القرار الدولي الاخير المتعلق بسيادة لبنان سيكون، ولفترة طويلة مقبلة، عامل الانقسام السياسي الاساسي في البلد، والحجة المستخدمة في هذا الانقسام. فهو جاء في الوقت الذي ينقسم اللبنانيون على التمديد لرئيس الجمهورية، الخطوة التي اظهرت ان السياسة السورية لم تتأثر بكل ما قيل عن ضرورة عدم المس بالدستور، وانها لا تزال تلقى صدى واسعاً بدليل الاقبال النيابي على دعمها.

وبات الانقسام حاداً. اذ ان تأييد القرار الدولي يعني الخروج السوري نهائياً من المعادلة اللبنانية وتفكيك عوامل قوة دمشق في لبنان. ومعارضة القرار تعني لبنانياً التسليم بالوضع الحالي، وبغض النظر عن كل ما ينتج عنه من مضاعفات، على لبنان وسورية معاً.

وبعد التمديد، اي الانتصار السوري على الموقف الدولي من لبنان وسيادته، لم يعد سهلاً على الاطراف التي عارضت تعديل الدستور ان تستند الى قرار مجلس الامن. اذ ستوضع مباشرة في خانة العداء لسورية، الامر الذي لم يعلنه أي من الاطراف اللبنانيين الفاعلين، سواء في الاوساط السياسية او الحزبية او الروحية.

وضعت دمشق في احراج كبير بعض حلفائها اللبنانيين من خلال رفضها النظر في خيارات اخرى، غير تعديل الدستور والتمديد. وهي خيارات يعتبرها هؤلاء الحلفاء، وكذلك مناهضو السياسة السورية، بانها كانت متاحة ولا تهدد «العلاقات المميزة».

كذلك وضع القرار الدولي في الاحراج نفسه معارضي تعديل الدستور والتمديد، لأن أي معارضة في ظل العهد الممد له ستحسب على القرار الذي يتجاوز كثيراً، في مضمونه واستهدافاته، ما يطالب به هؤلاء المعارضون.

موضوع الاحراج ليس مرتبطاً بما قال عنه لبنان الرسمي في شأن التدخل الدولي في قضاياه الداخلية وعلاقته بدولة مجاورة. اذ ان مضمون القرار يركز على معنى الوجود السوري في لبنان، وهو أمر فهمته دمشق بوضوح. فتعاملت معه على انه انقلاب على اتفاق الطائف، في الوقت الذي لا تزال ترى انها تملك اوراقا اساسية في لعبة موازين القوى في لبنان. وتالياً لن يكون سهلاً على معارضيها الاستناد الى القرا رالدولي من دون ان يقعوا في خانة الدعوة الى اعادة النظر في الاتفاق.

كان يمكن للتمديد ان يكون مفيداً لو جاء في اطار استمرار خطة مصالحة وطنية لم تستكمل في الولاية المنتهية، وفي اطار استمرار خطة معالجة الازمة الاقتصادية واعادة بناء الدولة. لكن كل المشكلات الداخلية المتراكمة، من هذه الولاية وما قبلها، لم تكن في حساب التمديديين. واقتصرت الحجة على المواجهة القومية، الامر الذي لم يكن يبرر التمديد، ما دامت الخيارات الاخرى تحقق هذا الغرض.

كما كان يمكن لقرار مجلس الامن ان يكون مفيداً لو جاء على اساس طلب وإجماع لبنانيين، لكنه جاء بمبادرة مشتركة مع الولايات المتحدة التي لم تظهر اياً من احتمالات الحياد في الصراع العربي - الاسرائيلي، مما يسهل وضع القرار في خانة استمرار الانحياز الى الدولة العبرية. وعندما رحبت اسرائيل بالقرار عنى ذلك أنه مضر بالضرورة بالموقفين السوري واللبناني في الصراع.

لم يخدم التمديد على النحو الذي حصل لبنان. كما لم يخدمه قرار مجلس الامن على النحو والتوقيت اللذين جاء فيهما. وحصيلة الخطوتين احراج وتقييد للبنانيين الساعين الى إعادة بناء بلدهم.