انتهت (الجولة) الثانية من سوبر ستار العرب بفوز (أيمن الأعتر)، وآن لنا أن نتأمل هذه (الهيصة) الفنيّة بغضّ النظر عن نوايا الفنان الكبير الياس الرحباني. الجولة الأولي أنجبت لنا ديانا كرزون في المركز الأول، ورويدا عطيّة في المركز الثاني، فماذا قدمتا في هذه السنة؟
ديانا قدمت أغنية خفيفة متواضعة يقول مطلعها:
انساني ما بنساك
هذه (الطقطوقة) لسوبر ستار العرب متواضعة وأقل من أن تقدّم فنّانة كبيرة بشّرنا بها، وخيضت حرب لتتويجها وانتزاع اللقب لها من السورية رويدا التي ما زالت تغنّي لأم كلثوم، والصبوّحة، وليلي مراد.
منذ انطلاقة سوبر ستار الأوّل لفت انتباهي مع غيري أن الجمهور المصري غير آبه بهذه الهيصة، وكأنما لسان حاله يقول: أينما تذهبين فخراجك لي، يعني لا بدّ لأي فنّان من الحضور إلي مصر المحروسة ليتكرّس عربياً.
الجمهور المغاربي لم ينهمك في إرسال (المسجات) التي تحبّذ فلاناً أو فلانة، وإن تغيّر الحال في (سوبر ستار) العرب الثاني بالمنافسة التي يخوضها الليبي الموهوب الرقيق الأنيق أيمن. قرأت أن العقيد القذّافي مهتم جداً بالأمر ويتابع (النجم) الليبي...
الياس الرحباني ومن معه أرادوا التأثير في الذوق الغنائي العربي، والإسهام في تنظيفه من المتطفلين عليه وغنائهم الرديء أصواتا، وألحاناً، وكلمات، فهل تحقق من هذه النوايا شيء؟!
نعم، فلقد سمعنا أصواتاً صقلت في تلفزيون (المستقبل) وبجهود الياس الرحباني، وعبد الله القعود، والفنّانة فادية الحاج ـ وهي فلسطينية متزوجة من لبناني ـ التي أضافت للجنة ما دعمها في (سوبر ستار) الثاني، فتعليقاتها عميقة، وذوقها الفنّي عالي المستوي، وهي لا تجامل علي حساب الفّن. هنا أتوقّف لأسأل: لماذا غابت عن الحلقة الأخيرة يوم النتائج والتتويج، مع انها موجودة في بيروت وقد ظهرت كضيفة علي (المستقبل) في برنامج زاهي وهبه؟!
السؤال الأهم عندي هو: من سيتبنّي هذه المواهب؟ أم تراها ستترك للفضائيات المبتذلة، وفنادق الخمس نجوم، ومتعهدي الحفلات الذين سيحرقونها ويحرفونها؟
في الجولتين الأولي والثانية تحوّل التنافس الفنّي إلي (صراع) إقليمي، وحملات دعم مبتذلة مفتعلة.
سوبر ستار العرب يفترض أنه، أو أنها، لكل العرب، ولكن (الفزعة) الإقليمية أفسدت الأهداف الطيّبة. لقد ثبت أن أي قطر عربي عاجز عن افتعال وجود (أم كلثوم) جديدة، أو فيروز جديدة، أو عبد الوهاب جديد، أو فريد الأطرش جديد، أو حتي مونولوجست كشكوكو...
بعض الذين سمعناهم وطربنا لهم في المرحلة الثانية من (سوبر ستار) العرب يمكن أن يكون صاحب حضور كبير ولكن الجمهور خذله قبل التصفيات النهائية، اقصد (المشلّح) السوري الذي يغنّي الموشح، والموّال، ويجعلنا مطمئنين إلي أن زمن صباح فخري سيستمر.
(رنيم) المصري صوت حسّاس، جميل، رومانسي، ولا أنسي (الأسمر) بصوته القوي الواثق المطرب، وهو يدرس الموسيقي، وهذا يطمئن إلي انه يأخذ الأمور جدياً، ويخطط لمستقبله متسلحاً بثقافة موسيقية...
