ترجمة: كوليت مرشليان: يعتبر الممثل جيرار دوبارديو من أبرز الفنانين الممثلين الذين لاحقتهم الصحافة الفرنسية والعالمية لتقصي أخباره وأسراره وتفاصيل حياته الشخصية الصاخبة. اليوم، قرر أن يفصح عن سيناريو حياته في فصول كتاب يصدر قريباً عن دار "بلون" في باريس. صاحب أو بطل الـ165 فيلماً سينمائياً يحكي بصراحة ويحاول أن يشرح أو يبرر القرارات الحاسمة التي اتخذها في حياته من انفصاله عن زوجته وإقامته علاقات غرامية غير مشروعة، الى مشاكل عديدة تعرّض لها أفراد أسرته، خصوصاً ابنه غيّوم الذي اتهم بحيازة المخدرات ودخل السجن مرات عديدة وعرف عنه التصاق شخصيته بعنف وشراسة مع أنه برز كممثل موهوب في عدد من الأفلام الناجحة قبل أن يتعرض لحادث دراجة آلية يفقد على أثره ساقه.
دوبارديو يتحدث في الكتاب في ما يشبه المقابلات الصحافية، في قالب السؤال والجواب حيث السائل هو الصحافي لوران نيومان والمجيب هو دوبارديو. نقتطف من الكتاب بعض المقاطع التي نشرتها في شكل حصري مجلة "لونويل أوبسراتور" قبيل صدور الكتاب ـ الاعتراف وعنوانه "غرامياتي"، حيث عناوين قصص حبه بأسماء الأشخاص:
"الديديه" و"ليلات":
"كان والدي حرفياً، يعمل في الصفائح الحديدية. كان قد ولد عام 1923 في "مونشوفرييه"، وهي قرية صغيرة ونائية، وكان رجلاً جميلاً. ابني غيّوم يشبهه كثيراً. كان يفوقني طولاً، لكنه كان نحيفاً مثل غيّوم. وكانت عيناه زرقاوين مثل غيّوم أيضاً وأشقر مثله...
وكانت والدتي دائماً حاملاً، فهي قد أنجبت ستة أطفال في مطلق الأحوال. في الحقيقة، كانوا سبعة، لأنها فقدت واحداً عند الولادة! أعتقد أن والديّ كانا متحابين بقوة، لكن ثمة ما كان تراجيدياً في حبهما. تخيّل أن جدّي من جهة والدتي كان يقيم علاقة غرامية مع جدّتي من جهة والدي، وكانت تدعى اميلين فولاتييه ولكن كان الجميع يدعوها دنيز...
(..) انه أمر مزعج، لكنه كان حقيقة. لم أجرؤ يوماً على الحديث عن الموضوع سوى مع حبيبي النفسي، ذات يوم، اكتشفت ليلات الأمر. أما "ديدي" (والده) فلم يعرف بالأمر طوال حياته (...) هذه العلاقة وتّرت الأجواء. ولكن ما بين والديّ كان هناك انسجام. ليلات لم تحب أحداً في حياتها كما أحبّت ديدي وهذا الأخير كان يعبد ليلات. ولكني لست أكيداً أنهما عرفا كيف يصرحان عن حبهما لبعضهما يوماً. لم يكونا يمتلكان الكلمات. كانت عائلة تعرف الصراخ ولكن ليس الكلام. أتذكّر جيداً لحظات الصمت الثقيل والرهيب. الصمت الطويل الذي يجعلك تراقب طيران الذباب من حول اللمبة. كنا نمضي ليالي طويلة من دون لفظ كلمة أو من دون حركة، جالسين على الكراسي. فيما بعد، وحين عملت في المسرح، استخدمت هذه التجربة، تجربة الصمت ومراقبة الوقت الذي يمضي، في عملي مع كلود ريجي...".
