عريب رنتاوي: كان لتأخر إقلاع طائرة الملكية في رحلتها رقم 112 من مطار هيثرو إلى مطار الملكة علياء أمس الأول، أثر مركب هذه المرة... فالانتظار عند بوابة المغادرة أمر مثير للكآبة خصوصا للمدخنين منا... ومشاهدة الصور والتعليقات المبثوثة على الهواء مباشرة من محطة بي بي سي عن أزمة الرهائن الأطفال في مدرسة بيسلان، كان بمثابة كابوس آخر، يحملك إلى ضفاف الرغبة المجنونة في تغيير لونك وجلدتك.
أطفال مذعورون... يتراكضون عراة في كل اتجاه بعد أن عضهم الجوع بنابه، وتمكن منهم الظمأ حد الجفاف... والتقارير تتحدث عن عشرة من العرب كانوا من بين الخاطفين، سقطوا قتلى أو أسرى.
أي جنون هذا الذي بلغ ببعض أبناء جلدتنا وهويتنا ومعتقدنا... أية هستيرية تلك التي تزين للمصابين بلوثتها، أفكارا إجرامية من هذا النوع... أي قضية تلك التي يدافع عنها هؤلاء، وكيف يمكن لأعدل القضايا وأقدسها أن تنتصر، فيما الشيطان نفسه يعجز عن أن ينبري مدافعا عن هذه الوسائل الدموية ومبررا لها.
لم يكترث أحد من الجالسين على مقاعد المغادرين بوجودي، لا بلون بشرتي ولا بلكنتي التي كنت أرد فيها على استفسارات بعض التائهين... بيد أن إحساسا داخليا عميقا طاردني طوال الوقت حتى وجدت نفسي من دون أن أرغب أو أدري، قابعا في قفص في الاتهام، لكأنني شريك في الفعلة النكراء التي قارفها هؤلاء »المجاهدون«.
نحن الذين وقفنا مع القضية الشيشانية قلبا وقالبا، نشعر بالحرج الشديد، بل أننا لم نعد ندري ما الذي نفعله بعد أن بلغ الانحطاط في وسائل بعض قواها وفصائلها مبلغا لا يمكن الصمت عليه أو السكوت حياله.
فالقضية الشيشانية، قضية عادلة تماما... شعب يسعى الى تقرير مصيره بنفسه وامتلاك زمام حريته واستقلاله، بعيدا عن المنطق الامبراطوري المتفسخ، الذي ما زال يؤمن بنظرية المركز والأطراف، فالشيشان التي خضعت للحكم الامبراطوري القيصري والبروليتاري، من حقها تماما أن تمارس تجربة الحرية والاستقلال، ولديها في ذلك ما تقوله من اختلاف القومية والعرق واللغة والدين والتراث والتاريخ والتطلعات.
ولأنها كذلك، فقد حظيت قضية الشيشان بعطف دولي متنام، كاد يبلغ ضفاف الاعتراف الكامل بالدولة الشيشانية في المنقلب الأول من تسعينات القرن الفائت، بيد أن دخول القاعدة والوهابية والطالبانية وبقية المدارس الجهادية على خط الكفاح الشيشاني، أفسد مسيرة التحرر والاستقلال، وحرفها عن سكة التحرر الوطني المفهوم والمقبول بل والمطلوب، إلى سكة أخرى، سكة الإرهاب الأعمى الذي بات يطبع الحركة اليوم بطابعه الخاص، ولا يبقي لأصوات العقل والاعتدال في صفوف الحركة الشيشانية، أية هوامش للمناورة أو مساحة للتحرك.
منذ أن أصبح خطاب وشامل باسييف، رموزين لحركة التحرر الوطني الشيشانية، وهذه الحركة تلقى مصائر مشابهة للمصائر التي آلت إليها طالبان والقاعدة، وإلى أن تستعيد هذه الحركة بتياراتها الرئيسية رشدها ورشادها، وتنجز فك الارتباط الكامل والنهائي مع ما يسمى بتيارات »الصحوة الجهادية« فإن مصير الشيشان سيظل معلقا بالكرملين وساكنيه المتعاقبين.
- آخر تحديث :
التعليقات