباحه في بيته لوجود الآلات.

*متحف مسابيح
ولدى المهندس جمال سلق متحف خاص غني بالكثير من القطع الزجاجية والفضية الانتيك، ولديه 1020 مسباحا مصنفة من الدرجة الاولى عالميا وهو يستعد بها لدخول موسوعة غينيس العام المقبل.
ويقول سلق: 90% من هذه الكمية مسابيح كهربية، والبقية بين مسباح الزمرد والزفير واليسر والمرجان وانا الآن عالميا محترف في المسابيح عددا ونوعا وتصنيعا، وعندي مكائن للتخريط والتنظيف وشك المسابيح، وقد وصلت الى مرحلة اجد فيها ان الانواع المتوافرة في السوق لا تعجبني الا المصنوعة من يدي.

وأغلى مسباح لدى سلق لا يقدر بثمن، حيث وصل سعره الى عشرة آلاف دينار الا انه رفض بيعه لانه يستحق أكثر من ذلك بكثير فهو من حجر انتهى نهائىا.
ويقول سلق: اصبح هذا المسباح عزيزا علي مثل ولدي ولدي مسابيح مدللة أضعها في علب مخملية وفي مكان خاص حيث لا يوجد من انواعها الا 2 او 3 مسابيح فقط.

ويعد الشعب العراقي اكثر الشعوب استعمالا للمسابيح ـ حسب سلق ـ فهو اشهر من حملها لكن الموازين تغيرت واصبح الكويتي الاكثر استعمالا وخبرة وذوقا اما اللبناني فهو عاشق المرجان وتجد مسباحه من الحجر الاحمر المأخوذ من البحرين الاحمر والمتوسط، وكذلك التونسي، اما السوري فيعشق الفوتوران، ويعشق المصري عطش القديم والكوك والعاج، ويستعمل التركي مسباح سندلوس وفتوران.
ويشعر عشاق المسابيح عادة بالضيق والالم اذا شاهدوا مسباحا مهملا في يد اي شخص.
ويقول سلق: كل وقتي مع المسابيح، واحيانا تعترض زوجتي على الاوقات التي اقضيها مع المسابيح حيث ابدأ من الخامسة مساء حتى العاشرة ليلا واذا شاهدت شخصا بيده مسباح نظيف مرتب ارتاح له واحترمه واقدره.

وحسب سلق فإن كل من يعشق المسابيح الثمينة يهوى طوعا وحبا جمع الاوبلين وهو الزجاج الفرنسي الغالي الثمن ويقول: لدي 450 كيلوغراما من الاواني الفضية الصافية المصنوعة بالابرة وكل قطعة يرجع تاريخها الى العهد الاسلامي الاول والعهد الصفوي، ولدي قطع اصفهانية تبريزية، كما ان عاشق المسابيح يدخل عالم السجاد العجمي القديم النادر ولدي منه قطع لا بأس بها.