اليزابيت
(خلال متابعته الحصص الدراسية لدى جان ـ لوران كوشيه، التقى دوبارديو اليزابيت غينيو، زوجته المستقبلية).
"ما كان أكيداً هو أنني لم أكن مطابقاً لصورة "الصهر" المثالي الذي كان كل من السيد والسيدة غينيو بانتظاره، (كان والد اليزابيت مسؤولاً في مؤسسة سكك الحديد وكانت والدتها تنتمي الى عائلة دوفينيه النبيلة) وكانا يحلمان بإنسان مختلف لابنتهما. مع هذا، وحين تقدّمت بطلبها للزواج، قال والدها أمام الجميع: "يمتلك جيرار شيئاً خاصاً ومهماً أكثر من نوعية تعليمه، انه يمتلك قلباً كبيراً. كان والدا اليزابيت من الطبقة البورجوازية الحقيقية، لكنهما كانا يمتلكان ذكاء القلب أيضاً. (...) تزوجنا مدنياً في 11 نيسان 1970 في بورغ ـ لا ـ رين (...) هل يمكن أن تتخيّل "الديدي" في ثيابه الرسمية القديمة و"ليلات" في فستانها المزيّن بالورود، كيف وصلا الى مبنى المختار؟ عائلة غينيو من جهة، وعائلة دوبارديو من جهة أخرى؟ وكنتُ قد طلبت من والدي عدم الإكثار في تناول الكحول، وبالفعل، في ذلك اليوم لم يشرب سوى ليمون "البيتش"...
(...) لا أعرف إذا كان يمكن أن أقول إن اليزابيت كانت بالنسبة لي في مثابة "بيغماليون". ولكن في كل الأحوال، لقد أحببنا بعضنا بعضاً، كثيراً. ما هو أكيد، أنها فتحت لي روحها، وأنها وضعتني أمام أشكال ثقافية جديدة كنتُ أجهلها بالفعل (...) كنتُ أعمل كثيراً، وأسافر بشكل دائم، فعرفت كيف تملأ الفراغ في غيابي، وكيف تهتم بالأولاد، وهذا كله بالطبع على حساب مهنتها هي. خاصة، لقد عرفت كيف تسامح أموراً عديدة قمت بها: كل هفواتي، وكل مبالغاتي وكل هروبي... وفي الوقت نفسه كانت تعرف كيف تختار الكلام لتعود وتضعني على الطريق الصحيح، في كل مرة، لتذكرني بالأولويات. بالطبع لم تكن عالمة نفسية من أجل لا شيء".
جانو
"لم نعد ننفصل واحدنا عن الآخر (أنا وكارميت) منذ لقائنا في اليوم الأول. كان الأمر منسجماً بشكل غريب فيما بيننا. كنا مصنوعين من نوعية "خشبية" واحدة، وكنا نمتلك الإحساس نفسه بالأرض وبالخمر، وكنّا نشعر بحاجة متشابهة الى الحلم وكنا نتعاطى مع الآخرين بأسلوب متشابه أيضاً. ولقد اخترعنا ما أسميناه فيما بعد "عشاء الأغبياء". كنّا في ليالي احتساء الخمرة حتى الثمالة، ما أن يقع نظرنا على أحدهم في الطريق حتى نتمسك به وندعوه الى العشاء، خصوصاً في مطعم "الزاوية" قرب المحطة... لم يأخذ أحد مكانة جانو في حياتي، فيما بعد، كما لم يأخذ أحد مكان فرنسوا (تروفو) أو بربارة (المطربة). انهم أشخاص مميّزون لا يمكن أن يخرجوا من حياتي وذاكرتي. أحياناً كثيرة، وفي فترات صعبة من حياتي، أعود وأشعر بوجود جان الى جانبي. لا، حقاً، جانو لا يفارقني، انه دائماً معي...".