ماذا بالنسبة لعمّار حسن (السلفيتي) ـ نسبة إلي بلدة سلفيت الفلسطينية التي اشتهرت بأنها أنجبت الشاعر الشعبي (الحدّاء) راجح السلفيتي؟
جهات فلسطينية (فزعت) للفلسطيني عمّار، وفطنت إلي وجوده مع أنه يغنّي منذ سنوات في فنادق (دبي)، والفضل في اكتشافه وتشجيعه يعود للفنّان الياس الرحباني الذي سمعه في دبي فألح عليه أن يشترك في مسابقة (سوبر ستار) ليجرّب حظه، وحظّه لم يأت صدفة بل تحقق بصوت جبّار، خارق للجدار ـ كما وصفه الياس الرحباني في الحلقات الأخيرة. يغنّي عمّار لعبد الوهاب فيطرب ـ ما أجمل غناءه لجفنه علّم الغزل ـ ويغني لوديع الصافي فيبهر، ويغنّي لنصري شمس الدين فلا نملك إلاّ أن نقول سيد يمضي علي خطي سيّد. نصري شمس الدين ـ رحمه الله ـ يشعرك منذ اللحظة الأولي للالتقاء به أنك في حضرة سيّد، وهذا ما شعرت به وأكبرته فيه عندما التقيت به في جلسة مطوّلة في (القدس برس) في بيروت عند صديقي حنّا مقبل...
لا ينقص عمّار حسن شيء سوي أن تتبناه جهة تحترم الفن، وتقدّر المواهب، وتعني بالحفاظ علي الذوق العام، فهل سيجد عمّار مثل هذه الجهة، وهل سيجدها ايمن، والمشلّح، والأسود، ورنيم، أم سيشلّحون من مواهبهم ويزج بهم في فوضي العري الفضائي العربي ليقدّموا ما ينسجم مع الحقبة العربية الهابطة سياسة، واقتصاداً، وفنّاً، ورياضة ً؟ (العرب جميعاً فازوا بأربع مداليات ذهبية في أولمبياد أثينا، اثنتان منهما للمغربي الكروج) !
يا عمّار سأروي لك تحديداً ما يلي: ذات يوم التقي الكاتب الروسي العظيم مكسيم غوركي بفنّان روسي شاب فنصحه: أوصيك أن تغني غناءً يجعل كل من يسمعك يشعر بأنه يسمع روسيا، ويري روسيا في صوتك بسهوبها وتاريخها...
يا عمّار: لقد قالت لك السيدة فادية الحاج:
ـ الحظ دائماً حزناً في صوتك، ويعجبني أنك تتعامل معه بكبرياء، تخفيه وتكبر عليه...
وأنت أجبتها بذكاء وتلقائية:
ـ حالي من حال شعبي...
يا عمّار لا تغن لأي فرد، ولكن غن لفلسطين وشعبها، غن لأمتك، افعل كما فعلت فيروز العظيمة التي رفضت أن تغنّي لأي حاكم عربي وغنّت لأوطان، لأقطار هي جزء من وطن أمّة.
سيحاول بعض السفهاء توريطك في غناء لفرد ما، ثمّ ستكر المسبحة فإذا كل ما بشّرنا به (سوبر ستار) يذهب أدراج الرياح. فلسطين تحتاج فنانين مبدعين، فصن موهبتك، واذهب إلي فضاء أمّتك ولا يؤثرن فيك أنك الفائز الثاني، فموقعك تقرّره مسيرتك ومستقبلك في يدك.
يا أيمن لايغرّنك أنك فزت بالمركز الأوّل: لا تغن لا للأخضر ولا للفاتح، غن لليبيا الوطن، واعلم أن من حوّلوا التصويت لك إلي معركة إقليمية لم يعتنوا بفنّان كبير هو محمد حسن، واستهلكوه في أناشيد لمعارك لا معني لها...
قلبي عليكما وعلي الفن والذوق العربي الذي أفسدته الثقافة الإقليمية، والمحطات الإقليمية، والعقليات التجارية المفسدة، ووصيتي ستبقي: لا تغن يا عمّار حتي لأبي عمّار ـ والدك ـ ولا تغن يا أيمن إلاّ لأمك ليبيا من شعر شعرائها وكتّاب كلماتها الشرفاء الصادقين، لأنكما بهذا ستصلان إلي الفضاء العربي، وستكونان نجمين لا ينطفئان بسرعة البرق...
- آخر تحديث :
التعليقات