عندما يتفاخر الناطق بلسان القوات الاميركية في العراق بقتل مئات العراقيين في مدينة الفلوجة او النجف او الثورة «الصدر» فمعنى ذلك انه يعلن عن انشاء مقبرة جماعية جديدة. المقابر الجماعية التي قيل ان القوات الاميركية اكتشفتها في العراق بعد احتلاله كانت بالفعل مقابر جماعية، دفن فيها ضحايا مجزرة العدوان الاميركي على القوات العراقية المنسحبة من الكويت، حتى اطلق على الطريق التي سلكتها القوات المنسحبة اسم طريق الموت، ولكن ماذا تقول عن المقابر الجماعية الجديدة في عهد الاحتلال، وهي اكثر عددا واكثر ضحايا؟
وحتى عملية القمع التي قام بها نظام البعث ضد ما سمي ثورة الشيعة في الجنوب وتمرد الاكراد في الشمال بناء على اوامر المخابرات الاميركية في اعقاب وقف اطلاق النار في حرب «تحرير» الكويت، هذه العملية التي استغرقت يوما او يومين لا تقاس بفظاعة عمليات القمع الدموية المستمرة التي تقوم بها قوات الاحتلال الاميركية على اساس يومي تجاه ثورة الفلوجة وتمرد جيش المهدي.
جاء الاميركون الى العراق لنزع اسلحة الدمار الشامل فلم يجدوها، ولمحاربة الارهاب فكانت النتيجة تحويل العراق الى ارض خصبة للارهاب وفتحها امام جهاديي القاعدة، ثم بحثوا عن مبررات اخرى كنشر الديمقراطية فنشروا الدكتاتورية والتعسف، وعن اعادة الاعمار فنشروا الخراب والدمار، وعن عالم افضل واكثر امنا في غياب صدام فاوجدوا عالما اسوأ واقل امنا في حضور الاحتلال.
بعد كل هذه النكسات يكتمل الالف الاول من قتلى الجنود والضباط الاميركيين في العراق، واهدار «150» مليار دولار قابلة للزيادة فهل يقبل الشعب الاميركي هذه الخسائر البشرية والمالية والاخلاقية كثمن لتغيير النظام بدون غطاء شرعي، في دولة صغيرة، لا تهدد اميركا، ولا تمارس الارهاب، ولا علاقة لها بالقاعدة؟
الانتخابات الرئاسية القادمة ستجيب على هذا التساؤل،واذا لم نسمع الجواب الصحيح، فاللوم على كاهل المرشح الديمقراطي كيري، الذي لم يحسن معارضة خطط ومبادئ وممارسات الرئيس بوش، بل حاول ان يكون نسخة ثانية عنه، لا يختلف معه في الاهداف بل ببعض الوسائل.