فرنسوا تروفو
"كان تروفو عبقرياً متكاملاً. كنتُ أعبده. وكنتُ من بين القلائل الذين يحادثونه من دون تكلّف. لأننا وبسرعة أصبحنا صديقين. أذكر، أنه في ذلك الوقت جعلتني الشخصية السينمائية التي وضعها "انطوان دوانيل" أتجمّد وأشعر بنفسي من رخام. كنتُ قد أحببت كثيراً (Les 400 Coups)، لكن المغامرات العاطفية التي أعطاها لشخصية انطوان دوانو في "القبلات المسروقة" جعلتني بارداً جداً حيالها. لم أتمكن من أن أحبه. ربما أنني لم أكن أمتلك المرجعية الثقافية والفكرية الكافية لأتمكن من تقويمه جيداً. بعد حين، أي حين نضجت أكثر، رأيت من جديد هذه الأفلام وقلتُ في نفسي "يا لكَ من أهبل، إنها أفلام رائعة ومترفعة جداً...".
باربرا
"باربرا، هي أجمل قصة حب في حياتي"... لم أرَ في حياتي امرأة بشجاعتها وبقدرتها على العمل. كل كلمة نطقت بها، كل جملة قالتها كانت مثل جوهرة حقيقية، مشغولة بشغف. سوف ترى، سوف نستمر طويلاً في إعادة اكتشافها من جديد. حتى اليوم، أشعر بألم حين أستمع الى أغنياتها فهي تجعل بدني يقشعر... وإضافة الى غيابها الذي يشعرني بالوجع الرهيب، أحس دائماً أن كل أعمالها الفنية التي قدمتها هي من الأعمال التي قد تساعد الإنسان على العيش. وما أفتقده بقوة أيضاً هو ضحكتها. تلك فصول الضحك القوية التي كنّا نتقاسمها معاً، كانت امرأة فانتازية بقوة، وهذه الفانتازية بالذات هي التي فقدتها مع رحيلها (...)".
فيدل
(في التسعينات، انطلق دوبارديو مع صديقه جيرار بورغوان في مسيرة بحث عن البترول في كوبا...).
"هافانا في التسعينات، لا علاقة لها بهافانا السبعينات. لقد تغيّرت الحياة كلياً هناك، ونظام الحكم صار أكثر طراوة. وفيدل أيضاً تغيّر. باختصار، قبلت بلقاء هذا الرجل الذي جعل أشخاصاً كثيرين يحلمون به، والذي قبل عنه أمور رهيبة أيضاً. (...) وفي لقائنا الأول، أعطيته وصفة لطريقة طهي "الأرانب المحمّرة والمطبوخة". (يضحك بقوة).
حقيقة! قال لي: "جيرار، ما هو سرّ هذا الطبق؟" وأنا أجبته: "نوعية الأرنب، فيدل. النوعية!" كان نقاشاً سوريالياً. كان يعرف كل شيء عني، عن مهنتي، عن أفلامي. واعتبر مجيئنا إليه أمراً جيداً وشكرنا وكأننا نبحث عن الذهب في الغرب الأميركي (...) قد تعتبر أنني أكذب إذا قلت أن كوبا قد أصبحت مثالاً للديموقراطية والليبرالية، وقد تجد الأسوأ في أماكن أخرى...".
مايكل مور
"انه في كل الأحوال أفضل من جان ـ لوك غودار، أليس كذلك؟ معه، يتخطى الواقع الخيال (...) ولكن ليس لكل الناس الحظ في أن يكون في متناول يدهم بطل مثل جورج بوش! وحين أسمع أحدهم يقول، كي يسوّق أعماله أكثر، أن مور يصنع سينما سياسية، أشعر برغبة في الضحك في الخفاء. وشكسبير، وموليير، ماذا كانا يعملان سوى المسرح السياسي؟ كيف يمكن أن نسمي أو نصف مسرحية "تارتوف" لموليير سوى أنها ترسم سياسة عصرها؟ أو "القيامة الآن" لفرنسيس فورد كوبولا؟".