لربما أنه حين تقع عينا القارئ على هذه الأسطر تكون الرهينتان كريستيان شينو وجورج مالبرونو الصحافيان الفرنسيان المحتجزان في العراق قد فك أسرهما. آمل ذلك. إلا أن هذه الحادثة بخلفياتها ووقائعها ونتائجها تشكل مادة تفكير وتأمل لموقع فرنسا اليوم في العالم العربي والإسلامي.
فلو عرف خاطفو الصحافيين الفرنسيين أن خطفهما سيثير موجة استنكار إسلامي لا مثيل لها لما أقدموا على الأرجح على اقتراف عملية الخطف. لم تكن فرنسا يوماً محط عطف العرب والمسلمين مثلما هي اليوم. أبرز الشخصيات وعدد كبير من المنظمات الإسلامية في العالم التي وقفت منذ أشهر ضد قرار فرنسا بإلغاء المظاهر والرموز الدينية ومنها الحجاب الإسلامي، في المدارس، استنكرت اليوم خطف الرهينتين واشتراط الخاطفين إلغاء قانون حظر الحجاب للإفراج عنهما.
لربما تفاجأت فرنسا من هذه الموجة التضامنية معها من العرب والمسلمين في العالم الذين، منذ أشهر، احتجوا على قرار منع الحجاب، واصطفوا معها اليوم دفاعاً عن مواطنين لها، وعرفاناً بدور سياسي دولي متوازن ومنصف لعبته فرنسا حيال القضايا العربية. فلا يجوز أن تكافأ فرنسا لموقفها الشاجب للحرب الأميركية على العراق باحتجاز مواطنين لها لا ناقة لهما ولا جمل بمسألة قانون الحجاب.
إلا أن الملفت هو الموقف الفرنسي الداخلي من مسألة خطف الصحافيين، وبالتحديد موقف مسلمي فرنسا منظمات وأفراداً. فعلى هذا الصعيد ندد المسلمون في فرنسا بعملية الخطف هذه ورفضوا أن تربط العملية بمسألة رفع الحظر عن الحجاب، ورأوا أن هذه التصرف يدينه الإسلام. وهكذا سافر الى العراق وفد من "المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية" والتقى هيئة علماء المسلمين في العراق، وقال عضو الوفد فؤاد العلوي: "عندما التقينا هيئة العلماء وجهنا نداء لإطلاق الرهينتين الفرنسيتين والسائق السوري (الذي كان يرافقهما واسمه محمد الجندي)، وأساس هذا النداء أننا نناشدهم باسم الله وباسم الدين الإسلامي أن يطلقوا الرهائن... وأن هذا يضر بالإسلام والمسلمين عموماً والمسلمين في فرنسا خصوصاً".
وفيما كان يُطالب خاطفو الصحافيين الفرنسيين حكومتهما بإلغاء قانون حظر الرموز الدينية الظاهرة بما فيها الحجاب في المدارس الرسمية، دخل هذا القانون حيز التنفيذ، يوم الخميس في 2 أيلول الجاري في أنحاء فرنسا حين فتحت المدارس أبوابها.
فكيف كان الجو السائد في تطبيق قانون حظر الرموز الدينية مع ابتداء السنة الدراسية؟ وأي انعكاسات تجلت لعملية خطف الصحافيين على الفتيات الفرنسيات المسلمات اللواتي يتمسكن بارتداء الحجاب؟
قالت حنيفة الشريفي عضو خلية الحرص على العلمانية في وزارة التربية، "إن الإطار الذي نحن فيه الآن يدفع الجميع الى الشعور بالمسؤولية، الأهل والتلاميذ والمسؤولين التربويين". وأوضحت أن الطالبات اللواتي أعلنّ في وقت سابق رفضهن العودة الى المدرسة غير محجبات، قدمن اليها "بشكل طبيعي جداً، أي من دون حجاب". وكانت فتحية اجبلي، عضو "اتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا" (ويعتبر هذا الفرع الأكثر تشدداً في المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية) قد صرحت الأحد الماضي: "أرفض أن ألبس حجاباً ملطخاً بالدم".
هذا وصرح وزير التربية فرنسوا فيون أنه في "العام الماضي كان هناك 1200 تلميذة يضعن الحجاب في المدارس... اليوم، حضرت الى المدارس 240 تلميذة يضعن الحجاب بينهن 170 تلميذة وافقن على خلعه، بينما هناك حوار مع 70 أخريات في شأن هذه المسألة".
لا شك في أن خطف الصحافيين الفرنسيين في العراق قد كان له تأثير ملطف على تطبيق قانون حظر الحجاب في فرنسا. بعد انتهاء هذا الحدث ستطفو الى السطح المشاكل العديدة التي ستواكب باستمرار تطبيق قانون الحظر هذا. ومن تلك المشاكل:
1 ـ إن العديد من الطالبات المسلمات في فرنسا سيجدن أنفسهن مرغمات على ترك التعلم أو المدرسة. وهذا حاصل اليوم مع تطبيق القانون.
2 ـ ستنشأ مشكلة مستمرة في التمييز ما بين الحجاب المحظور وعصابة الرأس (Bandana) المسموح بها التي تغطي الشعر والتي يمكن أن تحل مكان الحجاب. فمنذ الآن حددت ثلاثة معايير تجعل من عصابة الرأس إشارة دينية إسلامية، أي حجاباً. الأول، وضعها على الرأس طيلة النهار، والثاني، وضعها طيلة الأسبوع، والثالث تغطيتها الشعر بكامله!..
3 ـ أما المناقشة الإلزامية التي تتم مع الفتيات المرتديات الحجاب، قبل إقناعهن بخلعه أو طردهن من المدرسة، فإنها مسألة غير محددة الشروط في تطبيقها. تعليمات وزارة التربية تقول بأنها يجب ألا تكون طويلة ولا قصيرة المدة، أي أن لا تدوم أكثر من 10 الى 15 يوماً.
سيطبّق قانون حظر الحجاب في المدارس الفرنسية. ولكن بأي ثمن؟ وهل هو حل سحري لإدماج المسلمين في المجتمع الفرنسي ولتدعيم الجمهورية العلمانية؟
- آخر تحديث :
التعليقات